للأسبوع الثالث على التوالي، لا تزال إيران مشتعلة بمحافظاتها الـ31. قطع طرقات ومتاريس بوجه الأمن وإضرابات واحتجاجات نهارية وليلية. وبخلاف كلّ التظاهرات السابقة التي نجح نظام الملالي في قمعها، لا تزال هذه مستمرة ويشارك فيها كل الإيرانيين المنتفضين من كلّ الإثنيّات والمذاهب.
ليس هناك من وهم بان هذه التظاهرات ستسقط النظام ، لكنّ المؤكّد أنّها تصدعه ، وتأكيد ذلك الاستنتاج مردّه إلى ردّة فعل مزدوجة قام بها نظام طهران:
ـ تؤكّد ردّة الفعل الأولى للنظام الإيراني على الأحداث جدّية ما يحصل، إذ لم يمانع قصف الأراضي العراقية جهاراً واستعراض ذلك إعلامياً بفيديوهات هوليووديّة حربية أياً يكن تأثيرها على “جاره” العراقي. لا يهتمّ النظام بتبعات ذلك ما دام يوصل “رسالة إلى المحتجّين” أنّ من يتّكئون عليهم من معارضين مقيمين في إقليم كردستان ليسوا بمأمن من صواريخ الحرس الثوري.
ـ أمّا ردّة الفعل الثانية فكانت الظهور المتلفز للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ليل 30 آب 2022، للتعليق على التظاهرات والقول إنّه “يتابع قضية مهسا أميني” شخصيّاً. إنّها المرّة الأولى التي يُقرّ فيها نظام الملالي بوجود تظاهرات في البلاد. طبعاً الإقرار المبطّن هذا ترافقه بروباغاندا في إعلامه “تخوِّن” المتظاهرين.
يرى متابعون لتطوّر الأحداث في إيران، وتصاعد الاحتجاجات، ضرورة أن تسعى الدول بقيادة الولايات المتحدة إلى إيجاد حلول واقعية لمدّ يد المساعدة للإيرانيين الساعين إلى التحرّر من سلطة نظام الخميني – خامنئي
التشابه الإيراني والسوري
كأنّ النظام في إيران تعلّم من الرئيس السوري بشار الأسد أو طهران هي من علّمت دمشق، إلا أنّ النتيجة واحدة: ففي سوريا سمّاهم الأسد “إرهابيين” (عام 2011)، وفي إيران يسمّيهم النظام اليوم “مشاغبين”.
يحاول النظام الإيراني أن يُظهر أنّ المتظاهرين “خونة” و”مثيرو شغب”، وأخيراً أراد أن يظهر أنّ هناك نوايا “إرهابية”. يكفي متابعة حساب “إيران بالعربية” (التابع للحرس الثوري) على “تلغرام” لملاحظة نوايا مبطّنة يسعى النظام الإيراني إلى الترويج لها. كان لافتاً الخبر الذي نشره على “تلغرام” ومفاده: “اعتقال عدد من عناصر داعش في مازدران”، وخبر آخر يتضمّن صوراً لأسلحة معروضة على الطاولة يقولون إنّها لمن يسمّونهم “مثيري الشغب” وغيرها من صور لصواعق تفجير “ضُبطت” بحسب رواية طهران.
غياب الاهتمام العالمي
على المنطقة والعالم أن يبقيا عيناً شاخصة إلى ما يحدث في إيران، والمنطقة العربية التي لم تتدخّل بالشؤون الإيرانية الداخلية من قريب أو بعيد يجب أن تنطلق فرضية اهتمامها اليوم من نقطتين:
ـ البعد الأوّل، هو مناصرة الشعب الإيراني الذي يدفع يوميّاً ثمناً باهظاً لممارسات هذا النظام ويتشارك مع أبناء المنطقة العربية والشعب الإيراني مصيراً واحداً.
ـ أما البعد الثاني، فيتمثل بأنّ هذا النظام نفسه يمارس تجاه المنطقة وشعوبها سياسة عدائيّة تبدأ بإنشاء ميليشيات تضعف “الدولة” لحساب الدويلة وتُفتّت هذه الأوطان التي يعشّش فيها الفساد المحميّ من الميليشيات وسلاحها. وإلى جانب ذلك تحوّلت دول كثيرة جاهر بالسيطرة عليها مستشار خامنئي عام 2016 من بيروت، إلى منصّات وحاضنة تدريبية وتخطيطيّة لعناصر يتنقّلون في المنطقة مع صواريخهم ومسيّراتهم المفخّخة.
دوليّاً، من الواضح أنّ هناك مسارين للتفكير في واشنطن: الأول يرى أنّ أفضل طريق يمكن من خلاله دعم المحتجّين الإيرانيين هو “الصمت”، حتى لا يبدو وكأنّ مسار التظاهرات مدفوع من الخارج ويعطون سبباً للنظام ليقول إنّها “مؤامرة خارجية”، وهناك فريق يؤكّد أنّ دعم المتظاهرين “ضرورة”، ولا سيّما أنّ هناك مطالب من الشعب الإيراني وصحافيّيه وناشطيه على وسائل التواصل تدعو المجتمع الدولي إلى التدخّل نصرة للشعب لوقف قمع النظام لهم وقتله للإيرانيين.
إذاً أحد أهمّ الأسئلة المطروحة في الساحة الأميركية الداخلية اليوم، ومنذ انطلاق شرارة الاحتجاجات في الداخل الإيراني ضدّ نظام الملالي: هل واشنطن جادّة بالفعل في دعم الإيرانيين أم هناك قطبة مخفيّة؟
يرى متابعون لتطوّر الأحداث في إيران، وتصاعد الاحتجاجات، ضرورة أن تسعى الدول بقيادة الولايات المتحدة إلى إيجاد حلول واقعية لمدّ يد المساعدة للإيرانيين الساعين إلى التحرّر من سلطة نظام الخميني – خامنئي.
المهمة غير المستحيلة
من هنا، وللاستدارة على محاولة النظام “شيطنة” هذه التحرّكات واعتبارها “مؤامرة”، لا بدّ أن يتخطى دعمها إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن ويتمّ تعميم هذا الدعم على كلّ المجتمع الدولي من دون استثناء.
وعلى الرغم من صعوبة هذه المهمّة، لكنّها “غير مستحيلة” نظراً إلى أنّ هناك إرادة شعبية لإسقاط النظام الإيراني الذي يعادي أغلب دول العالم. فهل يقبل الأوروبيون المنادون بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الشعب باختيار مصيره أن يسكتوا على مطالبات شعب بإسقاط نظامه والحصول على حقوقه؟
على المجتمع الدولي أن يبحث بصورة ملحّة عن الطريقة التقنية واللوجستية والمالية لإيجاد قنوات يوصل من خلالها الدعم للمحتجّين. وإذا كانوا جادّين فسيجدون طريقة.
وإذا لم تتحرك واشنطن والمجتمع الدولي الآن لتقديم يد المساعدة، فسيكون مصير هذه الانتفاضة كمصير سابقاتها. فبالإضافة إلى إيصال الإنترنت كما اقترحت وزارة الخزانة الأميركية، هناك ضرورة لمساعدة الشعب الإيراني بالمعدّات التكنولوجية والمال، على الرغم من صعوبة الأمر، لكن إذا أرادوا فسيجدون طريقة. الرهان الحالي هو في إطالة أمد هذه الشعلة، ثمّ مساعدتها بدفع تقنيّ ومادّي.
دور الديبلوماسية في نصرة “المنفضين” الإيرانيين
على المستوى الدبلوماسي، ينتظر وزارة الخارجية الأميركية استغلال كلّ فرصة لجذب الانتباه إلى الاحتجاجات وتشجيع الحلفاء على فعل الشيء نفسه. ويجب أن يكون كلّ بيان يتعلّق بالمفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني مصحوباً بتكرار قويّ للتضامن مع المحتجّين وإدانة قويّة بالقدر نفسه للقمع.
أما البيت الأبيض فعليه، أن يوضح أنّ أيّ مسؤول إيراني مرتبط بالانتهاكات ضدّ المتظاهرين سيخضع للعقوبات بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي.
من الواضح أنّ هناك مسارين للتفكير في واشنطن: الأول يرى أنّ أفضل طريق يمكن من خلاله دعم المحتجّين الإيرانيين هو “الصمت”، وهناك فريق يؤكّد أنّ دعم المتظاهرين “ضرورة”
سألت بعض الإيرانيين عمّا يريدونه من العالم وما يمكن تقديمه فأجابوا: عليهم إنهاء المفاوضات مع هذا النظام وإنهاء اعترافهم به، وعلى كلّ الدول، خصوصاً الأوروبية، التي تنادي بوجوب احترام حقوق الإنسان، أن تطرد سفراء النظام الإيراني منها. هذا في البداية! هذه المطالب تأتي في مقابل اتّهامات النظام لدول خارجية بتحريك المتظاهرين الذين يصفهم الملالي بـ”المشاغبين” و”الإرهابيين”. لكنّ المتظاهرين أنفسهم هم من يطالبون الدعم من المجتمع الدولي بعدما انتفضوا لكرامة عيشهم وحقوقهم وحرّياتهم المتعارف عليها في المواثيق الدولية وشرعات حقوق الإنسان الغائبة في إيران.
إيران تُعيب على العالم ما تفعله هي
وبالحديث عن التدخّل الخارجي بتظاهرات إيران المحقّة إنسانيّاً، يبقى من الغريب أن يتحدّث النظام الإيراني عن “تدخّل خارجي”. ففي مكان يجاهر هذا النظام بتدخّلاته وبسياسته التوسّعية التي تشمل بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء وغزّة. وفي المقلب الآخر، يتّهم الغرب والأميركيين بدعم المتظاهرين، فيستدعي سفراء للاحتجاج على نقل وسائل الإعلام حقيقة الحاصل في الداخل الإيراني.
هذه المفارقة غير متكافئة وإنّما تؤكّد كيف يكيل النظام في طهران بمكيالين. فشعبه يطالب بحقوقه الأساسية، فيما أيّ دعم لهذا الشعب يعتبره الملالي تدخّلاً بشؤون إيران الداخلية بحسب رواية النظام. بينما في الجهة المقابلة “يحقّ” لنظام طهران احتلال عواصم عربية متنوّعة بقوّة السلاح بشكل علني والقيام بعمليات في أوروبا والإعداد لأخرى في أميركا ومهاجمة دول الجوار العربي بالصواريخ والمسيّرات وإنشاء خلايا في شرق آسيا والتمدّد في إفريقيا، وكلّ ذلك وكأنّه ليس تدخّلاً بشؤون الدول.
إقرأ أيضاً: إيران: التظاهرات تهز النظام.. والدخول إلى الجنة بـ”السياط”
حان الوقت أن توقف الدول العظمى المفاوضات النووية مع نظام إيران ووقف اعترافها به، وعلى الدول الأوروبية سحب سفرائها من طهران، وعلى الإعلام العربي والغربي أن يفتح قنواته لإيصال صوت الشعب الإيراني “الثائر”.