..أخطأت كيندا الخطيب.
قد لا تعجب العبارة عائلة كيندا العزيزة، وقد تثير غضب الناشطين المتضامنين مع كيندا ومظلوميتها. إلّا أنّ كيندا بالفعل، لا بالقول، قد أخطأت.
خطأ كيندا لا يطابق قرار المحكمة العسكرية التي أدانتها بالتجسس والتواصل مع العدو الإسرائيلي، بل خطأ كيندا كما أراه ثلاثي الأطراف والأبعاد.
1- أخطأت كيندا عندما قررت مواجهة المشروع الإيراني في لبنان، ظناً منها أنّ هذه المواجهة تبدأ من الخليج العربي وتنتهي على ضفاف شواطئ قريتها في عكار على البحر المتوسط، فإذا بها تجد نفسها وحيدة في هذه المعركة.
2- أخطأت كيندا عندما وثقت بأنّ أجهزة الدولة الأمنية مهمتها حماية المواطنين اللبنانيين وأنّ قوى الأمن الداخلي قادرة على حمايتها ومساعدتها لتحقيق إنجاز وطني، خاصة بعد أن أبلغتهم بما لديها وعليها.
3- أخطأت كيندا عندما راهنت أنّ بين أهلها وناسها وطائفتها لا يمكن لأحد أن ينال منها لا جواد نصر الله ولا أي تقرير أمني ملفق.
ماذا في التفاصيل؟
لقد فنّدت محامية كيندا، جوسلين الراعي، في مذكرتها الخطية، التي هي بمثابة دفاع شفهي، كلّ التفاصيل والحقائق التي تسقط التهمة عن كيندا وتعيدها إلى منزلها وأهلها وجامعتها مرفوعة الرأس عزيزة غير ذليلة.
خطأ كيندا لا يطابق قرار المحكمة العسكرية التي أدانتها بالتجسس والتواصل مع العدو الإسرائيلي، بل خطأ كيندا كما أراه ثلاثي الأطراف والأبعاد
بدأت المحامية مذكّرتها بجملة لكيندا منذ بداية توقيفها تقول: “أنا لست عميلة ، أنا فتاة بريئة حلمت بلبنان الحرّ السيادي الديمقراطي فأعيدوا لي حريتي وأعيدوني إلى أمي”.
ثم عادت إلى تفنيد القضية بداية قي الأساس مسقطة بالدليل والتحليل كل التّهم على الشكل التالي:
1- في توفر عناصر المادة 285 عقوبات:
اتهم قاضي التحقيق العسكري – الرئيسة أبو شقرا – المُدّعى عليها بأنّها دخلت أراضي العدوّ الإسرائيلي دون إذن، بالاستناد إلى مقطع مصوّر داخل الأراضي المحتلة موجود على هاتفها الخليوي، مع العلم أن الادلة بكاملها تؤكد عدم دخولها إلى اراضي العدوّ الاسرائيلي ومنها:
1- نموذج إثبات دخول ومغادرة صادر عن المملكة الأردنية الهاشمية ومصّدق من السفارة اللبنانية يؤكد أنّ كيندا الخطيب دخلت بتاريخ 22 / 1 / 2020 إلى مطار علياء الدولي وغادرت بتاريخ 28 / 1 / 2020 (نبرز ربطاً صورة عنه – مستند رقم 1).
2- دراسة أمنية وتحليلية صادرة عن المديرية العامة للأمن العام بتاريخ 8/ 7 / 2020 تؤكد أنّ البريطاني الباكستاني عدنان أرسل لها، بناءً لطلبها، مقطع فيديو عن القدس، أي أنّ الدراسة الأمنية عن هذا المقطع أكدت أنّها لم تقم هي بتصويره. (نبرز ربطاً صورة عنها – مستند رقم 2).
3- أنكرت المدعى عليها كيندا الخطيب في التحقيق الأولي والاستنطاقي وأمام المحكمة دخولها أراضي العدو الاسرائيلي ومع هذا اتهمت بالدخول دون الاستناد إلى أي دليل أو دون حتّى وجود الدليل الذي تعودّنا عليه، أيّ “الاعتراف”، مع ما يشوبه من شوائب.
فهل نستطيع يا سادة ان نحمّل ضمائرنا بدخولها أراضي العدو دون دليل، ونصدر حكماً بحقّها سنداً لنص المادة 285 عقوبات. ما يجعل براءتها ثابتة وأكيدة من المادة 285 عقوبات.
2- في عدم توفر عناصر المواد 1 / 7 من قانون مقاطعة اسرائيل بالاضافة الى 1 / 7 معطوفة على المادة 219 عقوبات:
بما أنّ القرار الاتهامي اعتبر أنّ المُدّعى عليها أجرت مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي، وبما أنّنا بالعودة إلى الدراسة الفنية والتحليلية ذاتها الصادرة عن الأمن العام تحت رقم 15 / 5 / 89 / س تاريخ 8 / 9 / 2020 وتحديداً تحت البند 5 منها، تعذّر استدراك مقطع الفيديو الذي ظهرت فيه الموقوفة كيندا الخطيب على قناة الجزيرة للمشارك في هواء تلفزيوني (لطفاً مراجعة المستند نفسه).
وبما أنّه في حال أنّ الأجهزة الأمنية في لبنان لم تستطع استدراك هذا الفيلم، يعني أنّه غير موجود أصلاً ويعني أيضاً أّن المحكمة لا تستطيع الحكم على المُدّعى عليها بأنّها أجرت مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي دون وجود دليل و دون وجود أي إقرار من المتهمة بهذه المقابلة. ما يجعل براءتها من نصّ المادة 1 / 7 من قانون مقاطعة إسرائيل ثابتة.
هل نستطيع يا سادة ان نحمّل ضمائرنا بدخولها أراضي العدو دون دليل، ونصدر حكماً بحقّها سنداً لنص المادة 285 عقوبات. ما يجعل براءتها ثابتة وأكيدة من المادة 285 عقوبات
أما بالنسبة للاتهام بأنّ المُدّعى عليها ساعدت الصحافي الإسرائيلي روي قيس لإجراء مقابلة تلفزيونية مع شخص لبناني، ومن هو هذا الشخص اللبناني للعلم فقط لا غير؟ إنّه شخص لبناني يعمل في الدولة الأميركية بصفته، وتحديداً في البنك الدولي. وهذا ما أكدته الدراسات الأمنية الموجودة امامكم و لديه علاقات و ناشط، وهل هو بحاجة إلى كيندا الخطيب لتعرفّه على روي قيس لإجراء مقابلة تلفزيونية؟!
3- في عدم توفر عناصر المادة 283 عقوبات في الفقرة الثانية منه:
بما أنّ القرار الاتهامي اتّهم الُمدّعى عليها كيندا الخطيب بأنّها قدّمت معلومات أمنية عن لبنان لدولة أجنبية منها الاتحاد الاوروبي والكويت فينطبق عليها وصف الجاسوس ويوجب اتهامها بالمادة 283 عقوبات.
قبل الوصول إلى المادة 283 عقوبات، أيّها السادة، لا بدّ من المرور بالمادة 281 عقوبات التي هي واضحة وضوح الشمس وتعاقب من دخل أو حاول الدخول إلى مكان محظور قصد الحصول على وثائق ومعلومات يجب أن تتميز بطابع سرّي يفرض كتمانها حرصاً على سلامة الدولة.
أما المادة 283 عقوبات فتنصّ عن من كان في حيازته بعض الوثائق والمعلومات كالتي ذكرت في المادة 281 عقوبات وأبلغ ذلك لمنفعة دولة أجنبية.
إقرأ أيضاً: نزار زكّا لـ “أساس”: كيندا الخطيب ستخرج مرفوعة الرّأس؟
فما هي هذه المعلومات الأمنية؟ وعلى سبيل الاستطراد، لو اعتبرنا أنّ كيندا الخطيب تحوز ملفاً بعنوان “اجتماع الغرفة الأمنية بين الاتحاد الأوروبي والسفارة الأمريكية في لبنان”، فما هو مصدر هذا الاجتماع؟ وما هو الطابع السري والكتمان لهذا الاجتماع؟ وما علاقة كيندا به؟ وما هي المعلومات الأمنية الموجودة فيه ولمن أعطت هذا الاجتماع؟
نحن نستغرب كيف أنّ القرار الاتهامي اعتبر أنّ الاتحاد الأوروبي في لبنان والجمعيات التابعة للاتحاد الاوروبي في لبنان هي غرف أمنية تحت ستار مراقبة غرف أمنية، كما أنّه اعتبر دولة الكويت دولة عدوّة تتجسّس على الدولة اللبنانية.
4- في عدم توفر عناصر المادة 278 عقوبات: بما أنّ المادة 278 من قانون العقوبات تعاقب الاتصال بجنود العدو أو بعملائه المنصوص عليه في هذه المادة لا يصحّ أساساً للتجريم إلا إذا تمّ بقصد الخيانة بدليل ورود هذه المادة تحت باب النبذة الأولى المعنونة في الخيانة واكتمال عناصر الجرم المنصوص عليه في هذه المادة، لا بد أن يكون اتصال الفاعل بالعدو أو بعملائه قد تمّ بهدف الخيانة، ما يشترط معه أن تكون نيّة الفاعل منصرفة إلى المساس بسلامة الدولة أو سلامة أجهزتها.
ما هي هذه المعلومات الأمنية؟ وعلى سبيل الاستطراد، لو اعتبرنا أنّ كيندا الخطيب تحوز ملفاً بعنوان “اجتماع الغرفة الأمنية بين الاتحاد الأوروبي والسفارة الأمريكية في لبنان”، فما هو مصدر هذا الاجتماع؟
لدراسة هذه المادة وتطبيقها على الملف الموجود بين أيدينا سيضطرّ الدفاع إلى دراسة حالتين:
الحالة الأولى: في ضوء إفادة المُدّعى عليها لقوى الأمن الداخلي عن الاتصال بينها وبين الصحافي الاسرائيلي وفي ضوء توفر عنصر الخيانة لتجّرم على أساسه.
1- في ضوء إبلاغ المُدّعى عليها لقوى الأمن الداخلي عن تواصلها مع الصحافي روي قيس.
ورد في القرار الاتهامي و تحديداً في الصفحة 6 منه بأنّه “لا عبرة لما أدلت به المدّعى عليها كيندا الخطيب لناحية إطلاعها العقيد في الأمن الداخلي جوزيف مسلم بوجود تواصل بينها وبين الإسرائيلي روي قيس لأنّ هذا الاطلاع تم بعد وقوع التواصل فعلاً بين روي وكيندا أي بعد ارتكابها للفعل المجرّم”.
نود لفت نظر المحكمة بأنّ المُدّعى عليها سبق لها وأن تقدمت بطلب إلى حضرة قاضي التحقيق تطلب منه الطلب من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إفادتها عمّا إذا كانت المتهمة أبلغت المديرية العامة للأمن الداخلي للمديرية عن تواصل من قبل اشخاص مشبوهين معها ومنهم روي قيس فرفض الطلب. أي أنّ قاضي التحقيق قد اتّخذ قراراً وقناعة ذكرها في قراراه الاتهامي عن أنّ المدعى عليها أبلغت قوى الأمن بعد وقوع التواصل أي بعد ارتكابها الفعل المجّرم دون حتّى سؤال المديرية العامة عن هذا التواصل.
لا يخفى، أن كيندا الخطيب هي ناشطة على تويتر وتتلقّى الكثير من الاتصالات وبتاريخ 16 / 9 / 2019، أي أنّه بعد مرور أكثر من أربعة اشهر، عادت كيندا الخطيب وأرسلت معلومات عن مستخدم الحساب قيس عن محادثتها ومحاولة استغلال أحد آرائها السياسية المعارضة لأحد الأحزاب اللبنانية بهدف العمل على تجنيدها، أي أنّ جميع هذه الرسائل وإعلام قوى الأمن الداخلي بالإضافة إلى المحادثة الشفهية مع العقيد جوزيف المسلم التي رفضت المحكمة استدعائه كشاهد إلى هذه المحكمة حتّى قبل تاريخ 8/ 5 / 2020 وهو التاريخ الذي اتهمت فيه بأنّها أمّنت له شخصاً لاجراء هذه المقابلة.
2- هل يتوافر عنصر الخيانة في اتصال المُدّعى عليها مع روي قيس؟ للجدل العلمي ليس إلا، في حين لم تأخذ المحكمة بأنّ المُدّعى عليها أبلغت وأفادت الأمن الداخلي. وقد ذكرنا سابقا بأنّ أهمّ عنصر من المادة 278 عقوبات أن يكون الاتصال تّم بهدف الخيانة.
من مراجعتنا لجميع ما تمّ من كلام على تويتر بين المُدّعى عليها وبين الصحافي الإسرائيلي نجد أنّها تكلّمت معه بسلام الدول العربية مع إسرائيل، تكلمت معه أنّ من حقّ إسرائيل أن تنعم بالأمن والأمان أي أنّها تكلمت بما يتكلم به عدد كبير من اللبنانيين وحتّى هناك من بين السياسيين وأصحاب المراكز مَن أعلنوا هذه النية.
إقرأ أيضاً: أين كيندا الخطيب؟ وما علاقة جواد نصر الله؟
وبما أنّ قيام الُمدّعى عليها بهذه الدردشات ينطلق من محاولة تغطية خبر أو حدث صحافي وليس في هذه الدردشات ما يفيد من انصراف نيتها لتغليب مصالح العدوّ على مصالح وأهداف الدولة البنانية وبالتالي فإنّ عناصر المادة 278 لا تكون متوفرة.
وعلى هذا الأساس فإنّه يجب إعلان براءتها من جرم المادة 278، إمّا لأنّها كانت تعتبر نفسها مخبرة لشعبة المعلومات لقوى الأمن الداخلي، وإمّا لأنّها لا تقوم بأيّ اتصال بالعدوّ الاسرائيلي أو بعملائه بهدف الخيانة ولم ترغب بمساس سلامة الدولة أو سلامة أجهزتها. وبما أنّ التحليل الفني للأمن العام أثبت عدم وجود تحويلات مالية مشبوهة لكيندا.
كيندا الخطيب تقبع في السجن الآن، ليس لأنّها عميلة لإسرائيل ولا لأنّها تواصلت مع الاتحاد الأوروبي أو الكويت، بل هي تقبع في السجن لأنّها من الطائفة المتروكة إلى قدرها. الطائفة التي ليس لها إلا ربّ العالمين.