لا انقلاب عسكريًّا في لبنان

مدة القراءة 3 د

أوقفوا الأوهام. أحجِموا عن رواية قصص الأحلام. عودوا إلى الأرض، فالسير عليها بأقدامكم فيه الكثير من الاطمئنان. أما محاولة الارتفاع بهدف الطيران، فهي صفة لا يمتلكها أيّ إنسان.

لا انقلاب عسكريًّا في لبنان. ليس لأنّ الجيش وقيادته وفيّة للسلطة ومن يقبض عليها الآن، وليس لأنه معارض لإرادة الناس. بل لأنّ جيشنا بتكوينه يشبهنا من رأس الناقورة إلى معبر العريضة، لا تستثنوا أيّ قرية أو بلدة أو مكان. طوائف، ومذاهب، وتيارات، وأحزاب. وعند ساعة الحقيقة يهرول كما نحن نهرول، إلى كنائسنا ومساجدنا وحسينياتنا وخلواتنا، وكثيرون إلى دكان “أحلى عالم” في وطى المصيطبة، لعلهم ينسون همومهم وما كان.

العسكريون أبناؤنا وأشقاؤنا وأحبابنا وفلذات الأكباد، ملامحهم ملامحنا، ولغتهم لغتنا. كيف  نطالبهم بما عجزنا، ونعجز نحن عليه، في الماضي والحاضر، وكلّ آن.

لا تُحمّلوا الجيش وقائده أكثر ممّا هم قادرون على تحمّله. ذاك افتراء مهما تعددت مبرّرات هذا الكلام. الجيش مهمّته الحفاظ على الحدود، وعلى الأمن، وحماية السلطة وممتلكات الناس، غير ذلك هو إغراق له في أتون صراعاتنا، وفي دهاليز السياسة، فاعتبروا من كلّ السوابق ضمن هذا السياق يا أولي الألباب.

لا انقلاب عسكريًّا في لبنان. ليس لأنّ الجيش وقيادته وفيّة للسلطة ومن يقبض عليها الآن، وليس لأنه معارض لإرادة الناس

جيشنا جاع كما جُعنا كلنا. رواتبه لم تعد تكفيه حتى نهاية الشهر. ومن أجل أن يكمل قوت عائلته، استدان. رفع قائده صوته بوجه السلطة، فاقترحت مُسرعةً مليون ليرة للعسكر مكافأةً تُعيده إلى الصمت والالتزام. في الخيار ما بين مساعدة  الشعب أو الجيش، مساعدة الجيش عند السلطة أقل كلفة وأكثر ضمانة في ضبط الناس. هذه هي القصة بكامل تفاصيلها من دون زيادة أو نقصان.

يا سادة يا كرام. كفاكم هرطقة والدعوة لانقلاب عسكري يعيد الوطن إلى الحياة. دون ذلك، ألف سبب وسبب، ولعلّ أهمها ما نعرفه جميعًا، أنّ سيّد الحارة لا يقبل بهكذا كلام، والأمر له في هذا الوطن من دون نقاش، ومن دون مواربة، أو التفاف على المفردات.

إقرأ أيضاً: طريق بعبدا – اليرزة سالكة… بحذر

قائد الجيش جوزف عون في خطابة المسرّب عن سابق إصرار وتصميم، لم يقل إنه مرشّح لرئاسة الجمهورية، ولا لمّح إلى ذلك، ولا يبدو أنه يسعى لذلك، أقلّه كما ينقل عنه أولاد الحلال. فجُلّ ما قاله إنّ جيشه قلق على مخصّصاته، وحذّر من المساس بها تحت جُنح الظلام. لم يكن كلامه بحضور أركانه بمثابة “البيان رقم 1″، ولا “الرقم صفر”، ولا أيّ رقم من الأرقام. كان رسالة محدّدة موجّهة، وعند آخر كلمة فيها ينتهي البيان.

أما من راهن وارتهن حول ما حصل خلال القليل مما مضى من الأيام، عليه الانتظار ستة أشهر أخرى، هي مدة المكافأة التي سيقرّها غدًا الجمعة مجلس النواب.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…