في القرن الحادي عشر كانت أجزاء واسعة من إنكلترا والدنمارك والنرويج تخضع لحاكم يُدعى كانيوت. كان كانيوت يدّعي أنّه يستمدّ سلطته من الإله. وعندما تعرّضت هذه البلدان لطوفان بحريّ عارم، حاول أن يوقف المدّ بتعاويذه وسحره، لكن من دون جدوى.
اليوم تتعرّض إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكّان، لطوفان بحريّ عارم أيضاً. فمدينة جاكرتا تغرق تدريجياً تحت مدّ البحر. وكان الطوفان البحري قد أدّى في عام 2020 إلى مقتل العشرات وتشريد أكثر من 400 ألف شخص. وطوال العامين التاليين اشتدّت وطأة الطوفان، وازداد هبوط الأرض في أحياء عديدة من العاصمة جاكرتا.
بين الإيمان بالله والتعاويذ
لا يوجد كانيوت إندونيسي، لكن يوجد علماء ومشايخ مؤمنون بالله وبالإسلام ديناً. يقف هؤلاء العلماء أمام تقرير علمي تبنّته الأمم المتحدة يؤكّد أنّ طوفانا متوقّعاً في نهاية هذا القرن من شأنه أن يغرق أكثر من 4.5 ملايين إندونيسي. وفي الوقت ذاته يزحف التصحّر في المناطق الداخلية ويتسبّب بنشوب حرائق في الغابات مهدّداً مساحة تبلغ 94 مليون هكتار.
كان كانيوت يدّعي أنّه يستمدّ سلطته من الإله. وعندما تعرّضت هذه البلدان لطوفان بحريّ عارم، حاول أن يوقف المدّ بتعاويذه وسحره، لكن من دون جدوى
مع ذلك تقول الدراسات الإحصائية إنّ 13 في المئة من الإندونيسيين يعتقدون أنّ نظرية الاحتباس الحراري أكذوبة، وأنّ التخويف مبالغ فيه.
من أجل ذلك تداعى علماء إندونيسيا وعقدوا مؤتمراً في مسجد الاستقلال في العاصمة جاكرتا اشترك فيه مجلس علماء إندونيسيا وجمعية نهضة العلماء وجمعية “المحمديّة”، وهي أكبر المؤسّسات الدينية، وتوافقوا على إنشاء “مجلس إسلامي” للعمل على تنسيق جهودهم من أجل مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري وتداعياته المدمّرة.
هكذا بدأت تصدر الفتاوى الدينية بتحريم إحراق الغابات وقتل الحيوانات المعرّضة للانقراض، وذهبت هذه الفتاوى إلى حدّ تحريم أعمال المناجم المدمّرة للطبيعة.
تشرف هذه المؤسّسات الدينية على إدارة مجموعة من المدارس تضمّ أربعة ملايين طالب يجري تثقيفهم بناء على قواعد دينية واحترام الطبيعة المتمثّلة في خلق الله من شجر ومياه وإنسان وحيوان. ومن هذه القواعد الاقتداء برسول الله محمد (عليه السلام) الذي كان يقوم بنفسه بزراعة الأشجار والنخيل، ويدعو إلى العناية بها.
ذهبت هذه الجمعيات إلى حدّ إصدار ما أُطلق عليه “صكوك خضراء” تتوافق مع ما تقول به الشريعة الإسلامية. وتبلغ قيمة هذه الصكوك 3 مليارات دولار.
إقرأ أيضاً: مارتن لوثر كينغ.. زير نساء أو شيوعي؟
لقد تعلّم الإندونيسيون من كارثة غرق باكستان بسبب أمطار فيضانيّة، وتعلّموا من الإعصار الذي ضرب فلوريدا في الولايات المتحدة، وكان الأعنف منذ عام 1935. تعلّموا أيضاً من موجة الحرّ وما تسبّبت به من حرائق في القارّة الأوروبية. وهم يشاهدون يوميّاً كيف يزحف البحر نحوهم، وكيف تهبط الأرض من تحتهم.
من أجل ذلك، يُطلَق اليوم على مشايخ إندونيسيا لقب “المشايخ الخضر”. فهم لا يدعون إلى وقف المدّ البحري الإغراقي ولا إلى وقف الاحتباس الحراري على طريقة الملك كانيوت، لكنّهم يجتهدون في ترجمة التشريع الإسلامي بما يتوافق مع الأمانة التي حمّلها الله سبحانه وتعالى للإنسان، لكلّ إنسان من إندونيسيا حتى إنكلترا والدنمارك والنرويج.