على الرغم من المحاولات الخجولة لإعادة تفعيل مسالك الحوار بين قصر بعبدا وبيت الوسط، لا تزال الطرقات مقطوعة بين المقرّين في ضوء السجال الكلامي الذي اشتعل في اليومين الماضيين بشكل يُثبت، بما لا يقبل الشكّ، أنّ العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري من جهة أخرى، تواجه حائطاً مسدوداً. بالعربي المشبرح: “فالج لا تعالج”.
قاد أكثر من فريق، مساعٍ محدودةً جداً لبثّ الحياة في شرايين العلاقة المقطوعة بين عون والحريري منذ لقائهما الأخير الذي حمل الرقم 14، قبل تسريب الفيديو الذي لم يوفّر رئيس الحكومة المكلّف من تهمة “الكذب”، ما رفع من حدّة التوتر بين الرجلين… إلّا أنّ تلك المساعي لم تلقَ آذاناً صاغية، أقلّه حتى الآن.
حتّى المحاولة التي يُحكى أنّ “حزب الله” سيستعين بها لدفع الفريقين إلى التقليل من منسوب الخصومة بينهما، يصفها “الحريريون” بمحاولة “الحفاظ على ماء الوجه”، لأنّه “لو كان لحزب الله الرغبة الجديّة في المساهمة في تأليف الحكومة لكان فعلها منذ فترة ولم ينتظر حتّى الآن لكي يدير محرّكاته”.
قاد أكثر من فريق، مساعٍ محدودةً جداً لبثّ الحياة في شرايين العلاقة المقطوعة بين عون والحريري منذ لقائهما الأخير الذي حمل الرقم 14، قبل تسريب الفيديو الذي لم يوفّر رئيس الحكومة المكلّف من تهمة “الكذب”، ما رفع من حدّة التوتر بين الرجلين
وفق “الحريريين” فالقضية أكثر تعقيداً من مسألة تأليف حكومة، ولو أنّها حكومة استثنائية في ظروف خطيرة نحتاج فيها إلى كلّ ثانية من الوقت وإلى كلّ دعم”. يقول هؤلاء إنّ العهد يلعب “صولد” لأنّ مستقبل جبران باسيل على المحك. بنظر المقرّبين من رئيس “تيار المستقبل” فإنّ العهد يتصرّف على أساس أنّها آخر حكوماته وهي المرجح لها أن تملأ فراغ الشغور الرئاسي، ولذا يصرّ على فرض شروطه في التأليف حتّى لو كان في الأمر تجاوزاً للدستور.
يقولون إنّ سلّة المواقف والتوضيحات والبيانات التي دأب القصر على تسطيرها تعني أمراً واحداً: جبران باسيل يريد الثلث المعطل، على خلاف ما يدّعون، لأنّه يريد التحكم بالحكومة بعد انتهاء عهد ميشال عون. أمّا غير ذلك فلن يسمح رئيس الجمهورية بولادة الحكومة حتى لو أتى ذلك على حساب البلد والاستقرار والناس.
يضيفون إنّ رئيس الجمهورية سبق له أن ألمح إلى عدم رغبته في أن يرأس سعد الحريري الحكومة. وقد وقّع مرسوم التكليف على مضض، وهو يصّر على المعادلة التي عطّلت البلد لأشهر: إمّا سعد وجبران وإمّا لا حكومة.
بنظر المقرّبين من رئيس “تيار المستقبل” فإنّ العهد يتصرّف على أساس أنّها آخر حكوماته وهي المرجح لها أن تملأ فراغ الشغور الرئاسي، ولذا يصرّ على فرض شروطه
ويشيرون إلى أنّ تصعيد العونيين في المواقف في وقت يحاول فيه البعض إصلاح ذات البين، يثبت أنّه ليس للفريق الرئاسي نيّة التفاهم مع رئيس الحكومة ولا ولادة حكومة قادرة على الاستجابة للمبادرة الفرنسية وللشروط الدولية للاصلاح. ويؤكدون أنّ مطالب المحور العوني تعجيزية لا يُشتّم منها إلا رغبتهم في السيطرة على الحكومة وعلى الحقائب الأمنية من باب السعي لتصفية الحسابات لا المشاركة في الورشة الاصلاحية.
إقرأ أيضاً: “لتعقيم” التشكيلة الوزارية: الراعي “يُلزِم” عون بالاتصال بالحريري
وردّاً على ما يُنقل عن لسان جبران باسيل بأنّ الحريري سيقدّم في نهاية المطاف مزيداً من التنازلات، يجيب “الحريريون”: هذا أمل إبليس بالجنّة. كان الحريري يقدّم التنازلات في سبيل مصلحة البلد، أما اليوم فتقضي المصلحة في تأليف حكومة لا ثلث معطلاً فيها لأيّ فريق منعاً لتعطيلها. ولذا فإنّ رئيس الحكومة المكلّف لن يفعلها مهما اشتدّت الضغوطات”. ويرون أنّ للفريق العوني مع حلفائه أكثر من ثلث معطل، لا بل لديه أكثرية نيابية وقد يكون لديه أكثرية حكومية، وبالتالي فإنّ الاصرار على ثلث معطل له وحده يضمر نوايا غير طيبة ومصالح شخصية بحتة… والأهم من ذلك، يثبت أنّ باسيل لا يثق بحلفائه الذين دعموه طوال مسيرته، فكيف لرئيس الحكومة المكلّف أن يثق به؟”.
بالنتيجة، يرى هؤلاء أنّ الوضع الحكومي كما البلد أمام حائط مسدود، سيصعب معه إنجاح أي محاولة لدفع مشاورات التأليف في وقت قريب.