أهلاً بكم إلى النموذج الإيراني على الطريقة العونية

مدة القراءة 6 د

بين خطاب الرئيس المكلّف سعد الحريري، وبين ردود رئاسة الجمهورية عليه، حلقةٌ مفقودة وأسئلة تتزاحم حول موقف “حزب الله” من كلّ ما يجري، وهل يعود امتناع الحزب عن معالجة الأزمة الحكومية، وفق المبادرة الفرنسية، إلى ما يُثار منذ مدّة عن إشكالياتٍ في العلاقة مع التيار الوطني، وصلت إلى حدود اعتبار أنّ تفاهم مار مخايل بات منتهي الصلاحية، ويجب أن يخضع لإعادة تقييم في ضوء التناقضات التي ظهرت على مدى السنوات الماضية.

في سياق فكّ الشيفرة المحلية لفهم ما يجري حكوميًّا، لا بدّ من رصد الموقف الفعلي والعميق لرئيس الجمهورية ميشال عون، منذ نزول صاعقة العقوبات على صهر عهده جبران باسيل، وقد اعتبرها نازلة النوازل، وحاول رفعها عنه بكلّ الطرق والوسائل. لكنّ عزيمة عون لتحرير جبران، اصطدمت بما تبلّغه من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، بأنّ العقوبات جاءت في إطار “قانون ماغنيسكي لمحاربة الفساد”، ولم تصدر بقرار سياسي، كما هو حال جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن، وبالتالي لا يمكن رفع التهمة والعقوبات عن باسيل سياسيًّا.

وبحسب ما بات معلومًا، فإنّ السفيرة شيا أبلغت الرئيس عون، أنّ الوضع بالنسبة لباسيل لن يختلف بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وإدارة الرئيس جو بايدن، وأنّ عليه سلوك الطريق القانوني الطويل لرفع العقوبات عنه، من دون أن تكون النتيجة مضمونة أومحسومة.

وبحسب العارفين بأجواء بعبدا، فإنّ الرئيس عون أقفل باب المحاولات السياسية لمعالجة مسألة العقوبات، وبات مقتنعًا أنّ “أتباع السفارة” الأميركية مسؤولون عن التحريض على باسيل، إضافة إلى ثورة 17 تشرين وحملاتها على صهره وتظهيره كرمزٍ للفساد، وبأنّ كلّ ذلك أسقط الصهر بالضربة القاصمة، لهذا فإنّ ساكن القصر بات ناقمًا على كلّ من انتقد باسيل ولو بكلمة، وبات يعمل على الانتقام من الجميع من دون تردّد، وبكلّ الوسائل المتاحة.

في سياق فكّ الشيفرة المحلية لفهم ما يجري حكوميًّا، لا بدّ من رصد الموقف الفعلي والعميق لرئيس الجمهورية ميشال عون، منذ نزول صاعقة العقوبات على صهر عهده جبران باسيل

ما نراه من عنفٍ شديد لدى بعض القطاعات الأمنية تجاه أيّ حالة احتجاج، يستوحي نقمة العهد والصهر اللذين يريدان منع كلّ أشكال التظاهر باستخدام القوة الغليظة، من طرابلس حيث سقط شهداء ومئات الجرحى، مرورًا بالاعتداء على أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، وليس انتهاءً بقمع المتظاهرين أمام المحكمة العسكرية، وكأنّ أصحاب القرار يعتقدون أنّهم إذا أسكتوا أصوات الاعتراض فستُرفع العقوبات عن باسيل.

وتستمرّ حالة التشفّي وإفراغ الغضب على كلّ من يُشتبه بضلوعه في مؤامرة إسقاط العقوبات على باسيل. وهي تتحكّم بالكثير من القرارات، السياسية والأمنية على حدٍّ سواء، وانعكس ذلك انفلاتًا من الجيش الإلكتروني البرتقالي على وسائل التواصل الاجتماعي، استهدف مراسم تشييع لقمان سليم، بذرائع “دينية” ليصل إلى لقمان نفسه، باعتباره كان أحد “وشاة السفارة”.

يدرك القارئ المتابع خطورة هذا التدرّج في مقاربة الواقع السياسي الراهن، وما سيتركه من تداعيات على عمل الأجهزة الأمنية، في تنفيذ واجباتها بحماية اللبنانيين من مختلف أنواع المخاطر التي يتعرّضون لها، سواء في ضبط الفلتان الأمني أو في لجم الاغتيالات، لنصل إلى تأثير العقوبات في اتخاذ القرارات، والتوجّه الاستراتيجي للرئاسة وللتيار الوطني الحرّ، بعد كلّ ما يثار عن العلاقة مع “حزب الله”.

حسَم الرئيس عون الموقف وأنهى الجدل في أروقة التيار الوطني الحرّ حول العلاقة مع “حزب الله”، وأوقف كلّ الهمهمات والتحضيرات لتشريح تفاهم مار مخايل بعد أن أصبح “باليًا”، ليحدِّد البوصلة: بعد الفشل في رفع العقوبات الأميركية عن جبران باسيل: يجب إحراق كلّ السفن مع الغرب، والانخراط في عمق المحور الإيراني، وإنهاء هوامش الالتباس والمجاملات.

هذا الموقف الرئاسيّ يفكّ شيفرة العقدة الناقصة في الملفّ الحكومي. ذلك أنّ “حزب الله” والتيار الوطني الحرّ، دخلا في مرحلة اندماج وتمازج كامل في الأهداف والوسائل، وهما على تنسيق دائم في التكتيكات السياسية المتّبعة لإنهاك الحياة السياسية وفرض الشروط على الجميع، وأبرز هذه البِدع “الثلث المعطّل” الذي يضعه الحزب حجر عثرة في وجه إنجاز تشكيل الحكومة، لأنّه لا فارق عمليًّا بين ثلث معطّل بيد جبران وحده، أو بيد الأغلبية الممانِعة.

على الضفة الخارجية، فإنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الساعي لإنجازٍ يستثمره في الانتخابات المحدّدة في فرنسا العام المقبل، بدأ يدرك، وإن متأخّرًا، أنّ “حزب الله” هو الذي يقف وراء إفشال مبادرته، لأسبابٍ تتعلّق بأولويات التفاوض لدى طهران مع واشنطن، رغم كلّ ما قدّمه ويقدّمه من حمايةٍ ورعاية تاريخية ومستمرة لمصالح إيران وللحزب في لبنان والمنطقة. لذلك أبدى ماكرون تفهّمًا لرفض الحريري الثلث المعطل، وبدأت تتسرب ملامح مراجعة للسياسات الفرنسية الراهنة تجاه “حزب الله”.

يدرك القارئ المتابع خطورة هذا التدرّج في مقاربة الواقع السياسي الراهن، وما سيتركه من تداعيات على عمل الأجهزة الأمنية، في تنفيذ واجباتها بحماية اللبنانيين من مختلف أنواع المخاطر التي يتعرّضون لها

وتكشف مصادر متابعة، أنّ ماكرون واجه عقدتين من طرفي الصراع، فهو اصطدم بموقفٍ أميركي صلب تجاه “حزب الله”، يرفض وجوده في أيّ حكومة يُراد لها أن تبدأ رحلة التعافي السيادي والاقتصادي، وواجه انكشاف موقف الحزب الحقيقي الرافض للتعاون من أجل إنقاذ المبادرة الفرنسية. لذلك ليس من المستغرب أن توجِّه دوائر الأليزيه دعوة إلى النائب جبران باسيل لزيارة باريس خلال الأيام المقبلة، لإبلاغه بضرورة إيجاد مخرج يتيح تشكيل الحكومة، في محاولة قد تكون الأخيرة قبل مواجهة حقيقة انتهاء المبادرة الفرنسية.

إقرأ أيضاً: 20 شهرًا مصيرية للعونية: لا أفق إلا بمواجهة السُنّة

الواضح أنّ ماكرون سيدفن مبادرته قريبًا، وسيكون على لبنان أن يواجه تحوّله إلى نظامٍ ممانع بكامل المواصفات الإيرانية الكارثية المسيطرة في العراق وسوريا واليمن.

حان وقت التحول الكامل إلى النموذج الإيراني على الطريقة العونية.

 

[VIDEO]

مواضيع ذات صلة

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…