يداهمني الخجل في كلّ مكان وزمان، وصولاً إلى المرآة حيث أخجل من النظر إلى وجهي. لم أعد أشبه نفسي وكأنّني أنظر إلى غير إنسان. يمنعني ذلك من النوم كما ينام كلّ الناس. متقطّع هو ليلي. وسادتي لم تعد رفيقتي، مستبدلاً إياها بالـ”ريموت كونترول” متنقّلاً عبره من قناة إلى قناة هارباً من خجلي وقلقي، إلى فيلم أميركي أو فيلم هندي في أسوأ الأحوال.
تعبت مما صرت عليه، ولا ملاذ لي سوى الفضفضة عما بداخلي وأصدقكم القول، أنا بحاجة إلى الكتابة بالعلن كي أعترف بذنبي لعله تسقط عن أكتافي هذه الأثقال، فأريح نفسي.
.. أنا اللبناني منذ أكثر من عشر سنوات كما هو مكتوب على سجل قيدي. أعترف لكم وأمامكم، أنني بكل وقاحة لم أحزن على اغتيال لقمان سليم، وجلّ ما في الأمر أنني أمام ثقافة والدته خجلت. هذه الإنسانة القادمة من غير كوكبنا خجلت بثقافتي أمامها. ولا تأثرت بوفاة جان عبيد رغم ما يملك هذا الرجل في صندوق صداقاتي. لم أكترث بوفاة ميشال المرّ ولا بسلسلة الوفيات يومياً على صفحتي بالعالم الافتراضي. دون أن أشعر، أضع على كلّ ورقة نعي إشارة “لايك”، وأتكاسل بوضع رسم لدمعتي.
أتساءل وأنا المتكاسل لماذا لا تدعم دولتنا الدمع كما تدعم المحروقات والطحين والمقوّي الجنسي، حينها، ربما أتمكّن أن أشتري منه ما يعوّض فقدان دمعي؟
تعبت مما صرت عليه، ولا ملاذ لي سوى الفضفضة عما بداخلي وأصدقكم القول، أنا بحاجة إلى الكتابة بالعلن كي أعترف بذنبي لعله تسقط عن أكتافي هذه الأثقال، فأريح نفسي
لم تهتزّ كرامتي لخبر أنّ الرئيس سعد الحريري ينتظر في باريس موعداً للقاء الرئيس الفرنسي، بعدما كان ينتظره سيد الشانيزليزيه على درج القصر. لم أتابع النقل المباشر لأيّ جنازة، بل أتفرّغ، وأجلس ككيس طحين مرخياً جسده لمتابعة مسلسل تركي، فأخبار جوليا وأيمن أهم من أخبار أبناء بلدي.
لم أغضب “على عادتي” لأنّ الحريري صعد إلى بعبدا وعاد بخفي حنين تاركاً كرامة موقعه وكرامة الذين كلّفوه على الطريق بعد فضيحة التسريب الصوتي “المتعمّد” والذي يصف الحريري بالكذّاب.
لم أتعاطف مع أيّ كتاب نُشر مؤخراً، رغم أنّ أكثر الكتب مجاناً تصل إلى مكتبي، بل مهتم بهذه المرحلة بكتاب الأبراج، وعند الاستراحة ألجأ إلى كتاب فنّ الطبخ والطهي.
لم تعد تجذبني امرأة جميلة تمرّ بالقرب مني، ولا أرمقها بنظرة ولا ببسبسةٍ ولا همز ولا لمز. متعة التسوّق فقدتها، فما الحاجة لشراء الثياب والعطر، فلا مناسبات أشارك فيها ولا ضيوف أستقبل في مكتبي أو في منزلي. حتّى إنّني بتّ أكره أخبار الاحتجاجات الشعبية وقطع الطرقات والكلام عن الثورة والثوار واصفاً كلّ ذلك بالعبث.
ملامحي تغيّرت مثلما تبدّلت مفرداتي. عندما يخبرني أحد بموت فلان، أعاجله بالقول: الأمر طبيعي، فقبله قد مات والدي.
لم أغضب “على عادتي” لأنّ الحريري صعد إلى بعبدا وعاد بخفي حنين تاركاً كرامة موقعه وكرامة الذين كلّفوه على الطريق بعد فضيحة التسريب الصوتي “المتعمّد” والذي يصف الحريري بالكذّاب
.. أفيدوني يا أهل المعرفة والعلم، هل مات الانسان في داخلي؟ هل استسلمت للوسواس الخنّاس في صدري؟
.. أفيدوني كيف أستردّ ذاتي، أن أعود كما كنت أجيد الحزن والغضب، وأتمتع بالفرح. من يتحمل مسؤولية كلّ ذلك، أنا أو أنتم أم هم أم قدري؟ هل ذنبي أنّني ولدت في وطن جيشه ليس جيشي، وجامعته ممنوعة عن أولادي، والمناصب فيه للعصابة وليس لأبناء جلدتي، وحكامه لم أشارك بانتخابهم، والثورة فيه تشبه السلطة، بل هي نسخة مطابقة لها بالافتراء والقمع.
إقرأ أيضاً: هذا هو القاتل!
.. أفيدوني جزاكم الله عني كلّ خير. أنا لم أعد أطيق نفسي. وإن عجزتم أشيروا عليّ بأحد يقبل شراء جنسيتي. مستعدّ لبيعها أو وهبها لمن يريدها. وإن لم يكن لي جنسية بديلة، فأنا أقبل أن أكون مكتوم القيّد.
.. هذا هو كامل اعترافي وأقسم بالله أنّني لم أكذب بشيء، وما أخفيتُ عنكم أمراً صغيراً مكنوناً في صدري. كلّ ما أبغيه من ذلك هو مصالحة نفسي، كي أستطيع النوم كما تستطيع كلّ الدواب والبشرِ.