عالم ما بعد الحرب في أوكرانيا؟

مدة القراءة 5 د

أيّ نظام عالمي بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا؟

وأيّ عالم سينبثق عن هذه الحرب؟

وأين يكون موقع العالم العربي من هذه المتغيّرات الجوهرية؟

من مظاهر متغيّرات النظام العالمي:

أوّلاً: الدول الأوروبية التي اعتقدت أنّ الاندماج الاقتصادي يمكن أن يطوي صفحات الحروب التي عصفت بها طويلاً تجد نفسها اليوم مضطرّة إلى إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا لمساعدتها في الحرب ضدّ روسيا.

ثانياً: سويسرا التي التزمت الحياد، والتي يُعتبر النظام المصرفي الحرّ شريان حياتها وازدهارها، اضطرّت إلى أن تلتزم إجراءات المقاطعة الماليّة لروسيا التزاماً منها بالقرارات الأوروبية.

الدول الأوروبية التي اعتقدت أنّ الاندماج الاقتصادي يمكن أن يطوي صفحات الحروب التي عصفت بها طويلاً تجد نفسها اليوم مضطرّة إلى إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا لمساعدتها في الحرب ضدّ روسيا

ثالثاً: ألمانيا التي خطّطت لاقتصاد قوي يعتمد في الدرجة الأولى على النفط والغاز المستوردين من روسيا (عبر  خطّ “نورد ستريم 2”) تضطرّ الآن إلى التخلّي عن التزامها مشروع خط الأنابيب، والبحث عن مصادر أخرى للطاقة. وبدلاً من تصدير الخوذ الحديدية لحماية الجنود الأوكرانيين، أصبحت الآن تصدّر إلى أوكرانيا الصواريخ التي تقضّ مضاجع الروس.

رابعاً: ألمانيا تعتمد على الولايات المتحدة أمنيّاً، وتعتمد على الصين تجارياً، وتعتمد على روسيا للحصول على الطاقة. صحيح أنّها ليست منزوعة السلاح، لكنّها ممنوعة من التسلّح النووي والصاروخي البعيد المدى. لذلك بدأت مساعدتها لأوكرانيا في إطار الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات إنسانية ودفاعية. لكن سرعان ما تطوّر الأمر إلى رفع سقف التسلّح الألماني كمّاً ونوعاً مترافقاً مع رفع المساعدات الألمانية لأوكرانيا كمّاً ونوعاً أيضاً.

خامساً: حتى اليابان التي كانت تمنّي النفس بالوصول إلى تفاهم مع روسيا حول الجزر اليابانية التي احتلّها الاتحاد السوفياتي في أواخر الحرب العالمية الثانية، والتي كانت تغازل موسكو لتحقيق توازن في الشرق الأقصى مع الصين (التي لها تاريخ دموي طويل مع اليابان)، اضطرّت إلى تجميد أموال الدولة الروسية المودعة في اليابان، وجاهرت بمعاداة روسيا بسبب الحرب على أوكرانيا.

سادساً: أدّت هذه التطوّرات إلى تقارب روسيّ – صينيّ. فكما تحتاج روسيا إلى من يتفهّم قلقها من احتمال انضمام أوكرانيا (التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي أو قبله جزءاً من الإمبراطورية القيصرية الروسية) إلى حلف شمال الأطلسي المعادي لها، كذلك تحتاج الصين إلى من يتفهّم وجهة نظرها باستعادة تايوان إلى الوطن الصينيّ الأمّ.

صحيح أنّ الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين ليسا حليفين (على الأقلّ حتى الآن)، إلا أنّ كلّاً منهما يحتاج إلى الآخر. والعداء الأميركي لكليهما يدفعهما نحو تصغير مسافة التباعد التي تحول دون تحالفهما. ففي أوكرانيا اليوم توجد قوات روسية سُحبت من الجبهة الشرقية على حدود الصين.

سابعاً: إنّ انشغال الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها في حلف شمال الأطلسي، بالصراع في أوكرانيا، يوفّر للصين فرصة سياسية – عسكرية ذهبية لحسم قضية استرجاع تايوان بعملية عسكرية سريعة وحاسمة تضع واشنطن أمام الأمر الواقع. وليس من المستغرب أن يشجّع الكرملين الرئيس الصيني على الإقدام على هذه المبادرة. ولعلّ من أسباب الموقف الأميركي المتشدّد ضدّ الحرب الروسية في أوكرانيا، توجيه رسالة إلى الرئيس الصيني بينغ بأنّ “عملية تايوان” سوف تكلّف الصين أكثر ممّا كلّفت روسيا “عملية أوكرانيا” من عقوبات ماليّة واقتصادية ومن مقاطعة سياسية ومعنوية على المستوى العالمي.

أدّت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى إعادة الاعتبار من جديد لحلف شمال الأطلسي بعدما كاد الحلف ينحلّ في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب

ثامناً: أعلنت روسيا ظهور حركة نازية جديدة في أوكرانيا، علماً أنّ الرئيس الأوكراني نفسه يهوديّ ومن أسرة عانت الاعتقال في الحقبة النازية، وفي الوقت ذاته اعتبرت أوروبا والولايات المتحدة معاً أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبلها على جورجيا (2008)، ثمّ على شرق أوكرانيا (2014)، والتحالف مع بيلاروسيا الذي كان أشبه ما يكون بعملية انضمام، اعتبرت كلّ ذلك محاكاة لخطوات مماثلة قام بها هتلر أدّت إلى تفجير الحرب العالمية الثانية. هذه الاعتبارات الاتّهامية المتبادلة تقطع الطريق، حتى الآن على الأقلّ، أمام أيّ تفاهم يمكن أن يؤسّس لحلّ أو لتسوية سياسية.

تاسعاً: أدّت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى إعادة الاعتبار من جديد لحلف شمال الأطلسي بعدما كاد الحلف ينحلّ في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. حتى الدول الأوروبية التي كانت ترفض رفع مستوى موازناتها العسكرية تمشّياً مع نظام الحلف، تجاوزت من خلال المساعدات العسكرية السخيّة التي تقدّمها لأوكرانيا سقف تلك الموازنات، وذلك للمرّة الأولى منذ قيام الحلف.

علاوة على ذلك، يوجّه التعاون العسكري الذي قام بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وأستراليا واليابان والهند تحذيراً مباشراً إلى الصين من مغبّة الإقدام على استرجاع تايوان بالقوّة، لأنّ ثمنه سيكون مرتفعاً جداً.

عاشراً: يقف العالم كلّه (وليس الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فقط) أمام علامات استفهام كبيرة:

– إذا خسرت روسيا الحرب في أوكرانيا فكيف ستعمل على إنقاذ كرامتها الوطنية؟ بالسلاح النووي؟

– إذا ربحت روسيا معركة ضمّ أوكرانيا أو أجزاء منها، هل يتحمّل الحلف الأطلسي خطر هذا الفوز الروسي؟

إقرأ أيضاً: بعد أوكرانيا.. هل انتهى عصر الدبّابات؟

– أيّ نظام عالمي سيقوم على قاعدة انتصار بوتين أو هزيمته في ضوء انعكاسات الانتصار أو الهزيمة على بقيّة المجموعات الدولية؟

– إذا أدّت الحرب في أوكرانيا إلى الإطاحة بالرئيس بوتين، فكيف يمكن احتواء فوضى ما بعد سقوطه؟

لا يملك أحد اليوم أجوبة على هذه الأسئلة. غير أنّ هناك إجماعاً دولياً على أنّ عالم ما بعد الحرب الأوكرانية لن يكون كما قبلها.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…