بعيداً عن تغريدة جواد حسن نصر الله على صفحته بتويتر، ومن ثمّ حذفه لها بعدما أعلن عن غبطته بجريمة اغتيال الناشط والباحث لقمان سليم. فنجل الأمين العام لحزب الله معروف بمغامراته التويترية ومعالجة هذه المغامرة المسيئة من مسؤولية والده أولاً وأخيراً.
إنّ أبعاد جريمة اغتيال لقمان سليم البشعة المستنكرة، تستند إلى نقطتين:
1- كلّ الاتهامات السياسية لأيّ طرف بالوقوف خلف الجريمة لن تقدّم ولن تؤثر لا في مجرى الردّ على الجريمة أو بدفع الجهة الفاعلة إلى الندم والتوبة، خصوصاً أنّ هذه الاتهامات تستند على التحليل وردّ الفعل، وليس على الوقائع الحسيّة.
2- كلّ التحقيقات الأمنية حول الجريمة لن تصل لأيّ مكان ككل الجرائم المشابهة التي حصلت، فكيف إن كانت هذه الجريمة قد حصلت في منطقة أمنية لا سلطة للدولة وأجهزتها الأمنية عليها.
نجل الأمين العام لحزب الله معروف بمغامراته التويترية ومعالجة هذه المغامرة المسيئة من مسؤولية والده أولاً وأخيراً
أما البحث عن القاتل ليس من مهمتنا ولا صلاحيتنا كمراقبين وإعلاميين ومواطنين. هي مهمة الأجهزة الأمنية، العاجز منها وغير العاجز. بالمقابل، من صلب مهامنا وصلاحيتنا هي المساءلة والمحاسبة لهذه الأجهزة وللسلطة من خلفها. ومن مهمتنا كذلك، إلقاء الضوء في الصورة الكبرى للحدث، ومآلاته، وملابسات الأحداث الموازية له، وفي معانيه العميقة.
لقد دأبت السلطة عبر أجهزتها وإعلامها وحلفائها في الأيام الأخيرة على شيطنة مدينة طرابلس والشمال عبر الترويج عن قدوم تنظيم داعش الإرهابي إلى المدينة، وكأننا نروّج لحفلة فنية في عيد الحب بـ14 شباط الجاري. واستُكملت عملية الترويج بما نقلته قناة “الميادين” الايرانية نقلاً عن مصادر الجيش اللبناني أنّ الموقوفين في مدينة عرسال اعترفوا بانتسابهم لداعش ونيتهم القيام بأعمال إرهابية.
خلال عملية الترويج الداعشي، حادثتان حصلتا على الأراضي اللبنانية:
1- في مدينة البترون مسقط رأس صهر العهد ورئيس الظل النائب جبران باسيل، أقدم مسلحون من الحزب السوري القومي على احتلال أحد مكاتب الحزب، وجاءت الصورة لأحد مسؤوليه وخلفه شابان يحملان السلاح في استنساخ للصور الداعشية. فيما الدواعش كانوا يضعون رايتهم السوداء.
2- اغتيال الباحث لقمان سليم في بلدة نيحا الجنوبية خلال عودته إلى بيروت من جلسة ودية مع الأصدقاء.
في الشكل، أخطأت السلطة وأجهزتها في حصر المخاطر الأمنية التي تهدّد لبنان واللبنانيين. ففي حين أشارت إلى طرابلس التي لم تشهد أيّ اغتيال بل تظاهرات شعبية ارتُكبت أثناءها ما يمكن أن تشهده كلّ التظاهرات الشعبية الغاضبة في أرقى الدول الغربية كما حصل مع السترات الصفراء في فرنسا.
لقد دأبت السلطة عبر أجهزتها وإعلامها وحلفائها في الأيام الأخيرة على شيطنة مدينة طرابلس والشمال عبر الترويج عن قدوم تنظيم داعش الإرهابي إلى المدينة، وكأننا نروّج لحفلة فنية في عيد الحب بـ14 شباط الجاري
أما الجريمة الحقيقية التي شهدتها طرابلس، فكانت مقتل الشاب عمر طيبا الذي لو لم يقتل لكان على الأرجح من الشبان الذين تمّ توقيفهم..! في المقابل، فإنّ هذه الأجهزة تعامت عما حصل في البترون بالأمس، واليوم عن جريمة اغتيال لقمان سليم.
المشكلة تكمن في الرؤية الاستراتيجية الموضوعة عند هذه الأجهزة، وتشخيص العدو الذي هو بنظرها، البيئة التي يمكن أن تُلصق بها تهمة الداعشية، فيما كلّ سلاح آخر، وكلّ ميليشيا أخرى يُصنّفان في خانة الأصدقاء وليس الأعداء.
بعيداً عن الاتهامات الكلاسيكية، فإنّ اغتيال لقمان سليم وما حصل في البترون وقبله طرابلس، يشير إلى دخولنا الفعلي في مرحلة الفوضى الأهلية والأمنية وسقوط وسائل الضبط الأمني بكافة أنواعه إن على صعيد الدولة اللبنانية أو على صعيد الأمن الذاتي الذي كان يؤمّنه حزب الله لمناطقه ومربعاته الأمنية. إنّ المرحلة المقبلة تشير إلى أنّ اللبنانيين بكافة طوائفهم وتوجّهاتهم السياسية، هم تحت التهديد، وتحت إمكانية القتل بفعل هذا الانهيار الأمني الكبير.
إنّ الفيروس الأمني لا يختلف كثيراً عن فيروس كورونا حيث لا مناعة لمنطقة دون أخرى أو لطائفة دون أخرى أو لحزب دون آخر. فالكلّ معرّض للإصابة بهذا الفيروس الذي هو الدلالة على الانهيار الشامل عند الدولة والدويلة. انهيارٌ، الكلّ سيشارك بدفع أثمانه.
من قتل عمر طيبا هو نفسه من قتل لقمان سليم. هو نفسه من سمح لميليشيا مسلّحة أن تظهر علناً على شاشات التلفزيون. هو التفلّت من الضوابط التي تحكم العيش الآمن داخل المجتمعات. هو انهيار هذه المنظومة السياسية والأمنية الظاهر منها أو المختبئ خلفها.
إقرأ أيضاً: لقد قتلوا عُمَر
تقاذف الاتهامات بشكلها المعتاد لن يجدي، وإن كان بعضه محقاً. الاتهام هو فعل يمارس أمام القضاء وأمام المؤسسات، وهي غائبة في لبنان على المستوى الرسمي وعلى المستوى اللاشرعي.
لا سبيل لمواجهة فيروس الفوضى الأمنية إلا بلقاح الدولة العادلة. الدولة الحقيقية حيث الدستور ليس وجهة نظر، والأمن ليس غُبّ الطلب.
المواجهة تكون بالعمل بعيداً عن التسويات والصفقات، وبالقضاء المستقلّ. مواجهة يجب أن تكون جماعية ومنظّمة تحت سقف مشروع سياسي واضح.
القاتل يستقوي على فرد، لكنّه يقف عاجزاً أمام الجموع. في غياهب الليل يتمكّن هذا القاتل من كلّ واحد منّا. لكننا في الساحات إن اجتمعنا قادرون على هزيمته. قادرون على حماية أنفسنا ووطننا.
لنذهب جميعاً للمواجهة في خيمة لقمان سليم في ساحة الشهداء التي أحرقها شبيحة المنظومة بعد اتهامها بالخيانة والعمالة للأعداء.