هدوء

مدة القراءة 3 د

أكتب هذا المقال والمملكة العربية السعودية تحتضن القمم السعودية الصينية، والخليجية، وكذلك الصينية العربية في العاصمة الرياض، ووسط حضور خليجي وعربي مميّز، وبيانات لافتة، يعمّها التوافق من أجل مستقبل أفضل للمنطقة.

إلا أنّ القصة ليست هنا، بل في الهدوء الذي تشهده منطقتنا، وهو هدوء مؤقّت بالطبع، والسبب اهتزاز نظام الملالي في إيران بسبب الاحتجاجات الحقيقية التي تدور على كلّ الأراضي الإيرانية وأربكت نظام الملالي هناك.

تشعر المنطقة بالهدوء ليس لأنّ العراقيين أو اللبنانيين أو السوريين أو اليمنيين ثاروا ضدّ النفوذ الإيراني، بل لأنّ الشعوب الإيرانية هي التي تقول لنظام الملالي إنّ “كفى” تعني كفى، وأثبتت للجميع أنّ النظام في طهران هو نظام قمعي إرهابي متخلّف لا علاقة له بالمستقبل.

انشغل نظام الملالي بالشأن الداخلي الإيراني، فصمت عملاؤه بالمنطقة، وابتلعوا ألسنتهم، وكلٌّ يفكّر بمآل الأمور. انشغل النظام باحتجاجات حقيقية ضدّه قامت بها الشعوب الإيرانية، وحتى أفراد عائلة النظام، مثل ابنة شقيقة المرشد الإيراني، والنخب.

تشعر المنطقة بالهدوء ليس لأنّ العراقيين أو اللبنانيين أو السوريين أو اليمنيين ثاروا ضدّ النفوذ الإيراني، بل لأنّ الشعوب الإيرانية هي التي تقول لنظام الملالي إنّ “كفى” تعني كفى

اليوم خرج السيد محمد خاتمي مؤيّداً للمحتجّين، ومثله المعارض الإيراني الذي يعيش تحت الإقامة الجبرية، مير حسين موسوي، الذي خرج أيضاً مؤيّداً للمحتجّين، فازدادت ربكة الملالي وسط رفض عائلة الخميني ورفسنجاني تأييد النظام.

يحدث كلّ ذلك، فتزداد ربكة الملالي، ويزداد الهدوء في المنطقة، وربّما يكون الهدوء الذي يسبق عاصفة هروب الملالي إلى الأمام، أي التصعيد الإرهابي بالمنطقة، وهذا أمر غير مستبعد بكلّ تأكيد.

المراد قوله هنا أنّ اهتزاز نظام الملالي في طهران أدّى إلى هدوء ملموس في المنطقة، فكيف لو سقط هذا النظام الشرّير؟ كيف سيكون حال الداخل الإيراني وشعوبه؟ وكيف سيكون حال هذه المنطقة التي تشهد نموذجين واضحين الآن؟ النموذج الأول هو الإصلاح والانتفاضة، وتمثّله السعودية التي شكّلت رافعة لكلّ المنطقة، مذكّرةً الجميع بأنّ الإنسان أوّلاً، وأنّ بناء الأوطان هو ما يفرض المكانة والقيمة في كلّ مكان، ولا يمكن أن يتمّ بالحروب والتوسّع والطائفيّة. فيما النموذج الثاني هو الإيراني الذي تقوم سياسته على الطائفية، والقمع، والتوسّع المخرِّب، وتدمير مفهوم الدولة من خلال المرتزقة الذين يحلّون مكان الدولة وإنشاء الميليشيات والالتفاف على الدولة، فيصبح التصدير تهريباً، والسياحة معسكرات إرهاب، وهكذا دواليك.

اليوم النموذج الأوّل، السعودي الخليجي، هو الذي ينتصر لأنّه اهتمّ بالإنسان، أي المواطن، وبناء الدولة الوطنية، فيما النموذج الإيراني يترنّح في إيران نفسها بسبب ثورة الإيرانيين على الملالي لا ثورة أبناء منطقتنا على النفوذ الإيراني.

إقرأ أيضاً: بن سلمان يصدّر “فراشة الفرح” السعودية.. إلى إيران

بالطبع الفارق كبير ولا مجال للمزايدة، ولا التذاكي، من حيث الغمز والهمز عن حديث طائفي، أو تبعية لدولة على حساب أخرى. الاحتجاجات الإيرانية على نظام الملالي قزّمت عملاء إيران بالمنطقة، وأخرست المزايدين والطائفيين.

هذا الهدوء “المؤقّت” هو بروفة لِما يمكن أن يكون عليه حال منطقتنا هذه بدون نظام الملالي، وهو أمر يتمنّاه كلّ عاقل، وسيحدث إن عاجلاً أو آجلا، ولن يستمرّ هذا النظام المتخلّف الإرهابي في منطقتنا. وهذه هي طبائع الأمور.

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…