على أوكرانيا تقديم تنازلات مؤلمة

مدة القراءة 6 د

هيئة تحرير نيويورك تايمز”

أقرّ مجلس الشيوخ حزمة مساعدات طارئة بقيمة 40 مليار دولار لأوكرانيا يوم الخميس الماضي. لكن مع بروز مجموعة صغيرة من الجمهوريين الانعزاليين الذين انتقدوا بصوت عالٍ الإنفاق، ودخول الحرب مرحلة جديدة ومعقّدة، فإنّ الدعم المستمرّ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري ليس مضموناً.

لقد حذّرت أفريل هينز Avril Haines، مديرة جهاز الاستخبارات الوطنية، لجنة القوات المسلّحة بمجلس الشيوخ أخيراً من أنّ الأشهر القليلة المقبلة قد تكون متقلّبة. وقالت إنّ الصراع بين أوكرانيا وروسيا يمكن أن يتّخذ “مساراً غير قابل للتنبّؤ به، ويُحتمل أن يكون تصعيديّاً”، مع تزايد احتمال أن تهدّد روسيا باستخدام الأسلحة النووية.

ستشعر روسيا بألم العزلة والعقوبات الاقتصادية المنهكة لسنوات مقبلة، وسوف يُسجَّل بوتين في التاريخ بوصفه جزّاراً

هذه أعباء غير عاديّة ومخاطر جسيمة، ومع ذلك، هناك كثير من الأسئلة التي ما زال على الرئيس بايدن أن يجيب عليها للجمهور الأميركي في ما يتعلّق بالتورّط المستمرّ للولايات المتحدة في هذا الصراع.

في آذار الماضي، ناقشت هيئة التحرير في الصحيفة بأنّ رسالة الولايات المتحدة وحلفائها إلى الأوكرانيين والروس على حدّ سواء يجب أن تكون: “بغضّ النظر عن المدّة التي تستغرقها الحرب، ستكون أوكرانيا حرّة”.

تستحق أوكرانيا الدعم ضدّ العدوان الروسي غير المبرّر، ويجب على الولايات المتحدة أن تقود حلفاءها في الناتو كي تبرهن لفلاديمير بوتين أنّ الحلف الأطلسي مستعدّ لمقاومة طموحاته الانتقامية، وهي قادرة على ذلك.

لا يمكن أن يتغيّر هذا الهدف، لكن في نهاية الأمر، فإنّه لا مصلحة لأميركا في الانغماس في حرب شاملة مع روسيا، حتى لو كان السلام، بعد التفاوض، عليه يتطلّب من أوكرانيا اتّخاذ بعض القرارات الصعبة. وبالنسبة للولايات المتحدة، أصبح تحديد الأهداف والاستراتيجيّات في هذه الحرب أكثر صعوبة، بحيث يبدو أنّ أبعاد المهمّة قد تغيّرت.

ماذا تريد أميركا؟

هل تحاول الولايات المتحدة مثلاً، المساعدة في وضع حدّ لهذا الصراع، من خلال تسوية من شأنها أن تسمح لأوكرانيا بأن تكون ذات سيادة، وأن يكون هناك نوع من العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا؟ أم تحاول الولايات المتحدة الآن إضعاف روسيا بشكل دائم؟

هل تحوّل هدف إدارة بايدن إلى زعزعة سلطة فلاديمير بوتين أو إزاحته؟ هل تنوي الولايات المتحدة محاسبة بوتين كمجرم حرب؟ أم الهدف هو محاولة تجنّب حرب أوسع نطاقاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يتحقّق هذا حين نفتخر علناً بتزويد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية أدّت إلى قتل الروس وإغراق إحدى سفنهم؟

على الرغم من أنّ التخطيط والقتال الروسي شابهما الإهمال بشكل مذهل، إلا أنّ روسيا لا تزال قوية جدّاً

بدون إجابات واضحة بشأن هذه الأسئلة، فإنّ البيت الأبيض لا يخاطر فقط بفقدان اهتمام الأميركيين بدعم الأوكرانيين، الذين ما زالوا يعانون من خسائر في الأرواح وسبل العيش، بل يخاطر أيضاً بتعريض السلام والأمن في القارّة الأوروبية للخطر على المدى الطويل.

تأثّر الأميركيون بمعاناة أوكرانيا، لكنّ الدعم الشعبي لحرب بعيدة عن شواطئ الولايات المتحدة، لن يستمرّ إلى أجل غير مسمّى. فالتضخّم يمثّل مشكلة أكبر بكثير بالنسبة للناخبين الأميركيين. ومن المرجّح أن تشتدّ الاضطرابات في الأسواق العالمية للغذاء والطاقة. اللحظة الحالية هي لحظة فوضوية في هذا الصراع، وقد تفسّر إحجام الرئيس بايدن وحكومته عن وضع أهداف واضحة. كلّ هذا سبب إضافي كي يشرح بايدن القضية أمام الناخبين الأميركيين، قبل شهر تشرين الثاني بوقت طويل. لأنّ دعم أوكرانيا يعني دعم القيم الديمقراطية وحقّ الدول في الدفاع عن نفسها ضدّ العدوان، بينما يظلّ السلام والأمن هما النتيجة المثالية في هذه الحرب.

الانتصار الأوكراني النسبي

من المغري رؤية النجاحات المذهلة التي حقّقتها أوكرانيا ضدّ العدوان الروسي كإشارة إلى أنّه بمساعدة وافية من أميركا وأوروبا، تقترب أوكرانيا من دفع روسيا إلى مواقعها قبل الغزو. لكنّ هذا افتراض خطير.

 إنّ تحقيق نصر عسكري حاسم لأوكرانيا على روسيا، بحيث تستعيد أوكرانيا كلّ الأراضي التي احتلّتها روسيا منذ عام 2014، ليس هدفاً واقعياً. على الرغم من أنّ التخطيط والقتال الروسي شابهما الإهمال بشكل مذهل، إلا أنّ روسيا لا تزال قوية جدّاً، واستثمر بوتين الكثير من هيبته الشخصية في هذا الغزو، ولن يتراجع. والولايات المتحدة وحلف الناتو منخرطون بالفعل وبعمق عسكرياً واقتصادياً. ويمكن للتوقّعات غير المطابقة للواقع أن تجرّهم أكثر فأكثر إلى حرب مكلفة وطويلة الأمد.

روسيا، مهما تعرّضت للنكسات، واتّسمت إدارتها بعدم الكفاية، تظلّ قادرة على إلحاق دمار لا يوصف بأوكرانيا، وما تزال قوة عظمى نووية مع طاغية عدائيّ ومتقلّب، أظهر قليلاً من الميل نحو تسوية تفاوضية. وكما ذكرت “نيويورك تايمز”، فإنّ أوكرانيا وروسيا “تظهران الآن متباعدتين أكثر من أيّ وقت آخر في الحرب التي استمرّت قرابة ثلاثة أشهر”.

التصريحات العدائية الصادرة أخيراً من واشنطن، كتأكيد الرئيس بايدن أنّ بوتين “لا يمكن أن يبقى في السلطة”، وتعليق وزير الدفاع لويد أوستن بأنّه يجب “إضعاف” روسيا، وتعهُّد رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بأنّ الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا “حتى تحقيق النصر”، قد تكون تصريحات مثيرة بشأن تقديم الدعم، لكنّها لا تقرِّب الطرفين من المفاوضات.

القرارات الأوكرانية الصعبة

في النهاية، يجب أن يتّخذ الأوكرانيون القرارات الصعبة: فهم الذين يقاتلون، ويموتون ويفقدون منازلهم بسبب العدوان الروسي. وهم الذين يجب أن يقرّروا كيف يمكن أن تكون نهاية الحرب. فإذا أدّى الصراع بالفعل إلى مفاوضات حقيقية، فسيكون على القادة الأوكرانيين اتّخاذ القرارات المؤلمة بشأن التنازل عن الأراضي التي تتطلّبها أيّ تسوية.

في هذا الوقت، أثبتت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أنّهما سيدعمان القتال الأوكراني بقوّة نارية كبيرة، وبوسائل أخرى. وعندما ينتهي القتال، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يكونوا مستعدّين لمساعدة أوكرانيا في إعادة البناء.

إقرأ أيضاً: عالم ما بعد الحرب في أوكرانيا؟

لكن مع استمرار الحرب، يجب على بايدن أيضاً أن يوضح للرئيس فولوديمير زيلينسكي وشعبه أنّ هناك حدّاً للمدى الذي ستذهب إليه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا، وإلى أيّ حدّ يمكن توفير الأسلحة والمال والدعم السياسي. ومن الضروري أن تستند قرارات الحكومة الأوكرانية إلى تقييم واقعي لوسائلها، ومدى الدمار الذي يمكن أن تتحمّله أوكرانيا.

قد تكون مواجهة هذا الواقع مؤلمة، لكنّها ليست تهدئة. هذا هو واجب الحكومات، وليس مطاردة “انتصار” وهمي. ستشعر روسيا بألم العزلة والعقوبات الاقتصادية المنهكة لسنوات مقبلة، وسوف يُسجَّل بوتين في التاريخ بوصفه جزّاراً. التحدّي الآن هو التخلّص من النشوة، ووقف الاستفزاز، والتركيز على تحديد المهمّة، وإكمالها. لأنّ دعم أميركا لأوكرانيا هو اختبار لمكانتها في العالم في القرن الحادي والعشرين، ولدى بايدن فرصة، ومن الواجب عليه المساعدة في تحديد ما سيكون عليه الأمر.

لقراءة النص الأصلي اضغط  هنا

مواضيع ذات صلة

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…

إغناتيوس: قطر تقود جهود تشكيل حكومة انتقاليّة في سوريا

كشف ديفيد إغناتيوس المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست أنّ “قطر، التي كانت لفترة طويلة داعمة سرّية لهيئة تحرير الشام، تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة…