بعد نجاح كأس العالم: نسخة قديمة أم جديدة لقطر؟

مدة القراءة 5 د

استعادت قطر قوّة تأثيرها بعد نجاحها في تنظيم أفضل نسخة من نسخ كأس العالم لكرة القدم.

يبقى السؤال الكبير: كيف تستخدم قطر هذا التأثير؟

هل ترسِّخ على نحوٍ أقوى سياساتها السابقة المثيرة للجدل أم يكون هذا التأثير قوّة دفع للأمير تميم نحو الاستقلال بأفكاره الخاصّة بعيداً عن تأثير سياسات الأمير الوالد؟

بصرف النظر عن أيّ نتائج لهذا التحليل أو أيّ ترجيح لأيّ خيار محتمل، فإنّ من المؤكّد أنّ هناك عناصر قوّة موضوعية تجعل اللاعب القطري قوّةً لا يمكن إسقاطها من معادلات المنطقة في العام المقبل، ويمكن تحديد هذه العناصر على النحو التالي:

1-  قطر هي الدولة الثالثة في الترتيب العالمي من حيث حجم احتياطيات الغاز التي لديها حالياً بعد روسيا وإيران.

2-  قطر لديها أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، وهي قاعدة العديد التي تضمّ أكبر عدد من المقاتلات ومراكز القيادة الاستراتيجية في المنطقة، فيما قاعدة إنجرليك تابعة للحلف الأطلسي.

3-  لدى قطر اتّفاقات أمنيّة خاصة مع تركيا وإيران وعُمان.

الحقيقة التي لا ينكرها حتى أشدّ الكارهين أو المخالفين للدوحة أنّ قطر نجحت نجاحاً كبيراً وغير مسبوق في التنظيم والإبهار الشديد

4- تُعتبر قطر من كبار المشترين للسلاح النوعي من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وأكبر زبون لدى شركة بوينغ العالمية للطائرات المدنية.

5-  تُعتبر محفطة الاستثمارات غير النفطية القطرية الخارجية من أقوى المحافظ، وتُقدّر قيمتها بما يزيد على 350 مليار دولار أميركي.

6-  تدخل قطر في علاقات استثمارية مع شركات نفطية عملاقة مثل إكسون موبيل واوكتندال وتوتال وإيني.

7-  تحتضن قطر على أراضيها تركيبة غير مسبوقة من الحركات والجماعات المؤثّرة مثل قيادات حركة حماس وحركة طالبان وحركة الشيشان وجماعة الإخوان المسلمين والجبهة الإسلامية في سوريا.

8-  لعبت قطر بمباركة فرنسية دوراً أساسياً مع شركة توتال في إنجاح صيغة ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وكان لقطر دور رئيسي في تدريب قادة حركة طالبان على الإدارة السياسية على أراضيها قبل تسليم كابول للحركة.

9-  شكر الرئيس بايدن علناً لأمير قطر دوره في تأمين نقل الجنود والعائلات الأميركية من كابول قائلاً: “لولا جهودكم لَما تمكّنّا من إتمام الترحيل بسهولة”.

 

قطر الجديدة بعد المونديال

هذا كلّه قبيل بدء انطلاق مباريات كأس العالم.

كانت هناك رهانات عديدة وشكوك في قدرة قطر، الدولة الصغيرة المساحة والقليلة العدد، على أن تكون أوّل دولة عربية شرق أوسطية تنظِّم هذه المسابقة.

الحقيقة التي لا ينكرها حتى أشدّ الكارهين أو المخالفين للدوحة أنّ قطر نجحت نجاحاً كبيراً وغير مسبوق في التنظيم والإبهار الشديد.

أنفقت قطر ما يقارب 200 مليار دولار أميركي من التجهيزات على مدار 8 سنوات.

ونال حفلا الافتتاح والختام للمسابقة أعلى نسب مشاهدة ومتابعة عالمياً.

أهمّ ما نجحت فيه قطر أنّها قدّمت رسالة مزدوجة يصعب الجمع بين توجُّهَيْها في الداخل والخارج. ففي ما يخصّ بيع الخمر في الملاعب والترويج للمثليين سوّقت مبدأ ضرورة احترام قيمنا وعاداتنا العربية والإسلامية، وفي ما يخصّ الحرّيات الشخصية في المطاعم والساحات والفنادق كانت نموذجاً للانفتاح والمعاصَرة.

الأمر المؤكّد أنّ قطر حصلت على مردود أكبر من الـ200 مليار دولار والجهد الهائل الذي بذلته في الإعداد والتنظيم والبناء والتشييد لفنادق وبنايات وطرق عامّة وخطوط مترو و8 من أعظم وأحدث ملاعب كرة القدم في العالم.

قامت شركات “اللوبيات” العاملة لصالح قطر في التسويق القويّ لمكانة الدوحة والعائلة المالكة هناك، واستطاعت تنظيم حملات مضادّة شبه يومية للردّ على أيّ انتقادات.

باختصار شديد تضاعف بشدّة وزن قطر دولة ونظاماً وسمعةً ومكانةً إقليمية ودولية بعد كأس العالم عمّا كان عليه قبل المسابقة.

ولا ننسى أنّ هذه الدولة كانت منذ أكثر من 30 شهراً تواجه عقوبات من جيرانها وتتعرّض إعلامياً لحملات شديدة وصلت إلى حدّ المقاطعة.

 

تغيير السياسات الانقسامية؟

نعود للسؤال: كيف ستستخدم قطر هذا الزخم المضاعف الذي حصلت عليه ويمثِّل جائزةً تستحقّها عن جدارة بعد كأس العالم؟

هل يدعمها ذلك في تقوية السياسات الإعلامية لقنوات “الجزيرة”؟

هل تستخدم ذلك في توسعة دورها الإقليمي في سوريا والعراق والسودان ولبنان وإثيوبيا وجيبوتي؟

هل تستمرّ في الدعم الكبير لجماعة الإخوان المسلمين؟

هل تستمرّ في دعم حكومة الدبيبة في طرابلس ليبيا؟

هل تقوم بحركة استدارة سياسية حادّة وتبدأ بخطوات تصفير المشاكل التي يدعمها الأمير تميم مع أبو ظبي والقاهرة والرياض والمنامة؟

هل تستخدم نفوذها في عقلنة جبران باسيل في لبنان والجهاد الإسلامي في غزّة والحشد الشعبي في العراق وإصلاح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وإقناع إردوغان بأنّ استعراض العضلات في سوريا والعراق خطر عظيم؟

هل تستخدم قطر مكانتها الجديدة من أجل التوسّط بين إثيوبيا ومصر، ولا سيّما أنّ الاستثمارات القطرية مع الاستثمارات التركية هي الكبرى في إثيوبيا؟

هل تعيد قطر تقويم سياستها في ليبيا؟

إقرأ أيضاً: درس المونديال السياسيّ: “الفوز أهمّ من الاستحواذ”

هل تحاول أن تعيد “طالبان” إلى صوابها وتقنعها بأنّ قادتها خالفوا مبادئ التأهيل السياسي التي تلقّوها في الدوحة قبيل سقوط كابول؟

سيكون الخيار كلّ الخيار في قراءة كلّ موازين القوة الجديدة التي توافرت لقطر بيد الأمير، فهو الوحيد الذي يمكنه أن يجيب على السؤال الكبير: هل يكون ابن سياسة الماضي أم يستخدم فائض القوّة الجديدة لوضع سياسات مستقبلية من أجل دور عاقل معقول؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…