عند متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، تقرأ العديد من “المنشورات” التي تحدثك عن “الدكانة الاجتماعية”، ونشاطها لمساعدة الفئات الأكثر حاجة في طرابلس.
بعد رصد العديد من الصور والفيديوهات يكبر لدى المتابع الفضول لاكتشاف هذه الدكانة ذات الواجهة الخشبية. وللزائر أن يتجّه من القبّة إلى الميناء مرروًا بالأسواق. خلال الطريق الذي لم يستغرق أكثر من 25 دقيقة مشاهد عدّة تستوقف العابر، وجميعها تعكس صورة طرابلس الفقيرة و”اليتيمة”. فطرابلس التي كسرت قيود الوقاية من فيروس كورونا منذ أيام، لا التزام فيها، والموت جوعًا بالنسبة لأهلها أكثر ألمًا من الموت بفيروس كورونا المستجدّ.
خلال الطريق، تُلاحظ أيضًأ ظاهرة التسوّل المتزايدة، والمؤلم أكثر هم كبار السنّ الذي يبحثون عن “ألف ليرة” من أيّ عابر سبيل. وليس تفصيلًا أن تصادف في مواقع مختلفة، 3 رجال بشعر أشيب ووجه مجعّد، يمدّون اليد لكل عابر سبيل، وليس تفصيلًا أيضًا تلك الطفلة، التي تطرق زجاج السيارات، وتقول: “ما بدي مصاري بس اشترولي أكل”.
وبينما نرصد هذه المشاهد التي تختصر صورة طرابلس.. نتابع الطريق إلى “الدكانة الاجتماعية”، فنعبر تارةً تحت صور سعد الحريري، وتارة أخرى تحت صور أشرف ريفي.. ونتوقف عند صور نجيب ميقاتي المعلّقة على بعض المباني.. وغيرهم من الزعماء الذين مرّوا على هذه المدينة ويقيمون فيها، ولم يتركوا إلّا صورًا، في حارات لم ترمّم وعلى مبانٍ متآكلة وفي شوارع مليئة بالحفر والمطبات.
بعدما أضعنا الطريق قليلًا، وصلنا إلى كورنيش الميناء، ومنه إلى “الدكانة الاجتماعية”. فكانت بوابتها الخشبية خير دليل إلى الوجهة الصحيحة.
خلال الطريق، تُلاحظ أيضًأ ظاهرة التسوّل المتزايدة، والمؤلم أكثر هم كبار السنّ الذي يبحثون عن “ألف ليرة” من أيّ عابر سبيل. وليس تفصيلًا أن تصادف في مواقع مختلفة، 3 رجال بشعر أشيب ووجه مجعّد
قبل أن نخطوَ إلى الداخل، ونبدأ الحوار، نقرأ الورقة التي وُضعت على الباب وتشدد على ضرورة الالتزام بلبس الكِمامة وبالتباعد الاجتماعي، لنعبر بعدها من خلال طاولة خشبية وُضعت كي تفصل بين من يديرون الدكانة، وبين الآتين إليها، للوقاية من كورونا.
في الدكانة، تجد الحاجات الأساسية لكلّ منزل: الحبوب، والألبان، والأجبان.. ببساطة “المؤونة” التي لا غنًى عنها في بيوت الفقراء كما الأغنياء. الديكور البسيط للدكانة يبعث على الراحة، وكذلك ابتسامة من يديرونها، فما إن يستقبلك زاهر نيكرو ورندة أيوبي، حتى تشعر أنك في مكان تنتمي إليه، وأنك على صلّة قديمة بهاذين الشابين.
ودون تردّد يبدأ الحديث لـ”أساس” نيكرو الذي يدير المشروع إلى جانب الأيوبي، شقيقة مُطلق المبادرة، المغترب اللبناني زياد الأيوبي، المقيم في جنيف والعامل في منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
الدكانة ستصبح “دكانتين”، بفرح وغبطة، يقول زاهر. فهم اليوم يستعدّون لفتح فرع ثانٍ لها في المنطقة الواقعة بين جبل محسن وباب التبانة. أما طموحهم فيذهب إلى أن يصبح هناك 3 دكاكين اجتماعية في نهاية العام.
لكن ما هي هذه الدكانة؟ نسأل زاهر.. فيسترسل في القول والشرح. لندرك أنّ هذا المكان القائم لمساعدة الفئات الأكثر حاجة، يقوم على 3 أنواع من الزبائن:
الزبون الأوّل: الذي يشتري عبر “بطاقة الدعم” التي تسمح له بشراء المنتجات بسعر الكلفة.
الزبون الثاني: وهو الزبون العادي الذي يأتي ويشتري بسعر السوق أو سعر الرفّ.
أما الزبون الثالث: فهو الزبون المساهم الذي يشتري ويدفع نسبة مئوية ربحية أعلى من سعر الرفّ. وهذا الزبون يملك “بطاقة مساهمة”، من خلالها يتم تأمين كلفة “بطاقة الدعم”.
الدكانة ستصبح “دكانتين”، بفرح وغبطة، يقول زاهر. فهم اليوم يستعدّون لفتح فرع ثانٍ لها في المنطقة الواقعة بين جبل محسن وباب التبانة. أما طموحهم فيذهب إلى أن يصبح هناك 3 دكاكين اجتماعية في نهاية العام
“الدكانة الاجتماعية” وُلدت فكرتها في نيسان 2020، وبدأ العمل على تأسيسها في أيلول 2020، وكان الدافع الأساسي هو تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار واحتكار التجّار بعض المواد بالإضافة إلى جائحة كورونا وارتداداتها.
تقدّم اليوم 70 بطاقة دعم، لسبعين عائلة، ولديها 35 بطاقة مساهمة. وهي تطمح إلى رفع عدد بطاقات الدعم في المرحلة المقبلة، ومساعدة عدد أكبر من الناس، مع العلم – وفق ما يؤكد زاهر – أنّ وجود الدكانة في منطقة الميناء لا يعني أنّ المستفيدين هم أهل المدينة حصرًا، فالفئات المستهدفة من مناطق مختلفة، ويتم وضع الأسماء اعتمادًا على لوائح يحصلون عليها من الجمعيات.
ماذا لو جاء إليكم محتاج وطلب بطاقة؟
يؤكد زاهر أنّهم لا يردون أحدًا، لكن ضمن آليات محدّدة لمنع الفوضى، فمن يطلب بطاقة دعم يتم الاستقصاء عن وضعه، فإن كان من ضمن الفئات المستهدفة يتم إدراجه، أما من يطلبون مساعدة مجانية، فيتم تحويلهم إلى الجمعيات المعنية التي هناك نوع من التعاون بينها وبين الدكانة.
ويوضح زاهر أنّ الدكانة تقدم أحيانًا مساعدات مجانية، وذلك بناءً على طلب المانح. لكنّ هذه الناحية محدودة، إذ تقوم الدكانة بشكل عام، على البيع بأسعار معقولة وأقل من سعر السوق، وذلك لمساعدة الفئات المحتاجة على الاستمرار في ظلّ الظروف الاقتصادية السيئة.
الدكانة انطلقت بعد الدعم الذي حصلت عليها من جمعية “شِفت” SHIFT-Social Innovation Hub، عبر حملة تبرّعات رعتها الجمعية وجمعت ما يقارب 10 آلاف دولار. وهي لا تعتمد اليوم فقط على بطاقات المساهمين، بل هناك أيضًا 25 جهة داعمة وهؤلاء من مؤسّسي الدكانة ومن “أصدقاء المشروع”.
يؤكد زاهر أنّهم لا يردون أحدًا، لكن ضمن آليات محدّدة لمنع الفوضى، فمن يطلب بطاقة دعم يتم الاستقصاء عن وضعه، فإن كان من ضمن الفئات المستهدفة يتم إدراجه، أما من يطلبون مساعدة مجانية، فيتم تحويلهم إلى الجمعيات المعنية التي هناك نوع من التعاون بينها وبين الدكانة
هل يدعمكم التجّار؟ يضحك زاهر قائلًا: “لو أستطيع أن أفضحهم بالأسماء لمّا قصرت”. وذلك في إشارة منه إلى محاربة التجّار لهذا المشروع واحتكارهم العديد من السلع، ورفض التعاون معهم. بل البعض يضع لهم “البلوك” لقطع التواصل.
في مقابل “جشع التجّار”، هناك مبادرات محدودة تصل إلى “الدكانة” من قبل الجمعيات المهتمّة بالزراعات العضوية، التي تُرسل إليهم بعض الأحيان مزروعاتٍ لتوزيعها مجانًا كون المشروع قائمًا على بيع “المؤونة” لا بيع المزروعات.
غير أنّ هذه المبادرات قليلة جدًّا، وفق زاهر، الذي يؤكد أنّ هذا المشروع قائم في أساسه على مبادرات من يقدّمون مواد غذائية وحبوب لبيعها، بالتوازي مع زيادة أعداد بطاقات الدعم.
إقرأ أيضاً: الكعكة الطرابلسيّة… متهمة بالإرهاب
“الدكانة الاجتماعية”، مُنفتحة على كلّ أنواع المساعدات، وخصوصًا المؤونة والحبوب “سكر، عدس، أرز”، وقد حاول القيّمون عليها التواصل مع “Lebanese Food Bank” لكن من دون أيّ نتيجة، كما حاولوا التواصل مع وزارة الاقتصاد للاستفادة من البضائع المدعمومة بهدف مساعدة فئات أكثر من الناس، لكنّ الوزارة لم تستجب. يقول زاهر: “ربما لأننا مؤيدون للثورة”.
هل جرّب سياسيو المدينة من الأثرياء التواصل معكم؟
“هم ليسوا في حساباتنا”، يؤكد زاهر: “هؤلاء كلّ همهم توزيع الكرتونة وليس دعم الفئات المحتاجة وهم أساسًا لم يدعموا المدينة”.