أدت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى تغيير الكثير مما يدعي العالم معرفته، ليس عن العمليات والاستراتيجيات العسكرية فقط، بل أيضاً عن الدبلوماسية والاستخبارات والأمن القومي وأمن الطاقة والسياسة الاقتصادية وغير ذلك الكثير.
مع وصول الحرب إلى نصف عامها، عرض خبراء من “شبكة المجلس الأطلسي” للولايات المتحدة أكبر الدروس التي أفضت اليها الحرب، وتوفر أساساً مفيداً واسع النطاق لواضعي السياسات والجمهور.
في الحلقة الثالثة والأخيرة، ننشر اليوم “دروس” إعلامية، حيث كان واضحاً أن فلاديمير بوتين حضّر الأرضية المحلية والدولية للغزو، في حين رفضت أوروبا أن تصدّق، بقلم إيتو بوزياشفيلي، وبرأي دانيال ب. شابيرو، أنّ أوكرانيا ستكون “إسرائيل الجديدة”، من حيث الحصول على مساعدات من أنحاء العالم، ويروي فرانكلين د. كرامر كيف أنّ شركات الإنترنت في القطاع الخاص ساعدت في الدفاع عن أوكرانيا، ويكتب وليام ف. ويشسلر أنّ أميركا لا تخذل حلفاءها.
1 ـ درس للغزاة المحتملين: لا يمكنك إخفاء استعدادات غزو واسع النطاق
في الأشهر الأربعة التي سبقت الغزو، تزايدت الأخبار في وسائل الإعلام الإلكترونية المملوكة من الكرملين، عن أنّ أوكرانيا كانت تستعد لمهاجمة منطقة دونباس الشرقية، أو حتى روسيا نفسها.
رصد “مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي DFRLab” هذه المصادر يومياً لقياس تواتر هذه الرسائل.
يرى الرئيس زيلينسكي أن بلاده تصبح “إسرائيل عظيمة”، وينطبق هنا أيضاً نموذج المساعدة الأميركية لإسرائيل
في فترة ما قبل الغزو، زادت كثيراً التغطية الروسية عبر الإنترنت لرواية حول هجوم أوكراني وشيك، مع زيادة تقارب 50 في المئة في كانون الثاني 2022، مقارنة بالشهر السابق. وتحوّل هذا الخطاب إلى عدائية متزايدة، متهماً أوكرانيا بالتخطيط لهجوم كيماوي في دونباس.
في هذا الوقت وثّقت صور من وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما Telegram وTikTok، استمرار تحركات القوات الروسية وانتشارها على طول الحدود الأوكرانية.
تزامن انتشار الروايات العدائية الصادرة عن الكرملين في الأشهر الأخيرة قبل الغزو مع توسع انتشار القوات الروسية على الأرض. أعدّت روسيا الجمهور المحلي والدولي للغزو جنباً إلى جنب مع استعداداتها العسكرية الفعلية.
من خلال التحليل المشترك لاستخبارات المصادر المفتوحة حول سلوك روسيا عبر الإنترنت وخارجه، أصبح من الواضح أن نوايا بوتين كانت “مخفية”… لكن “على مرأى من الجميع”.
*إيتو بوزياشفيلي: باحث مشارك ومقره جورجيا في منطقة القوقاز في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي.
****
2 ـ درس الأمن السيبراني: دور القطاع الخاص العسكري
لطالما كان للثورة المعلوماتية الفضل في تغيير الجوانب الرئيسية للحرب. العمليات التي تتمحور حول شبكة الإنترنت والجرائم والدفاع السيبراني أصبحت راسخة في العقيدة والعمليات العسكرية. لكنّ الغزو الروسي لأوكرانيا ولّد دوراً جديداً للقطاع الخاص، الذي ينخرط في قتال إلكتروني مباشر ضد الهجمات الإلكترونية الروسية ويساعد في دعم الوظائف العسكرية والحكومية لأوكرانيا.
إذا كان لدى أوكرانيا مدافعون إلكترونيون أكفاء – وهم من أوقفوا هجوماً على شبكة الكهرباء الأوكرانية – فقد استكملت هذه الجهود شركات القطاع الخاص التي عملت مع كييف من خلال المساعدة في تحديد وتعطيل البرامج الضارة، واتخاذ المزيد من إجراءات إنشاء فضاء إلكتروني أوكراني أكثر قدرة على للدفاع. وقامت كل من Microsoft و Cisco بنشر تقارير تفصيلية عن الجهود الإلكترونية الدفاعية، وتم إشراك شركات الأمن السيبراني الأوروبية في ذلك، مثل شركة ESET السلوفاكية. إضافة إلى ذلك، تم تعزيز الدفاع عن الأمن السيبراني في أوكرانيا من خلال استخدام محطات Starlink الطرفية ونقل الوظائف و”الداتا” الحكومية الأوكرانية إلى “سحب إلكترونية” خارج أوكرانيا.
هذه الإجراءات التي اتخذتها هذه الشركات الخاصة تشير إلى الدور الحاسم الذي ستلعبه هذه الشركات في صراعات القرن الحادي والعشرين في المستقبل.
في المستقبل تحتاج الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والدول الديمقراطية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى تنظيم التخطيط المناسب وآليات تعاونية تشغيلية مع العناصر الرئيسية للقطاع الخاص لضمان الأداء الفعال للفضاء الإلكتروني في حالة نشوب نزاع مسلح.
يعدّ “المركز الوطني للأمن السيبراني” في المملكة المتحدة و”المركز التعاوني للدفاع الإلكتروني المشترك” الأميركي بداية جيدة، لكنهما غير مناسبين حاليًا لتحديات معركة واسعة النطاق. وسيكون الحفاظ على عمل تكنولوجيا المعلومات في زمن الحرب – خاصة بالنسبة للبنى الأساسية الحيوية مثل الطاقة والغذاء والمياه والنقل والتمويل – مطلباً لا غنى عنه للدول ككل، وكذلك للعمليات العسكرية الفعالة. سيكون العمل مسبقًا لضمان تنسيق القدرات الاستخباراتية والتشغيلية للقطاع الخاص مع قدرات الحكومة أمراً بالغ الأهمية للدفاع الفعال عن الفضاء الإلكتروني.
*فرانكلين د. كرامر: زميل متميز ومدير مجلس إدارة المجلس الأطلسي، وشغل منصب كبير المعينين السياسيين في إدارتين أميركيتين، بما في ذلك مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي.
****
3- درس سياسة المساعدات الأميركية: لشركاء مرنين
بينما ترسل واشنطن ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة إلى أوكرانيا كجزء من الحرب المستمرة، ينبغي عليها أيضاً أن تخطط لمساعدة أمنية طويلة الأجل للبلاد. يجب أن يكون الهدف هو ضمان قدرة أوكرانيا على ردع العدوان في المستقبل (وصده إذا حدث). إنها مهمة ضخمة، لكنها كحال التأمين: التكاليف ضئيلة مقارنة بحرب جديدة.
يرى الرئيس زيلينسكي أن بلاده تصبح “إسرائيل عظيمة”، وينطبق هنا أيضاً نموذج المساعدة الأميركية لإسرائيل. يحتاج الشركاء الأميركيون في الخطوط الأمامية للمنافسة مع روسيا والصين – دفاعات صاروخية وأسلحة مضادة للدبابات ومخابرات فائقة واستخبارات مضادة، تمكنهم من استيعاب الضربات التي يشنها الأعداء والنجاة منها. كما يجب أن تكون لديهم القدرة على فرض تكاليف لا يتحملها المعتدي.
أعرب قادة من الإمارات العربية المتحدة علناً عن خيبة أملهم لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم ترد بالسرعة الكافية عندما هاجم المتمردون الحوثيون مطار أبو ظبي في كانون الثاني
في فترة ما بعد الحرب، من الضروري إنشاء قوة جوية وفيلق صواريخ وقوات خاصة أوكرانية قادرة على شن ضربات دفاعية خلف الخطوط الروسية. الاعتمادات السنوية، وفائض بنود الدفاع، ومخزونات التأهب للطوارئ في الولايات المتحدة كلها أدوات يمكن استخدامها لهذا الغرض. ومن الضروري أيضاً دعم نمو صناعة محلية تطور وتنتج حلولاً أوكرانية مبتكرة لمعالجة نقاط الضعف الأوكرانية.
يعزّز هذا النهج مطلبًا يجب أن يصاحب مثل هذه المساعدة: رغبة أوكرانيا وقدرتها على الدفاع عن نفسها بمفردها. وهذا أمر أظهره مواطنوها بالفعل على نحو غير مسبوق. في الحالات القصوى ينبغي التشغيل المشترك بين الولايات وشريك رئيسي.
*دانيال ب. شابيرو: زميل متميز في برامج الشرق الأوسط في Atlantic Council وسفير سابق للولايات المتحدة في إسرائيل.
****
4 ـ”ستفعل أميركا ما هو صحيح، لكن بعد استنفاد جميع البدائل”
غالباً ما ينسب هذا القول المأثور إلى ونستون تشرشل. لكن في الواقع لا يوجد أي سجل له على الإطلاق. ومع ذلك، فقد كان له صدى طويل الأمد لدى شركاء واشنطن وحلفائها الأجانب، الذين أصيبوا بالإحباط مراراً وتكراراً بسبب تقاعسها والتناقضات التي غالباً ما ميزت سياساتها على مدى عقود.
في الآونة الأخيرة أعرب قادة من الإمارات العربية المتحدة علناً عن خيبة أملهم لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم ترد بالسرعة الكافية عندما هاجم المتمردون الحوثيون مطار أبو ظبي في كانون الثاني. وبالمثل شعر القادة السعوديون بالذعر عندما لم ترد إدارة دونالد ترامب، بعدما هاجمت إيران البنية التحتية للطاقة في بلادهم في عام 2019.
إقرأ أيضاً: دروس حرب أوكرانيا (2): الاقتصاد والطاقة والتواصل أدوات النصر
لكن رد فعل إدارة بايدن القوي والثابت على غزو بوتين أوكرانيا أثبت، مرة أخرى، أنه يمكن بالفعل الاعتماد على الولايات المتحدة، لا سيما عندما تواجه أزمة عالمية على نطاق يستلزم قيادتها. هذا الدرس لم يفلت من قادة بكين. ويجب على قادة الشرق الأوسط الذين يميلون إلى الشك في العزيمة الأميركية أن يلاحظوا أن واشنطن اتخذت إجراءات قوية ومؤلمة اقتصاديًا لدعم السيادة الأوكرانية، على الرغم من عدم وجود معاهدة تلزم الولايات المتحدة بذلك (تمامًا كما لم تكن هناك معاهدة تتطلب قيام الولايات المتحدة للدفاع عن الكويت عندما غزا صدام حسين البلاد). بدلاً من المطالبة بمثل هذه الالتزامات، يُنصح شركاء الولايات المتحدة في المنطقة بالعمل بشكلٍ أفضل مع إدارة بايدن للتفكير في السيناريوهات التي قد تتطلب استجابة أميركية مماثلة، والعمل معاً لبناء قدرات مترابطة لردعهم.
*وليام ف. ويشسلر: مدير أول لمركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا
المجلس الأطلسي : Atlantic Council) مؤسسة بحثية غير حزبية مؤثرة في مجال الشؤون الدولية. تأسست عام 1961، ويوفر المجلس منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين. وتدير المؤسسة 10 مراكز إقليمية وبرامج وظيفية تتعلق بالأمن الدولي والازدهار الاقتصادي العالمي. مقرها الرئيسي في واشنطن دي سي بالولايات المتحدة.