لبنان بين دستور الطائف أو تحلل الكيان

مدة القراءة 7 د

تساؤلات كثيرة مشروعة طرحت سابقاً وتطرح في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ لبنان الكيان والدولة حول وثيقة الوفاق الوطني. ما يبعث على الريبة هو الحملات الممنهجة على اتفاق الطائف الهادفة إلى المطالبة بتغيير النظام، علماً أن هؤلاء لا يطرحون بديلاً. عدم الموافقة على الطائف أو الاعتراض المقنع ضده ليسا بأمرين جديديّن. فمنذ اعلان التوصل الى هذا الاتفاق في مدينة الطائف برعاية دولية وعربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية مشكورة، والذي تم توقيعه كي يصبح لاحقاً دستور الدولة اللبنانية بعد حرب دامت ١٥ عاما، فإن قوى طائفية ومذهبية بعينها توارب وتناور لتصديع الاتفاق حيناً عبر وضعه أمام حائط مسدود وأحياناً عبر أعراف فُرض بعضها بالقوة كما الحال في اتفاق الدوحة.

الاعتراضات هذه التي عبرت عن ذاتها بتساؤلات مؤخراً لامست عن قصد طروحات وشعارات الحرب الاهلية الامر الذي يعيد مجدداً انتاج الانقسام الوطني أفقياً وعمودياً، وعليه يصبح موجباً إعادة التذكير بمآسي تلك الحرب المدمرة للحجر والبشر. كما تقع على عاتق أصحاب الرؤوس الحامية المبالغين بعبثيتهم من خلال خطابهم التحريضي مسؤولية اعادة نبش القبور ووضع البلاد على صفيح ساخن مجدداً في لحظة تتصاعد فيها الصدامات الدولية والاقليمية بالوكالة.

تساؤلات كثيرة مشروعة طرحت سابقاً وتطرح في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ لبنان الكيان والدولة حول وثيقة الوفاق الوطني

أسئلة عن المغامرات

ان طرح التساؤلات التي تحمل اجوبة في طياتها، تساعد في اعادة إنعاش ذاكرة من لم يتعظ بعد بتداعيات مواقفهم الانتحارية الغبية وانعكاساتها على بيئتهم الاجتماعية، كما انها قد تضيء الدرب للأجيال التي تجهل معنى الحرب الاهلية وتبعاتها المدمرة. هذه الأجيال التي لم تتعمق في جوهر اسباب المسارات العسكرية والسياسية والوطنية خلال المرحلة الواقعة بين الاستقلال ووقف إطلاق نار الحرب الاهلية، التي مهدت لمسار مرحلة جديدة انتجت لاحقاً وثيقة اتفاق الطائف التي عرفت بوثيقة الوفاق الوطني والتي اضحت دستور الدولة اللبنانية، وعليه نورد التساؤلات التالية :

– ألم يضع اتفاق الطائف من الناحية العملية حداً للحرب الاهلية التي كانت نتيجة لتراكم ازمات وطنية تعود إلى ما قبل هذه الحرب، هذا الاتفاق الذي مهد المسار لإعادة بناء الدولة الوطنية بمؤسساتها وقواها الامنية المتعددة، والذي تم تعطيله على يد القوى الداخلية المعروفة بامتداداتها الخارجية والمتضررة من عودة السلم الاهلي؟

– ألم يعيد هذا الاتفاق وضع لبنان على الخريطة الدولية والى الحضن العربي الذي وفر له كل مقومات النهوض من بين ركام الحرب فأصبح قبلة للعرب بشرعيتهم وشعوبهم؟

– ألم يحقق هذا الاتفاق مطلب المسلمين المزمن بالمشاركة في القرار السياسي والامني والاداري والمالي والاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي فأصبحت السلطة الاجرائية مناطة بمجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة؟

– ألم يأخذ هذا الاتفاق بالهواجس الناجمة عن الخلل في التوازن الديموغرافي فأقر بالمناصفة في جميع المواقع والمناصب القيادية في الدولة اللبنانية؟

– ألم يأخذ هذا الاتفاق بمطالب المنادين بإلغاء الطائفية من وطنيين مستقلين وعلمانيين ويساريين وغيرهم فأقر بضرورة انتخاب اعضاء المجلس النيابي على اساس وطني خارج القيد الطائفي بعد اقرار القانون الخاص به؟

– ألم يلبي هذا الاتفاق بعض أهداف البرنامج المرحلي للحركة الوطنية اللبنانية العابرة للطوائف حينها؟

– ألم يحافظ هذا الاتفاق على خصوصية التركيبة اللبنانية المتعددة طائفيا ومذهبيا فأقر استحداث مجلسا للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية؟

ان طرح التساؤلات التي تحمل اجوبة في طياتها، تساعد في اعادة إنعاش ذاكرة من لم يتعظ بعد بتداعيات مواقفهم الانتحارية الغبية وانعكاساتها على بيئتهم الاجتماعية

– ألم يأخذ هذا الاتفاق بهواجس المغالين من المنادين بشرعنة واقع وافرازات الحرب الاهلية بدأ بالتقسيم او بالفيديرالية او بالمثالثة فأقر بضرورة تطبيق اللامركزية الادارية الموسعة؟

– ألم يحسم هذا الاتفاق في مبدأه الدستوري الاول بأن لبنان، وطن حر مستقل ونهائي لجميع ابنائه، واحداً أرضا وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمعترف بها دولياً؟

– الم يحسم هذا الاتفاق أيضاً قضية عروبة لبنان انتماء وهوية، وهو العضو المؤسس والعامل في جامعة الدول العربية والملتزم بمواثيقها وهو عضو في حركة عدم الانحياز وتجسد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء؟

– ألم تحسم الدول العربية وخاصة تلك التي كانت تعرف بدول الطوق، المعنية مباشرة بالصراع العربي الاسرائيلي، وفي مقدمهم مصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وفي ظل مرحلة المد القومي الكاسح في المنطقة آنذاك، وبعد اجتماع الخيمة الشهير مع الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب فتم الاقرار والاعتراف بخصوصية الواقع اللبناني عبر التوافق العربي على تصنيف لبنان دولة مساندة وليست دولة مواجهة في الصراع العربي الاسرائيلي وهذا ما يتلاقى بجوهره مع مطالبة البطريرك الراعي بالحياد الايجابي للبنان الا في حالة الاعتداء الاسرائيلي عليه؟

هذه التساؤلات التي تحمل في مضمونها اجابات واضحة لا لبس فيها، تعيد التأكيد بأن اتفاق الطائف ما كان قطعاً اتفاق الضرورة، كما يحلو للبعض اليوم الترويج له تمهيداً للانقضاض عليه  باعتباره اتفاق تقني فقط، بل هو اتفاق الحلول الجدية والعملية لأزمات سياسية اجتماعية ووطنية عميقة متراكمة، تعود الى منتصف خمسينيات القرن الماضي واستطراداً إلى مرحلة الحرب الأهلية، فتداخلت فيها العوامل الداخلية والإقليمية في لحظة احتدام الصراع الدولي بين المعسكرين الشرقي والغربي، فكان لبنان ممراً وحيداً للفيلة وساحة ناضجة لتداخل وتشابك هذه الصراعات المتعددة الابعاد على ارضه.

إنها تساؤلات نابعة من اشكالية وطنية قاربها بعمق اتفاق الطائف، علّ هذه التساؤلات تساعد في إعادة تجديد الوعي السياسي الوطني حول تداعيات ومخاطر التلاعب بوثيقة الوفاق الوطني عبر العبث بالدستور، خاصة في مرحلة يتم فيها الاستقواء بسلاح غير شرعي، اخل بالتوازن وبالمشاركة في القرار الوطني خاصة ما هو مرتبط بقراري الحرب والسلم والذي تجلى مؤخراً بتهريب اتفاق التطبيع الاقتصادي مع العدو الاسرائيلي والاعتراف بحدوده عبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي ينتقص من حدود لبنان الرسمية، المرسمة اصلاً والمعترف بها دولياً، ومن دون عرض مندرجاته المعلومة أو تلك المجهولة على مجلس النواب حتى الان، كما المساهمة في اعادة تصويب البوصلة بالاتجاه الوطني الصحيح عبر الحض على تجاوز الحسابات السياسية الفئوية الضيقة، المتعارضة مع الصالح الوطني العام، التي اثبتت انها كانت من الاسباب الرئيسية التي خدمت مصالح الاطراف المعطلة لمسار بناء الدولة الوطنية الحديثة والنهوض بمؤسساتها والمتفاعلة مع محيطها، على قاعدة حرية واستقلالية قرارها الوطني بعيداً عن اي تبعية إقليمية ـ أيديولوجية تناقض المواثيق العربية وانتماء لبنان العربي.

حذار من لحظة احتدام الصراعات الهوياتية المتعددة والمخيمة على منطقتنا التي تهدف الى تقسيم المقسم وتجزئة المُجزأ والذي سيكون لبنان أولى ضحاياها إذا لم نرتق إلى مستوى المسؤولية الوطنية الانقاذية التاريخية الجامعة لشعبنا بجميع مكوناته.

*أكاديمي ورئيس المجلس الوطني اللبناني – الكندي من اجل الحرية والديمقراطية

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…