القضاء يهتزّ: 7 % من القضاة غادروا.. والآتي أعظم

مدة القراءة 5 د

أثار الإعلام اللبناني أمس مسألة هجرة القضاة. وانتشرت معلومات عن إقدام 40 قاضيًا، معظمهم من الشباب، على تقديم طلب استيداع أو استقالة بهدف السفر خارج لبنان. مع الإشارة إلى أنّ القاضي، بموجب طلب الاستيداع، يبقى في وظيفته، لكن يخسر تدرّجه ولا يتلقّى أيّ راتب.

النائب والقاضي السابق جورج عقيص، أكّد هذه المعلومات في تغريدة عبر “تويتر”، معتبرًا أنّ “القضاء اليوم يُفرّغ من طاقاته”.

موقع “أساس” تواصل مع النائب عقيص، غير أنّ الأخير كان منشغلًا باجتماع، ما حال دون الحصول على تعليقه. في المقابل فنّدت مجلة “المحكمة”، المعنية بالأمور القضائية، تغريدة عقيص. فأوضحت في عددها الصادر  أمس أنّ قرارًا كان قد صدر عن مجلس القضاء الأعلى منذ مدّة، يقضي بمنع قبول أيّ طلب استيداع تحت أيّ مسوّغ، وأنّ القاضي الذي يريد المغادرة، عليه أن يقدّم طلبًا للاستقالة. ولفتت “المحكمة” إلى أنّه لم يسجّل أيّ استقالة لأيّ قاضٍ في الشهور الأخيرة، باستثناء استقالة القاضي منصور القاعي بداعي الاستقرار في الخارج (كانون الأوّل 2020)، واستقالة القاضي روى حسن شديد، لأسباب عائليّة وشخصية.

لكن هل وضع القضاة في لبنان في أفضل أحواله؟

بدايةً، وفق الأرقام الرسمية الأخيرة، فإنّ عدد القضاة في لبنان حاليًّا هو 604، يتوزّعون على الشكل التالي: 523 في القضاء العدلي، 53 في شورى الدولة، و28 في ديوان المحاسبة…

وبالتالي فإن صحّت المعلومات المتداولة عن هجرة 40 قاضيًا، فإنّ نسبة “التهجير” تقارب الـ7%.

النائب والقاضي السابق جورج عقيص، أكّد هذه المعلومات في تغريدة عبر “تويتر”، معتبرًا أنّ “القضاء اليوم يُفرّغ من طاقاته”

في هذا السياق توضح مصادر قضائية لـ”أساس”، أنّ الوضع القضائي في لبنان ليس في أحسن أحواله، وتشدد المصادر على ما يعانيه القضاة من ضغوط معنوية، مستبعدةً أن يكون العدد المتداول في الإعلام دقيقًا.

المصادر نفسها تشير إلى أنّ راتب القاضي اليوم بعد 20 عامًا من الخدمة، لا يساوى 600$.  هذا الراتب الذي انهار من 4000$ إلى 600$، ترافقه مخصصات للقضاة الذين يشاركون في لجان معيّنة. أما التوزيع واختيار اللجان فيجري وفق “الواسطة” و”الاستنسابية”، بحسب المصادر، التي تشير إلى وجود قضاة كثر لم يتم اختيارهم في أي لجنة رغم كفاءاتهم.

إلى جانب الراتب الذي تراجعت قيمته بنسبة 80%، هناك صندوق التعاضد، الذي يمنح القاضي كل 3 أشهر مبلغًا يقدّر بقيمة 40% من الراتب، وهناك الكثير من الجدل حول  هذا الصندوق.

لا تنفي المصادر القضائية وجود رواتب مرتفعة تقدّم إلى هؤلاء القضاة في بعض دول الخليج: “ربع راتب شهر في الخليج يعادل اليوم ووفق سعر الصرف الحالي، تعويض قاضٍ بعد 20 عامًا من الخدمة”.

أما العروض التي تأتي للقضاة، فهي إما للعمل في القضاء أو في الإدارة القضائية. والحد الأدنى للراتب هو 15 ألف دولار “فريش” مع بدل “سكن وبونس وسيارة”، ويصل هذا الراتب في بعض الحالات إلى أكثر من 20 ألف دولار.

تلفت المصادر أيضًا إلى أنّ بعض القضاة يتجهون للعمل في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، غير أنّ الرواتب في هذه المنظمات أقلّ من مثيلاتها في دول الخليج.

بعد هذا التفنيد، تستبعد المصادر أن يكون السبب المالي هو المبرّر الأساس للهجرة، إن حصلت: “في نهاية الحرب اللبنانية كان راتب القاضي 100$ ولم تحصل استقالات. بالطبع يحقّ للقاضي أن يبحث عن الأفضل، خصوصًا إذا كان في بداية حياته ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المسألة المعنوية مهمّة جدًّا للقضاة”.

نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد مراد، دعا بدايةً عبر “أساس”، إلى “المقاومة”، مناشدًا القضاة الذين يفكرون بالاستقالة أن يتريّثوا، مشيرًا إلى أنّ “وجعهم كبير ووجع المحاماة كبير، لكن كُتب علينا جميعًا أن نصبر حتّى نتغلّب على هذا الواقع المرير، وحتى نخرج من هذا الواقع الذي يصيبنا جميعًا، لأنّ المشكلة هي عند كل المواطنين باستثناء من سرق لبنان”.

لا تنفي المصادر القضائية وجود رواتب مرتفعة تقدّم إلى هؤلاء القضاة في بعض دول الخليج: “ربع راتب شهر في الخليج يعادل اليوم ووفق سعر الصرف الحالي، تعويض قاضٍ بعد 20 عامًا من الخدمة”

وأوضح  مراد، أنّ “الواقع اللبناني مأزوم على مختلف الاتجاهات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمصرفية، وقد تكون الأمنية، والتي هي عناصر مكوّنة لحالة الانهيار التي يعيشها لبنان واللبنانيون، ولا شكّ أنّ حجم هذا الانهيار له تداعياته وأثره السلبي جدًّا على مختلف النواحي المجتمعية، وعلى مختلف القطاعات والمهن، والوظائف الإدارية والقضائية والعسكرية… “.

إقرأ أيضاً: لماذا أعلن مجلس القضاء الأعلى حربَهُ على “نادي القضاة”؟

وأضاف مراد:  “اليوم أيضًا هيبة القضاء على المحكّ، في المستوى المعنوي وفي التعاطي العام وفي الشأن العام. هناك سهام كبيرة تطال هذا الجسم القضائي، وبالتالي فالهيبة التي تفرض نفسها على هذه المؤسسة، تُشعر القاضي بكثير من الحرج وكثير من الاشمئزاز. فلا مستوى مادي يتناسب مع واقعه، وفي المقابل الجانب المعنوي يضغط عليه”.

وأوضح مراد أنّ “هذه الخطوة في حال تزايدت، سيكون لها تداعيات أخرى على مستوى عمل مؤسسة القضاء، وعلى عمل المحامين، لأنّ هناك عقدًا بين القضاء والمحاماة في البعد القضائي والقانوني، وفي مفهوم رسالة العدالة”، مضيفًا: “جسم المحاماة يعاني الكثير من الأنين والألم منذ أكثر من عام ونصف العام، فالعملية القضائية شبه معطّلة ومصالح الناس معطّلة، وعمل المحامي مرتبط بالدورة الحقيقية لعمل القضاة، وبالتالي فإنّ أيّ وهن يصيب القضاء سيصيب مهنة المحاماة أكثر. ونحن بالفعل أمام معضلة ومشكلة كبيرة”.

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…