الانتخابات المريرة وبدايات التغيير

مدة القراءة 5 د

حكمت الانتخابات ثلاثة موضوعات:

1- الاستماتة من سائر الأطراف في رفع نسبة التصويت، وبخاصةٍ في أوساط الناخبين السُنّة.

2- وإصرار السياديّين والتغييريّين على رفع شعار إزالة الاحتلال الإيراني عن لبنان.

3- أمّا الموضوع الثالث غير المعلن فكان أنّ المعركة هي معركة مجلس النواب والرئاسة معاً. وإذا كان الأمر لهذه الجهة يُحسب بعدد المقاعد المسيحية، فإنّ كتلة القوات اللبنانية صارت أكبر الكتل المسيحية في الانتخابات وربّما في كلّ البرلمان.

كانت أكبر أخطائي التقديريّة في الانتخابات اعتباري أنّ القوى التغييرية الشابّة لن تحصل على أكثر من ثلاثة مقاعد. بينما تبيّن أنّهم 14 عضواً في البرلمان المتكوِّن.

الضروري الآن تشكيل حكومةٍ عاجلاً، والموافقة على الموازنة والإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. والمطلوب الآن بالطبع انتخابات رئيس لمجلس النواب

إلى هذا الخطأ الكبير هناك أخطاء تقديرية أصغر، مثل أنّ الكتلة المدعومة من الرئيس فؤاد السنيورة بدائرة بيروت الثانية ستحصل على مقعدٍ أو اثنين، وهي لم تحصل إلا على المقعد الدرزي الذي آل إلى مرشّح وليد جنبلاط فيصل الصايغ.

وقدّرتُ أنّ لائحة اللواء أشرف ريفي لن تحصل على أكثر من حاصل، فحصلت على ثلاثة حواصل. وقدَّرتُ أنّ الدكتور مصطفى علّوش سينجح، بينما هو لم يوفَّق، وفاز اثنان من كتلته.

وقدّرتُ، وكانت تقديراتي صحيحة، أنّه لن ينجح أحد من السُنّة الاستقلاليّين بدائرة بعلبك-الهرمل بعد سحب المرشّح السنّيّ الملائم لمصلحة آخر غير ملائم. فكانت النتيجة أنّ أصوات الناخبين السُنّة (والمسيحيّين) بالدائرة انصبّت تفضيليّاً لمصلحة مرشّح القوات الذي فاز.

وقدّرتُ أنّ المرشّح السنّيّ بدائرة البقاع الغربي المُواجه لحسن مراد وهو نائب في برلمان العام 2018 لن ينجح، وقد حصل ذلك بالفعل. وكذلك الأمر مع إيلي الفرزلي نائب رئيس مجلس النواب من العام 2018. وخفتُ على وائل أبو فاعور بالدائرة نفسها، لكنّه نجح، وكذلك الدكتور بلال الحشيمي الذي فاز بدائرة زحلة – البقاع الأوسط.

لقد أُنفقت عشرات ملايين الدولارات في الدائرة المذكورة من اللوائح المنافسة للدكتور بلال والقوات، لكنّ الذين لم ينفقوا ومنهم بلال نجحوا، بينما لم ينجح من اللائحة الأكثر إنفاقاً إلّا أكبر المنفقين الذي نجا برأسه.

 

النواب الشيعة كلّهم

حصل الثنائي الشيعي على كلّ الـ27 مقعداً، وهو عدد نوّاب الشيعة في البرلمان. وهو خاض الانتخابات على أساس أنّها عبادة وجهاد. ومع ذلك تراجعت نسب التصويت في مناطقه. بيد أنّ أكبر الفائزين بالطبع هو الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية وإن جرى اختراقه بواحد في بشرّي لمصلحة المردة.

الخاسر الأكبر هو التيار الوطني الحر والنائب جبران باسيل. حتّى في دائرته بالبترون فاز وحده. وبدا الاختلال مؤثّراً على حزب السلاح في دوائر ومقاعد أنصاره وحلفائه الآخرين الذين تلقّوا ضربات مثل طلال أرسلان ووئام وهّاب وفيصل كرامي. وقد قدَّرتُ في مقالةٍ سابقةٍ أنّ حلفاء حزب الله من السُنّة كانوا ستّة وسيصحبون عشرة، والواقع بعد ظهور النتائج أنّهم باتوا سبعة.

 

الشرذمة السنيّة

بدت دوائر الغالبيّة السنّيّة الأكثر تشرذماً، وذلك مقارنةً بانتخابات العام 2018. ذلك يعود إلى تأثيرات غياب سعد الحريري الذي كانت كتلته في برلمان العام 2018 تسعة عشر نائباً، وفي برلمان العام 2009 أربعة وثلاثين نائباً(!). وقد علّق سعد الحريري، الذي حضر من غياب، بأنّ قراره كان صائباً لأنّ التغييريّين تقدّموا. وهذا بالطبع غير صحيح، إذ لو كان حريصاً على التغيير لنزل إلى الانتخابات وكان على رأسهم. وقد راهن على انخفاض نسبة التصويت بسبب غيابه (عقاباً لمن؟!) لكنّ ذلك لم يحصل. فاللهمّ نجّنا من الأحقاد وسوء التقدير والتدبير.

إذا كان السُنّة الفائزون (ومعظمهم ليسوا من أنصار الحزب المسلّح) مشرذمين على عشرات اللوائح، فهل يمكن أن يجتمعوا؟ لا يبدو ذلك مرجّحاً. وما يُقال عن السُنّة يُقال عن التغييريّين أيضاً أو أهل المجتمع المدني، الذين سيبقون مناطقيّين في الغالب على الرغم من أنّ الأهداف ينبغي أن تجمعهم.

كان الحزب المسلّح يأمل أن يجتمع من ورائه حوالى سبعين نائباً أو أكثر، ويبدو ذلك بعيداً الآن. ويدلّ على عمق “المصاب” تهديد النائب من الحزب المسلّح محمد رعد بالويل والثبور وعظائم الأمور والصهيونية والأميركانية… إلخ. وقد ذكّرني تهديده بشعارات الحوثيّين: الموت لأميركا، الموت لإسرائيل.

 

فماذا سيحصل الآن؟

الضروري الآن تشكيل حكومةٍ عاجلاً، والموافقة على الموازنة والإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. والمطلوب الآن بالطبع انتخابات رئيس لمجلس النواب. وتشكيل حكومة وتسمية رئيسها صعبان جدّاً. إذ ليس هناك كتلة كبرى يمكن أن ترشّح. والأصعب من ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد خمسة أشهر. والحزب المسلّح عندما كان مسيطراً فرض ما يشاء، وعندما لم يكن مسيطراً عطّل كلّ العملية بالثلث المعطِّل وبالسلاح وبخطابات نصر الله الانتصارية والانتظارية.

سيقول كثيرون: لكنّ الحزب يهجم بالسلاح وبالتهديدات حتّى لو كانت الأكثرية بالمجلس ليست له، وقد شهدنا ذلك مراراً من قبل، فماذا سيفعل الآن أمام هذه الاستحقاقات؟

بحسب تهديدات محمد رعد يبدو أنّه سيبدأ بعرقلة تشكيل الحكومة واختيار الرئيس إلّا إذا جاء نجيب ميقاتي كما جاء عام 2011! ويستمرّ الأمر شهوراً فيكتمل الانهيار. وهذا فضلاً عن استحالة انتخاب رئيس بأكثريّة الثلثين، فيعتمد الأمر على مَن يستطيع الحزب استقطابهم من “المستقلّين” لمنع العملية وليس لإجرائها.

هل هذه النظرة متشائمة؟

إقرأ أيضاً: هكذا هندس “حزب الله” مفاجأة باسيل في عكّار

قرأتُ مثلها قبل وشهدت مثلها. وقد تشبه هذه الحالة ما حدث بالعراق عندما فاز مقتدى الصدر بأكثريّة بالتصويت، فعطّله الإطار التنسيقي الموالي لإيران وما يزال.

لقد بدأ التغيير. إذ صار الاستقلاليون والتغييريون يزيدون على خمسين، وصحيح أنّ العين لا تقاوم المخرز، لكنّ الموقف من الحزب المسلَّح يشتدّ ويتصلّب ونحن محتاجون إلى الصبر والثبات، بعد طول تردّد وانكسار.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…