حكومة عشرينية مع “وزير ملك”… أو لا حكومة

مدة القراءة 4 د

ثمّة من لم يقتنع بعد أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون يخوض آخر معارك عهده. وبالتالي، لا مكان للرماديّ من الألوان والقرارات. إمّا أبيض وإمّا أسود. وبسيط من يعتقد أنّ “التيار الوطني الحرّ” وضع نفسه في المواجهة نيابة عن “حزب الله”، واختار رفع سقف شروطه تنفيذاً لأجندة حلفيه أو إيران. هذه حسابات “القصر” ومعه جبران باسيل للمرحلة المقبلة، وهذه مصلحتهما التي تقتضي تصلّباً في المطالب، وهما يستفيدان من حالة الفراغ الدولية الحاصلة قبل أن تقرّر واشنطن ما تريده من علاقتها مع طهران وبالتالي التفاهم على خارطة النفوذ في المنطقة، لتعزيز موقفهما قبل الجلوس على طاولة حسم جديّة ترعاها القوى المعنية بالملف اللبناني. أمّا بالانتظار، فهذه أجندة “التيار الوطني الحر”.

على هذا الأساس، يقول المتابعون إنّ مشاريع المبادرات التي يشهدها الداخل اللبناني، ليست سوى محاولات خجولة مقدّر لها بالتحطّم على صخرة تعّنت رئيس الجمهورية ورفضه لأي مسعى من شأنه أن يدفعه إلى التنازل. يؤكد هؤلاء إنّ ميشال عون لن يقبل تحت أي ظرف بالتقدّم خطوة إلى الأمام، وهو الذي يتصرف على أساس أنّ ما يقوم به هو آخر معاركه قبل تسليم الرئاسة لخلف له. ولذا هو يخوضها على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي”، غير مكترث بحملة الضغوط التي يتعرض لها سواء من خلال خصومه أو من خلال الرأي العام… ولو أنّ هذه السياسة ستنال من “التيار” وقد تحوّله في المستقبل مجرّد نموذج جديد للأحزاب التقليدية المنهارة.

يقول المتابعون إنّ مشاريع المبادرات التي يشهدها الداخل اللبناني، ليست سوى محاولات خجولة مقدّر لها بالتحطّم على صخرة تعّنت رئيس الجمهورية

يشير هؤلاء إلى أنّ الرهان على “حزب الله” للضغط على حليفه العوني ليست في محلّها، ذلك لأنّ “الحزب” ونظراً للتعقيدات التي بلغتها العلاقة مع الطرف الثاني من “تفاهم مار مخايل”، وللمطبّات التي وقعت فيها بعد تجربة 15 سنة من العلاقة المشتركة، ولكون “الحزب” يتجنّب خوض اشتباك بالغ الدقّة مع رئاسة الجمهورية أولاً ومع فريق مسيحي حليف ثانياً، ينأى بنفسه عن ضغط قد يظنّ البعض أنّ بمقدوره ممارسته على الفريق العوني. ولذا يترك الأخير على سجيته للتصرف بالشأن الحكومي كما تقتضيه مصلحته وحساباته الذاتية.

عليه، يسود الاعتقاد أنّ محاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري خرق الأبواب الموصدة على وقع الانتعاشة التي شهدتها المبادرة الفرنسية بدفع من سيدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان مُقدّراً لها أن تُجهض سريعاً. وهو سيناريو كان متوقعاً بنظر بعض المتباعين، لاعتبارات عدّة أهمها:

– البعد الداخلي المتصّل بتمسك رئيس الجمهورية بسلّة مطالبه، وتحديداً لناحية عديد الحكومة (عشرينية)، ومنحه أسوة بغيره من القوى السياسية امتياز تسمية ستة وزراء مسيحيين، غير الوزير الأرمني، مع إمكانية فتح باب الحوار للتفاهم على اسميْ وزيريّ الداخلية والعدل.

– والبعد الخارجي المرتبط بالهامش المتاح أمام الإدارة الفرنسية للعودة إلى الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية، خصوصاً بعدما صار بإمكان إيران التفاوض بشكل مباشر مع الإدارة الأميركية الجديدة وبالتالي التفاهم معها، ما يعني أنّ أي دخول لفرنسا إلى المنطقة لن يحصل إلّا في ظلّ اتفاق أميركي – إيراني، لا يزال بعيد المنال.

يسود الاعتقاد أنّ محاولة رئيس مجلس النواب نبيه بري خرق الأبواب الموصدة على وقع الانتعاشة التي شهدتها المبادرة الفرنسية بدفع من سيدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان مُقدّراً لها أن تُجهض سريعاً

هكذا، يؤكد المتابعون أنّ جلّ الحركة الحكومية الداخلية ما هي إلا من باب ملء الفراغ والوقت المستقطع، بانتظار نضوج الظروف الدولية… أو إقدام رئيس الحكومة المكلف سعد على تقديم مزيدٍ من التنازلات. وهذا ما يراهن عليه ميشال عون قبل جبران باسيل.

إذ يعتبر هؤلاء أنّ الصيغة الأكثر ترجيحاً لسيناريو تفاهمي، في حال أقدم عليه الحريري في المدى المنظور، ستكون على قاعدة حكومة عشرينية تسحب من وليد جنبلاط ورقة الميثاقية وتحفظ لطلال أرسلان ماء وجهه وما تبقّى من علاقة مع “التيار الوطني الحر”، وتعطي الفريق العوني ستة وزراء، زائد “وزير ملك” يرضي الطرفين.

إقرأ أيضاً: “الحريريون”: العهد يلعبها صولد… جبران أو البلد

في هذه الأثناء، سيحاول الحريري اللعب على ورقة حضوره الإقليمي من زيارات خارجية تبقي ترشيحه عائماً، سياسياً وليس دستورياً، ولو أنّ الجميع على دراية بأنّه إذا لم يتمكّن من تسجيل اسمه على لائحة زوار الديوان الملكي السعودي، فهو لن ينجح في تكريس شراكته اللبنانية. بدليل أنّ زيارته إلى مصر، التي مضى أكثر من أربعة أشهر من التحضير لحصولها، لن تقدّم أو تؤخر في موقعه من المفاوضات الحكومية.

 

مواضيع ذات صلة

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…