يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم الجمعة للحديث عن القضايا الداخلية في لبنان، بعد أن كانت إطلالاته الأخيرة مخصّصة للأوضاع الإقليمية والدولية والذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. وإن كان هناك احتمال كبير أن تشمل إطلالته اليوم الحديث عن التطوّرات الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية وانعكاساتها على الأوضاع في العالم والمنطقة.
لكن كيف يفكر حزب الله في مقاربة التطورات الداخلية؟ وأي عقل عميق يحكم حزب الله في مقاربته للشأن اللبناني؟ وكيف يحدّد الحزب مواقفه من التطورات السياسية؟ وهل صحيح أنّ العلاقة العضوية والاستراتيجية مع إيران هي العنصر الأساسي والوحيد الذي يحدد مواقف الحزب ورؤيته للداخل والخارج؟
من خلال الاطّلاع على آليات التفكير داخل مؤسسات الحزب وكيفية اتخاذ القرارات والمواقف، ومن خلال اللقاءات والحوارات مع مسؤولي وكوادر حزب الله، يمكن الاستنتاج أنّ العقل العميق للحزب هو عقل مركّب ومعقّد جداً ولا يعتمد على أساس ثابت محدّد. بل لديه أبعاد متعدّدة سواء على الصعد الإيديولوجية والفكرية والسياسية، أو على الصعد التنظيمية والحزبية الداخلية والمؤسساتية، أو لجهة تحديد المصالح والسياسات والإجراءات والقرارات العملية.
كيف يحدّد الحزب مواقفه من التطورات السياسية؟ وهل صحيح أنّ العلاقة العضوية والاستراتيجية مع إيران هي العنصر الأساسي والوحيد الذي يحدد مواقف الحزب ورؤيته للداخل والخارج؟
فأيّ قضية أساسية أو ملفّ هام يتطلب اتّخاذ قرار معين، يعبر في مستويات عديدة من الدراسة والبحث والنقاش، سواء على مستوى مراكز التفكير والبحث داخل الحزب، أو في مؤسسات القرار، من أسفل السلم الهرمي إلى الأعلى، أو بالعكس.
ولكلّ موضوع أو مشروع قرار أو ملف آليات محددة في الدراسة والبحث ووفقاً لمستويات مختلفة. فإذا كان مشروع قانون في مجلس النواب أو قراراً في مجلس الوزراء أو موقفاً من قضية سياسية طارئة أو حدثاً داخلياً أو خارجياً أو تطوّراً استراتيجياً هاماً، لكلّ منها له آليات بحث في إطار مجالس مختلفة وصولاً إلى سلطة القرار العليا في الحزب (أي شورى القرار) أو بقية المجالس الأساسية. ومنها المجلس التنفيذي أو المجلس السياسي أو المجلس الجهادي أو المجلس الحكومي والنيابي وصولاً إلى شورى المنطقة أو مسؤولي الوحدات. والنقاش يبدأ أحياناً في السلطة العليا ومن ثم توضع آليات تنفيذ، أو أحيانا ينطلق من السلطات الصغرى (في المناطق والوحدات والشعب) وصولاً إلى السلطات العليا.
وعلى الرغم من أهمية الدور الذي يقوم به الأمين العام السيد حسن نصر الله حالياً في قيادة الحزب وعلاقته المميزة مع القيادة الإيرانية وشخصيته الكاريزمية الخاصة، فإنّه وفقاً للآليات الداخلية في الحزب لا يستطيع اتّخاذ أي قرار أو موقف وحدَه من دون العودة إلى “شورى القرار” أو بقية المؤسسات في الحزب وبعد نقاش مستفيض أحيانا. كما أنّ طبيعة شخصية السيد نصر الله (لمن يعرفه عن قرب) تتميز بالاستعداد للنقاش والحوار وقبول الآراء المختلفة. وهو يحرص أيضاً على استشارة المعنيين في أيّ ملفّ. ويستمع بعقل هادئ لكل وجهات النظر. وعلى الرغم من ظروفه الأمنية والخاصّة اليوم فإنّه حريص على متابعة كلّ الملفات والتواصل مع جميع المعنيين.
وهناك شخصيات مهمة داخل الحزب تلعب أدواراً مهمة في صياغة القرارات ووضع تصوّرات للخطط والاستراتيجيات. وقد لا تكون حاضرة على الصعيد الإعلامي كثيراً. ولكلّ شخصية أو مسؤول في الحزب مساهمة مهمة في سلطة اتّخاذ القرار انطلاقاً من موقعه ودوره السياسي أو الأمني أو الفكري أو التنفيذي.
أيّ قضية أساسية أو ملفّ هام يتطلب اتّخاذ قرار معين، يعبر في مستويات عديدة من الدراسة والبحث والنقاش، سواء على مستوى مراكز التفكير والبحث داخل الحزب، أو في مؤسسات القرار، من أسفل السلم الهرمي إلى الأعلى، أو بالعكس
والميزة الأخرى في عقل الحزب العميق أنّه على الرغم من كونه حزباً عقائدياً ومؤمناً بولاية الفقيه وعلى صلة عضوية بالقيادة الإيرانية الإستراتيجية، فهو عقل براغماتي أو عملي وواقعي. وهو يأخذ بعين الاعتبار كلّ المعطيات المحلية والواقعية والداخلية في حساباته وعند اتّخاذه أيّ قرار مركزي أو استراتيجي. ولم يعد الحزب ذا بعد واحد، خارجياً أو إقليمياً أو داخلياً، بل لديه أبعاد سياسية واستراتيجية متعدّدة وهو يتطوّر وفقاً لتطوّر المعطيات الداخلية والخارجية وعنده استعداد لتغيير المواقف والأداء وفقاً للمصالح والمتغيّرات. مع الحرص على الالتزام بالثوابت الأساسية الفقهية أو الدينية أو المبادئ العامة التي يؤمن فيها. كما أنّ العقل الفقهي الذي يعود إليه الحزب في مواقفه واجتهاداته ليس عقلاً سلفياً أو جامداً بل هو عقل متطوّر وفقاً لأليات الاجتهاد عند الفقهاء الشيعة.
إقرأ أيضاً: دبلوماسي عربي: نصر الله مستهدف.. ومخاوف أمنية جديّة
نحن إذن أمام عقل مركّب وواقعي ومتطوّر ويرتكز على عمل مؤسساتي ودراسات وأبحاث تنتجها مراكز الأبحاث والدراسات داخل الحزب. كما أنّ شبكة علاقات الحزب الداخلية والخارجية لم تعد محدودة بل هي تطوّرت بشكل كبير مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية والعربية والإسلامية سواء كانت جهات رسمية أو نخباً ثقافية وفكرية ودينية. وكل ذلك يؤثر في تفكير الحزب وخطابه وآليات عمله وخططه التنفيذية والعملية.
ومؤسسات الحزب ليست جامدة بل تتطوّر وفقاً للحاجات والظروف. ومن هنا نشهد دائما إنشاء مؤسسات أو وحدات جديدة أو تطوير مؤسسات قائمة أو تغيير آليات العمل الداخلية والخارجية لمواجهة كل التحديات والعقبات أو معالجة الثغرات. وهناك تقييم ومراجعة دائمة لآليات العمل والاستراتيجيات والخطط الميدانية والمواقف السياسية والخطوات التنفيذية.
هذه بعض القواعد التي تحكم العقل العميق للحزب والتي تحدّد مواقفه وأدائه ولذا نتفاجأ دائماً بمواقف جديدة ومتغيّرات في الأداء والمواقف.
وللحديث صلة عن رؤية الحزب لما يجري في لبنان والمنطقة..