على جاري عادته في المحطات المفصلية أحاط النائب جبران باسيل تحرّكه الأخير باتّجاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بجدار من السرّيّة حوَّل نواب التيار وقياداته والوزراء المحسوبين عليه إلى متفرّجين “يضربون بالمندل” للتكهّن باحتمال حصول اللقاء أو عدمه، ويطرحون التساؤلات عن غايته ومغزى توقيته ونتائجه في الوقت الذي يسمعون فيه كلاماً كبيراً يُقال في الأروقة الحزبية المغلقة عن “زعامات المنظومة” وجنبلاط واحد منهم.
سَبَقَ زعيم المختارة باسيل بعقود في “فنّ” إعادة التموضع من دون تكلّف عناء وضع القواعد والقيادات “في الصورة” إلى حدّ أنّه قبل ساعات قليلة من اللقاء المشترك بين جنبلاط وباسيل كان أحد نواب “اللقاء الديمقراطي” يجزم أن “لا معطيات لدينا عن لقاء سيحصل بين الطرفين”.
بدا لافتاً التزامن بين الإعلان عن لقاء باسيل بجنبلاط ثمّ تسريب خبر عن لقاء باسيل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال في الوقت الذي كانت فيه المعارك مشتعلة بين الطرفين على خلفيّة انعقاد جلسة الخامس من كانون الأوّل
مع ذلك، يبقى الأهمّ هو نتيجة اللقاء الذي عُقد في منزل جو الضاهر نجل بيار الضاهر وزوجته داليا جنبلاط وما سيليه من لقاءات بين باسيل وقوى سياسية أخرى يراهن الأخير على أنّها قد تفتح كوّة في جدار الأزمة السياسية والحكومية، حيث تحدّث أمس من بكركي عن “موقف واضح وكامل من قبلنا في الأسبوع الأول من العام الجاري”.
ستكون هذه الخطوة، برأي متابعين، النسخة “المُحدّثة” عن ورقة الأولويّات الرئاسية التي أطلقها وطاف بها على المرجعيات السياسية من دون أن تلقى تجاوباً من أحد، حتى حزب الله الذي التزم الصمت حيالها.
يُشبِه حراك باسيل الداخلي المحدود مشهد تنقّله بين باريس والدوحة. الكثير من الضوضاء والقليل من “الإنتاجية” باستثناء ما بَرَز بين سطور هذا التحرّك من خلال توجيه رسالة مباشرة إلى حليفه الأوحد حزب الله بأنّ رئيس التيار الوطني الحر قادر على توسيع رقعة مناوراته الرئاسية وكسر طوق الحصار عليه والخروج من “جلباب الضاحية”.
بيد أنّ ثمّة من يُردّد داخل التيار الوطني الحر أنّ حركة باسيل منسّقة مع قيادة حزب الله التي لاقت أمس مبادرة باسيل الساعي إلى “بدء النقاش الجدّيّ في الخيار الرئاسي الثالث” من خلال حديث عضو المجلس المركزي الشيخ نبيل قاووق عن “خطورة مشروع التحدّي والمواجهة”، قاصداً الفريق المتمسّك بترشيح ميشال معوّض، وداعياً إلى “الحوار والتوافق الداخلي لأنّه الأقرب والأسلم والأضمن”.
لكنّ النقطة الأهمّ في كلام قاووق تذكيره بأنّ الحزب “لم يطرح أيّ مرشّح للتحدّي والمواجهة”. وهو كلام يعكس عدم خوض حزب الله معركة سليمان فرنجية علناً فاتحاً المجال أمام “الرئيس التوافقي” الذي لا تنطبق مواصفاته و”مشروعه”، برأي باسيل، على فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
أوساط “التيار الوطني الحر” لـ “أساس”: “هناك من يحاول أن يضعنا في مواجهة خبيثة مع العسكر، والمفاضلة بين العيش المشترك وحقوق هؤلاء، لكنّنا لن نقبل بالأمر الواقع وسنتصدّى له”
من جهة أخرى، بدا لافتاً التزامن بين الإعلان عن لقاء باسيل بجنبلاط ثمّ تسريب خبر عن لقاء باسيل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال في الوقت الذي كانت فيه المعارك مشتعلة بين الطرفين على خلفيّة انعقاد جلسة الخامس من كانون الأوّل.
وفق معلومات “أساس”، انعقد اللقاء بين ميقاتي وباسيل في اليوم نفسه لعقد جلسة الحكومة، بمبادرة من الصديق المشترك علاء الخواجة على مأدبة غداء في منزل الأخير. لكن “لم تسفِر “جَمعِة الخواجة”، الذي يحاول لعب دور داخلي وخارجي في ملف الرئاسة، عن أيّ نتائج ملموسة، واتّخذت أكثر طابعاً اجتماعياً. والدليل أنّها مهّدت لعقد “اللقاء التشاوري” بعد يومين في السراي الذي أسفر عن تشكيل لجنة من الوزراء-القضاة عقدت اجتماعاً وحيداً فاشلاً ثبّت المتاريس أكثر بين باسيل وميقاتي وفجّر أزمة المراسيم (مرسوم المساعدات الاجتماعية للعسكر ومرسوم ترقيات الضباط) التي يصرّ وزير الدفاع على توقيعها بصيغة الـ 24 وزيراً”.
حتى يوم أمس لم يكن وزير الدفاع قد أرسل مرسوم المساعدات للعسكر مصحَّحاً كما طلبت رئاسة الحكومة، وهذا يعني أنّ كلّ العسكر لن يقبضوا “الزودة” في نهاية العام إلا إذا تمّ تجاوز لغم الـ 24 وزيراً.
في هذا السياق تجزم أوساط “التيار الوطني الحر” لـ “أساس”: “هناك من يحاول أن يضعنا في مواجهة خبيثة مع العسكر، والمفاضلة بين العيش المشترك وحقوق هؤلاء، لكنّنا لن نقبل بالأمر الواقع وسنتصدّى له”.
إقرأ أيضاً: “لقاء المصلحة”: جبران يحاول فك عزلته!
أمّا على صعيد تحرّك باسيل المرتقب بداية العام فتقول الأوساط إنّ “النقلة من الصفات الشخصية لمرشّح الرئاسة إلى التوافق على برنامجه تشكّل معبراً أساسياً لكسر الجمود الذي يسيطر على ملفَّيْ الرئاسة والحكومة”، مشيرة إلى أنّ “النقاش في الأسماء سيبدأ جدّيّاً مع الجميع في الأسبوعين الأوّلين من العام الجديد بناءً على ما يجب أن تطلبه القوى السياسية من “مشروع” هذا المرشّح واستناداً إلى مشاورات سياسية ستبقى ناشطة في المدّة الفاصلة عن نهاية العام”.
يقول مطّلعون لـ “أساس” إنّ “الخرق الوحيد الذي قد يحدث هو استسلام طرفَيْ المواجهة لعدم جواز الاستمرار في لعبة “ورقة” ميشال معوّض في مواجهة معسكر الأوراق البيضاء، أي التوجّه نحو تكريس الخيار الرئاسي الثالث الذي يُزنّره لغم حذف باسيل لقائد الجيش وفرنجية من المعادلة الرئاسية”.