…”هذا الملف إن فُتح سيُفجّر فضيحةً سياسيةً وأمنيةً وقضائيةً كبرى. يجب معالجته من دون فتحه، بحيث يحقق العدالة لكيندا ولا يُغضِب الآخرين”، هذا ما قاله مسؤول لبناني رفيع المستوى قبل أسابيع عدّة لنشطاء كانوا يسعون لإطلاق سراح كيندا.
وفقًا لهذه المعادلة كما يبدو، أصدرت محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طاني لطّوف، قرارًا بإخلاء سبيل كيندا الثلاثاء الفائت بموجب كفالة مالية قدرها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية. وذلك استجابةً للطلب الذي تقدّمت به وكيلتها المحامية جوسلين الراعي، بعد تسعة أشهر على دخولها السجن بتهمة الاتصال بالعدو الإسرائيلي، والحكم عليها من قِبل المحكمة العسكرية الدائمة، بالسجن ثلاث سنوات.
الإفراج عن كيندا تحقق إلّا أنّ الإجابة عن الكثير من الأسئلة بقيت ضائعة:
1- لماذا لم يُنشر نصّ قرار محكمة التمييز، والتي استندت عليه لإعادة المحاكمة؟ وهل حقًّا طُلِب من هيئة الدفاع عدم تسريب نصّ القرار؟
2- ما حقيقة اختفاء أجزاء من التحقيق الذي أُجرِي مع كيندا عند توقيفها في الأمن العام، وهل ما تم تحويله من محضر مجتزأ ويخالف التحقيق الأصلي؟
3- لماذا سُئلت كيندا خلال التحقيق عن علاقتها بالشيخ أحمد الأسير؟ ولماذا سُحب هذا السؤال من محضر التحقيق؟
4- هل هناك مسؤول أمنيّ كبير تنكّر من محضر التحقيق، خلال زيارة خارجية له لدولة كبرى كانت مهتمة بملف كيندا؟
5- ما حقيقة منع كيندا من الكتابة في موقع “أساس” بعدما نشرت مقالة لها في الموقع بتاريخ 12 كانون الثاني 2021، تحت عنوان: “علينا أن نؤمن بالديمقراطية“.
لماذا لم يُنشر نصّ قرار محكمة التمييز، والتي استندت عليه لإعادة المحاكمة؟ وهل حقًّا طُلِب من هيئة الدفاع عدم تسريب نصّ القرار؟
أسئلة من المؤكد أنّ كيندا ومحاميتها لا يمكنهما الإجابة عنها بالكامل، فالقانون يُلزِمهما بالصمت حول ملف القضية، أما في المضمون، فإنّ سوط الإدانة ما زال مسلطًا على كيندا حتّى النطق بالحكم مجددًا.
*كيندا بين أهلها*
.. بالأمس استيقظت كيندا في فراشها بمنزل عائلتها، بعد تسعة أشهر من النوم في زنزانة، بدايةً في المديرية العامة للأمن العام، ثمّ في المحكمة العسكرية، وختامًا في سجن النساء بثكنة بربر الخازن في بيروت.
استيقظت كيندا صباحًا معتقدةً أنها في حلم. صوت أمّها يأتي من غرفة الجلوس، وها هي شقيقتها تُحضّر لها القهوة والفطور. فأكثر ما اشتاقت إليه هو رائحة قهوة الصباح مع العائلة، قبل أن يذهب كلّ منهم إلى عمله.
ما حقيقة منع كيندا من الكتابة في موقع “أساس” بعدما نشرت مقالة لها في الموقع بتاريخ 12 كانون الثاني 2021، تحت عنوان: “علينا أن نؤمن بالديمقراطية”
كيندا متمسّكة بصوتها وبحريّتها، وكأنّ تلك الشابة العكّارية تشبه حجارة تلك الأرض، فتقول في حوار أجرته الزميلة تالا غمراوي: “نشاطي السياسي مستمر ولن أتراجع عن كلمة الحق”.
بهذه الكلمات التي خصّت بها “أساس”، بدأت الناشطة كيندا الخطيب لحظتها الأولى خارج قضبان السجن. لتواصل كلامها مبتهجة: “لديّ شعور غريب في هذه اللحظات، خصوصًا أنه في لحظة إطلاق سراحي وأنا أحدّثكم من السيارة، وجدت الناس بالطرقات يطالبون بحقوقهم، ووجدت أنّ الشعب ما زال قادرًا على التّعبير عن حرياته والدفاع عن حقوقه. ما زال هناك بصيص من الأمل بهذا البلد، والشعب اللبناني لم تُقمع حريته بالكامل”.
إقرأ أيضاً: نعم.. كيندا الخطيب أخطأت
تصمت ثم تقول: “ما حصل معي هو قمع للحريات”. وتتابع: “بالقضاء دخلنا وسنخرج بالقضاء. حاليًّا إخلاء السبيل جاء بعد إعادة المحاكمة التي تمّ تحديد موعد لها، وتفاصيلها لدى المحامية التي أتوجّه إليها بالشكر الكبير على مجهودها ومحاربتها لإثبات الحقّ، وهي جوسلين الراعي، الوحيدة المخوّلة بالحديث عن القضية. كل ما أستطيع أن أقوله وأنا في طريق العودة إلى مسقط رأسي إلى أهلي واصدقائي: إن شاء الله خير مرحلة وبتقطع”.
كيندا التي قضت أشهرًا طويلة في السجن، رفضت الحديث عن مظلوميّتها، طالبة تأجيل الإفصاح عمّا في قلبها إلى وقت لاحق. هي الآن سعيدة بخروجها. لكنّها وجهت رسالة إلى كّل مظلوم قائلة: “طريق الحرية طويل، وليس فقط بالنسبة لي، اللبناني أمامه طريق طويل للوصول إلى الحرية، لا سيما وأنّ الوضع في لبنان يتأزم يومًا بعد يوم، والأمور تتجّه إلى الأسوأ، لذلك على كّل مواطن لبناني أن يكون على قدر من المسؤولية في هذا الوضع الراهن والصعب”.