لا انتخابات نيابية فرعية، ولا انتخابات نيابية مُبكِرة… ويُشكّك كثيرون في إجراء الانتخابات النيابية في أيّار من العام المقبل، أي في موعدها. واقع يتطابق مع حجم الكارثة ببعديها السياسي والمالي، ولا يخرج من السياق المتوقّع في تسلسل الأحداث بعد فقدان السيطرة الكاملة تقريباً في إدارة دفّة الحكم.
عملياً، لا موانع تحول دون إجراء الانتخابات الفرعية. كان الأمر متيسّراً مع استقالة ثمانية من أعضاء المجلس، ثم مع ارتفاع الشغور إلى عشرة مقاعد موزّعة جغرافياً بين بيروت والمتن وكسروان وطربلس وزغرتا والشوف – عاليه.
وفق المعلومات، سيعمد وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إلى التقيّد بموجبات المادة 41 من الدستور التي تفرض الشروع في انتخاب الخلف خلال مدّة شهرين، إذا خلا مقعد في مجلس النواب، خصوصاً بعد وفاة النائبين ميشال المر وجان عبيد. وقد سبق لفهمي أن دعا الهيئات الناخية لإجراء الانتخابات الفرعية عقب استقالة ثمانية نواب بعد انفجار مرفأ بيروت، لكنّ الحكومة كانت أعجز من أن تلتزم بتنفيذ مقتضيات الدستور.
وبالتأكيد، قَلَب واقع 4 آب المشهد الداخلي رأساً على عقب، ووَضَع طبقة سياسية برمّتها في مرمى التقصير والمسؤولية تجاه هذه الكارثة. هي الطبقة نفسها المطلوب منها اليوم “إعادة إنتاج” نواب ينضمّون إلى السلطة المقصّرة الحاكمة.
عملياً، لا موانع تحول دون إجراء الانتخابات الفرعية. كان الأمر متيسّراً مع استقالة ثمانية من أعضاء المجلس، ثم مع ارتفاع الشغور إلى عشرة مقاعد موزّعة جغرافياً بين بيروت والمتن وكسروان وطربلس وزغرتا والشوف – عاليه
تقول مصادر سياسية معنية: “مالياً الأمر متاح لإجراء “الفرعية” من خلال احتياطي الموازنة، ولوجستياً يمكن التكيّف مع جائحة كورونا باعتماد إجراءات تقلّل من مخاطرها وهنا الصعوبة القصوى، لكنّ القرار السياسي ليس ناضجاً وهو مفقود على مستوى الرئاسات الثلاث. ولكلّ رئيس أسبابه وحساباته”.
ويبدو أنّ قوّة الإعصار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي تفرض تلازماً بين مصير الانتخابات المُبكرة وموعدها “الرسمي” المفترض في أيّار المقبل.
فبتأكيد المصادر، أنّ إجراء انتخابات مُبكرة أو في موعدها ستفرضهما معطيات عدّة أهمّها:
– الاستحقاقان يحتاجان إلى الإمساك بطرف خيط التسوية التي ستعلن بداية الحلّ الشامل لأزمة متعدّدة الأضلاع. ومن الصعوبة، وقد يكون من الاستحالة، الركون إلى انتخابات مُبكرة أو إجراؤها في أيّار المقبل، من دون وضع القطار على السكة، وهو ما لن يحصل من دون مساعي دولية بدأت من العاصمة الفرنسية وقد تنتهي في أكثر من عاصمة لن تكون بعض دول الخليج خارجها.
– ثمّة مؤشّرات حاسمة على مستوى الرئاستين الأولى والثانية بأن لا قرار بإجراء الانتخابات الفرعية. والتواريخ التي حدّدت لملء المقاعد الشاغرة خلال الصيف غير صحيحة. مع تسليم بأنّه في ظلّ “العصف” السياسي في المنطقة والداخل ورسم ملامح المرحلة المقبلة فإنّ “الضيوف” العشرة الجدد في ساحة النجمة لن يؤثروا في ميزان القوى. وهو واقع ينطبق تماماً على استحقاقي الانتخابات المُبكرة واستحقاق أيار 2022 لناحية تسليم قوى في الداخل، وأيضاً جهات خارجية، بأنّ القماشة النيابية الجديدة يجب أن تأتي ضمن سياق عملية “تنظيف” واسعة وتسوية شاملة قد تصل إلى تعديل قانون الانتخاب الحالي. وهو الأمر الذي دشّنه رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أشهر برمي “فتيشة” تعديل قانون الانتخاب داخل اللجان النيابية ثم فرمل المسار لحسابات تخصّ عين التينة، لم يكن من ضمنها بالطبع “الخضوع” لضغوط القوى المسيحية الرافضة لهذا الأمر. والأرجح أنّها ترتبط بصوابية التوقيت، إذ أنّ مطلب تعديل قانون الانتخاب يتلاقى عليه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط وقوى حليفة لهم. ويبرز من ضمن هذا “الحلف” من يجزم قائلاً: “لا انتخابات بقانون 2018”!
يبدو أنّ قوّة الإعصار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي تفرض تلازماً بين مصير الانتخابات المُبكرة وموعدها “الرسمي” المفترض في أيّار المقبل
– قدّم المشهد “النافر” والمتناقض أمس من قصر بعبدا، عبر كلام الرئيس المكلّف سعد الحريري ثم بيان الردّ من رئاسة الجمهورية، دليلاً إضافياً على عقم الأزمة وطول “نَفَسِها”. وهو الأمر الذي باتت قوى أساسية اليوم تسلّم بأنّه سيلازم ما تبقى من عمر الولاية الرئاسية في ظل عجز دولي حقيقي أو ربما عدم رغبة دولية في ظل الموازين الحالية بحسم بوصلة الحلّ في لبنان. وقد لا يكون مستغرباً سماع قريبين من رئيس الجمهورية يؤكّدون أمس: “احترقت ورقة سعد الحريري”.
– التمديد لمجلس النواب الحالي بات من الاحتمالات الواردة خصوصاً في ظل الحديث المتزايد عن فراغ رئاسي محتمل بعد 31 تشرين الأوّل 2022. ويعزّز هذا التوجّه أوّلاً السقوط التلقائي لمطلب الانتخابات المُبكرة الذي حاول الفريق المسيحي المضادّ للتيار الوطني الحر فرضها، فيما أول رافضيها حزب الله المتوجّس من تراجع الثقل الشعبي لحليفه المسيحي ميشال عون وتياره برئاسة جبران باسيل.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الفرعية: معارك مسيحية – مسيحية على النار!
أيضاً هناك ربط قوى سياسية التمديد لمجلس النواب بالوقت الذي قد يتطلّبه تعديل قانون الانتخاب والذي قد يشطح عن الموعد الدستوري لإجراء الانتخابات الصيف المقبل. وأيضاً لا نستبعد احتمال سير فريق رئيس الجمهورية بالتمديد لمجلس النواب ربطاً بحاجته إلى ترتيب تحالفات جديدة تقيه شرّ “الضربة القاضية” على ضوء التقهقر الذي شهده العهد خلال السنوات الفائتة. وتمديد كهذا قد يجرّ إلى تمديد ولاية عون على الرغم من حرص دوائر بعبدا حتّى الآن على نفي أي رغبة بالسعي لتمديد الولاية الرئاسية.
– وختاماً فقد تردّد كلام في كواليس مطّلعين على مناخات عواصم غربية وعربية يفيد بأن “ليس مجلس النواب الحالي من سينتخب الرئيس المقبل (الانتخابات النيابية تسبق الانتخابات الرئاسية). باعتبار أنّ تكوين “طبقة” نيابية جديدة سيحتاج إلى وقت أطول من مهلة الـ14 شهراً التي تفصل عن فتح صناديق الاقتراع”.