فيما كانت تُقتل النساء في شوارع طهران، كانت النساء تغنّي في شوارع الرياض.
لم أستطع منع نفسي من التفكير في هذه المفارقة، السبت الفائت، خلال حضوري أمسية سموّ الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد، التي اُختُتمت بها، الفعّاليّات المصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب.
بهاء الفرح في هواء الرياض والطاقة الإيجابية في زحمة البولفار
ليل طويل من الغناء والشعر ونشوة الموسيقى، افتتحته الفنّانة التونسية أميمة طالب بأغنية “في الظلّ” من كلمات الأمير عبد الرحمن، ليليها الفنّانان السعوديّان الشابّان والنجمان الصاعدان، عايض، وفؤاد عبدالواحد، بأداء استثنائي، وتفاعُل مبهر من الجمهور، الذي ملأ مقاعد “مسرح أبو بكر سالم”، المفتوح على سماء الرياض. ثمّ كان دور الشعر مع الأمير عبد الرحمن بن مساعد الذي قرأ ممّا أعدّ واستجاب لِما طالبه به الجمهور الحاضر، صارخاً من مقاعده القريبة والبعيدة، باسم قصيدة صارت أغنية، أو قصيدة تنتظر عبقريّة ألحان “سهم” مبدع الألحان وهو أميرٌ مستتر، أو صادق الشاعر، شريكَيْ الأمير عبد الرحمن في تجربة الغناء السعودي، والاسمين المستعارين لاثنين من أصحاب السموّ الملكي، ممّن شدّتهما عوالم النوتات إلى ثقوبها السوداء.
وأمّا الختام فتُرِك للفنّانة المصرية أنغام التي غنّت تسع أغنيات من كلمات الأمير عبد الرحمن بن مساعد، بالإضافة إلى أغنياتها الجديدة التي حقّقت مشاهدات مليونية على منصّة يوتيوب.
أسماء كثيرة حضرت في ليلة مفعمة بالحبّ والامتنان، كالشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن الذي غنّت له أنغام أغنية “مزح”، والمطرب السعودي محمد عبده الذي قدّم له الفنّان فؤاد عبد الواحد “ميدلي” لأغنياته من كلمات الأمير عبد الرحمن وألحان صادق الشاعر. والميدلي، هي عبارة عن مزيج من مقاطع من أغنيات أو مقطوعات موسيقية تُغنّى أو تُعزَف متّصلة كأنّها مقطوعة واحدة، وهي تنويع موسيقيّ شائع في الأغنية الشعبيّة. ولا يغيب طبعاً اسم “أبو بكر سالم”، المغنّي والشاعر والملحّن، الذي يحمل المسرح اسمه تكريماً، هذا السعودي الحضرميّ اليمنيّ الذي صار أباً للأغنية الخليجية، وكاسحة الألغام أمام انتشارها خارج الخليج.
بكلّ هذه المعاني أمسية الأمير عبد الرحمن بن مساعد، أمير التجديد في الفن السعودي، كانت لحظة مكثّفة لتزاوج الرياض القديمة والجديدة، وانحيازها الحاسم إلى الفرح، كبلاد تستردّ روحاً نجت من عمليّة سطو مديد. كأنّ “بوليفارد رياض سيتي” حيث المسرح، وفعّاليّات أخرى، هو عاصمة هذا المشروع الساعي إلى الغَرْف من ماضي السعودية أفضل ما أنتجته، والطامح إلى مكانة بين أفضل ما وفّرته الحداثة المعمارية وثقافة الترفيه وصياغة “إيكو سيستم” متكامل لرغد السعوديّين وزوّار المملكة.
بهمّة المستحق لصفة “الصخب”، المنتج تركي آل الشيخ، صار بوليفارد الرياض مجمّعاً مفتوحاً بمساحة 900 ألف متر مربّع، ويضمّ 200 مطعم ومقهى ومتجر متنوّع، مع ممشى بطول 3 كلم، و9 استديوهات عالمية، و4 مسارح عربية وعالمية، وكذلك منطقة مخصّصة للأطفال تحتوي على 500 لعبة إلكترونية. كما يضمّ فندقاً بخدمات خمس نجوم، بالإضافة إلى نادٍ صحّيّ ومكاتب تجارية.
ثمّة طاقة إيجابية في الجوّ العامّ، وأنت جالس في زحمة البوليفارد، في حيّ حطّين شمال الرياض، تراقب في السيارات المجاورة فتيات سعوديات خلف المقود، مكشوفات الوجوه والرؤوس، مُقبلات بكلّ بهاء الفرح على تعدّد الفعّاليات التي يحويها موسم الرياض الترفيهي العالمي. أو وأنت تُستقبل من السعوديّات العاملات في شركات مقدّمي خدمات استقبال ضيوف المعرض، أو وأنت تراقب نشوة تصفيق وصراخ وتمايل الصبايا والنساء على مقاعدهنّ، تجاوباً مع لحن مثير أو سلطنة طربيّة.
لا شيء يعكّر صفو هذا الفرح إلا انزلاقي بتفكيري إلى الفتاة الإيرانية مهاسا أميني التي قتلتها شرطة الأخلاق الإيرانية لأنّ حجابها لا يطابق مواصفات الحجاب من وجهة نظر حرّاس قيم النظام. أفرح للسعوديّات بفرحهنّ الذي هو ميزة الرياض اليوم، وعلامتها الفارقة، وأحزن للإيرانيات اللواتي هنّ أيضاً بشجاعتهنّ وقهرهنّ ميزة طهران اليوم وعلامتها الفارقة.
عبد الرحمن بن مساعد أمير التجديد في الفنّ السعودي، و”سهم”، مبدع الألحان، وهو أمير مستتر
ثمّة رابط سرّيّ بين ما يجري في العاصمتين. بعد العام 1979 بدأت طهران تغرق في العتم بعدما سيّج الخميني بلاده بالسواد. كان الخوف من المزايدات الدينية الإيرانية يثير القلق في السعودية. أضاف جهيمان العتيبي باجتياحه مكّة لإقامة دولة دينية مشابهة للدولة الدينية في إيران، عناصر متفجّرة لفكرة الهويّة ومكوّناتها وتعبيراتها.
ما يحصل الآن يحصل في الاتّجاه المعاكس.
أكاد أتّفق مع أصحاب نظريّات المؤامرة أنّ للسعودية دوراً في الأحداث الجارية في إيران. ثمّة ما أسمّيه “عامل محمد بن سلمان” في المعادلة. تريد المرأة الإيرانية ما تملكه المرأة السعودية. تريد ولو بالموت أن تحصل على الجاري في الرياض يالانفتاح والحبّ والفرح.
إقرأ أيضاً: تظاهرات إيران ورئاسة لبنان
في الرياض ثورة من فوق إلى تحت تحمل السعودية إلى غدٍ يليق بالسعوديّين. في إيران ثورة من تحت إلى فوق، تحلم بمستقبل يليق بالإيرانيين. وفي المكانين، المرأة هي عنوان الصراع على المستقبل.