تبرئة سلامة تبدأ من القضاء اللبناني: لماذا بقيت تحويلاته سراً لسنوات؟(1/2)

مدة القراءة 5 د

لا يزال الغموض والتكهّن يلفان التحقيق بتحويلات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى سويسرا. فقبل نحو سنة كان القضاء اللبناني يطلب مساعدة قضائية من جنيف لتقديم معلومات عن السياسيين والمسؤولين اللبنانيين الذين قاموا بتحويلات مالية، لكنّ لم يصل أيّ جواب من سويسرا. أما اليوم وبعد ما يزيد على سنة كاملة، انقلبت الآية رأساً على عقب وبات القضاء السويسري هو الذي يطالب نظيره اللبناني بمعلومات تخصّ المصرف المركزي وحسابات سلامة فيه.

بحسب مصادر قانونية خبيرة في آليات العمل داخل مصرف لبنان، فإنّ الجهات المخوّلة بفتح حسابات في المصرف المركزي هي ثلاث: الدولة ومؤسساتها، المؤسسات المالية مثل المصارف والصرّافين، وموظفي المصرف المركزي فقط، وهذا يعني أنّ الحديث عن حسابات تخصّ شقيق الحاكم في مصرف لبنان ليس دقيقاً أبداً.

هؤلاء الموظّفون، بمن فيهم الحاكم ونوابه، حساباتهم في المبدأ تكون بالليرة اللبنانية، لكن لا نصّ قانوني يمنع من وجود حسابات بالدولار الأميركي. أما تحويل الأموال من حسابات هؤلاء الموظفين إلى الخارج، فلا تحصل إلاّ من خلال طرف ثالث Third party هو المصارف المحلية، بمعزل عن عملة الحساب.

وبشكل أدقّ فإنّ الحاكم ونوابه والمدراء في المصرف المركزي لهم الحق بإيداع ودائعهم المالية في المصرف، أما الموظفين فيحق لهم فقط إيداع رواتبهم في حساباتهم في المصرف.

بحسب مصادر قانونية خبيرة في آليات العمل داخل مصرف لبنان، فإنّ الجهات المخوّلة بفتح حسابات في المصرف المركزي هي ثلاث: الدولة ومؤسساتها، المؤسسات المالية مثل المصارف والصرّافين، وموظفي المصرف المركزي فقط

هذه المعطيات تعيد فتح النقاش على أسئلة جديدة: ماذا قصد المدعي العام السويسري حينما ذكر أنّ الحسابات تخصّ مصرف لبنان؟ وهل ثمة من بالغ في زجّ اسم شقيق الحاكم ضمن طلب المساعدة؟ أم أن التحويلات المشبوهة بالاختلاس وتبييض الأموال حصلت من أحد المصارف المحلية وليس من المصرف المركزي؟

في هذا الصدد، تكشف المصادر أنّ مصرف لبنان يقوم بتحويلات مباشرة في حالة واحدة حينما يكون التحويل لأموال المصرف نفسه وبغرض استثماري أو توظيفي، وهذه العملية لا سلطة للحاكم للقيام بها منفرداً، وإنما تحصل من خلال هيئة تتولى اتخاذ قرار تحويل هذه الأموال ومكان توظيفها.

وهذا بدوره يقودننا إلى احتمالين. فإذا كان كلام الادعاء السويسري يخصّ شخص الحاكم لتحويلات مشبوهة تخصّه، فإن هذه التحويلات يُفترض أن تكون قد مرّت عبر “طرف ثالث” (مصرف تجاري) ومن الصعب أنّ تبقى سراً مكتوماً طوال هذه المدة، خصوصاً إذا ما قارنّاها بالتهم التي أرفقها الادعاء السويسري عن اختلاسات وغسيل أموال ضخمة كتلك التي تناقلتها وسائل الاعلام.

أما الاحتمال الثاني، هو أن تكون التحويلات تخص أموال الدولة، أي أموال مصرف لبنان، وهذا بدوره يعني أن التحويلات مرّت حكماً عن طريق هذه الهيئة المختصة داخل المركزي.

مصادر متابعة للملف كشفت لـ”أساس” أن الأحاديث المتواترة عن المبلغ الذي يجري التحقق عنه سويسرياً والذي يخص الحاكم شخصياً “يدور في فلك 8 مليون دولار، ولا تزيد عن سقف 10 ملايين”، معتبرة أنّ هذا الرقم إذا صحّ فعلاً، فقد “لا يشكّل شُبهة قانونية ضد الحاكم بقدر ما يحمّله مسؤولية أخلاقية” خصوصاً إذا قام بالتحويل خلال الأزمة لأنّ هذا الفعل يعطي انطباعاً سيئاً جداً، خصوصاً حينما تقوم به الجهة المخوّلة بالحفاظ على النقد.

إذا كان كلام الادعاء السويسري يخصّ شخص الحاكم لتحويلات مشبوهة تخصّه، فإن هذه التحويلات يُفترض أن تكون قد مرّت عبر “طرف ثالث” (مصرف تجاري) ومن الصعب أنّ تبقى سراً مكتوماً طوال هذه المدة

لكن في المقابل تكشف الأخبار المستقاة من سويسرا أنّ الحاكم استعان بشركة محاماة سويسرية نافذة لتترافع عنه.

المصادر نفسها تكشف لـ”أساس” أنّ سلامة اختار شركة Lalive  للدفاع عنه في سويسرا، وأنّه سيتوجّه إلى جنيف مطلع شباط المقبل ليدلي بما لديه من معلومات ويقدم الوثائق، على أن تتولّى الشركة متابعة الملف مع القضاء السويسري لاحقاً.

إقرأ أيضاً: رياض سلامة… فيكَ الخصامُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ

كما تؤكد المعلومات أنّ هذه الشركة تملك باعاً طويلاً ونفوذاً فاعلاً جداً في القضاء السويسري، وهي من بين أهم وأكبر الشركات القانونية في سويسرا. عمرها نحو 60 سنة وتضمّ في صفوفها 200 موظف بينهم خبراء يتقنون 13 لغة من بينها العربية، وهي متخصصة بقضايا البنوك والتمويل، والفنون والملكية الفكرية والإفلاس والتحكيم الدولي والوساطات إضافة إلى جرائم الموظفين، ولها 3 فروع في جنيف وزيورخ ولندن. وسبق لها أن ترافعت عن باكستان بين الأعوام 2003 و2009 من أجل استرداد الأموال المنهوبة هناك، التي يشككّ الباكستانيون بأنها هُرّبت إلى الخارج في عهد الرئيس آصف زرداري ورئيسي الوزراء بينظير بوتو (زوجة زرداري) ونواز شريف.

وسط هذا الصخب، يسجّل غياب السلطة السياسية عن الملف كله. فأيّ جهة سياسية لبنانية لم تخرج بتعليق على الملف السويسري وعلاقة سلامة به، إن لصالحه أم ضدّه. يسجّل أيضاً إكتفاء القضاء اللبناني بدور المشرف على التحركات السويسرية!

ما هو دور القضاء في هذا الملف؟

الجواب في الجزء الثاني من المقال غداً.

مواضيع ذات صلة

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…

الليلة الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”..

تحملُ ليلة هروب رئيس النّظام السّوريّ المخلوع بشّار حافظ الأسد قصصاً وروايات مُتعدّدة عن تفاصيل السّاعات الأخيرة لـ”ديكتاتور الشّام”، قبل أن يتركَ العاصمة السّوريّة دمشق…

فرنجيّة وجنبلاط: هل لاحت “كلمة السّرّ” الرّئاسيّة دوليّاً؟

أعلن “اللقاءُ الديمقراطي” من دارة كليمنصو تبنّي ترشيح قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. وفي هذا الإعلان اختراق كبير حقّقه جنبلاط للبدء بفتح الطريق أمام…