خرج قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي يوم الخميس الماضي ليكشف أنّ “ما يمتلكه حزب الله من أكثر من مئة ألف صاروخ جاهز لفتح باب جهنّم على إسرائيل في حال أقدمت الأخيرة على مهاجمة بلاده”.
بعد يومين، تبع تصريحات سلامي كلامٌ صدر عن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري اسماعيل قاآني، يفاخر قائلاً: “حزب الله يخطّط لتوجيه آخر ضربة للكيان الصهيوني وإزالته من الوجود في الوقت المناسب”.
يحمل هذا التصريحان هذه المرّة أبعاداً مختلفة، ليس فقط بالنسبة إلى البروباغاندا الإيرانية المعتادة، بل من حيث الإفصاح جهاراً عن دور حزب الله في الأجندة الإيرانية، وعن أنّ صواريخ الحزب مرتبطة مباشرة بمصالح طهران الاستراتيجية التي قادت لبنان إلى قعر الهاوية وخرّبته.
تتضمّن هذه التصريحات كلاماً عن “الردّ بالزمان والمكان المناسبين” الذي تتحدّث عنه ميليشيات إيران في سوريا بعد كلّ ضربة تتعرّض لها، ثمّ تصمت عن الردّ.
تضع إيران حزب الله “في ثلّاجتها” لدرء مخاطر إسرائيل واستخدام الحزب كخط دفاع أوّل يوم تقرّر تل أبيب مهاجمة الأراضي الإيرانية
ينسحب الوضع نفسه على لبنان عند حصول انتهاكات إسرائيلية من خلال استباحة الأجواء اللبنانية تفجير مقرّات ومستودعات أسلحة على شكل منازل في الجنوب وصولاً إلى انفجار المرفأ الذي “لم يحمّل حزب الله مسؤوليّته لإسرائيل” للمرّة الأولى. فيما يبقى التلويح بالحرب في خطاباته وعوداً إلى حين وصول “الأمر” من إيران.
بالعودة إلى عام 2020 ومباشرة إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، غرّد دونالد ترامب أنّ إسرائيل استهدفت مواقع تعود لحزب الله في عنابر مرفأ بيروت، وسارعت إيران إلى استنكار الهجوم الإسرائيلي قبل أن تسارع إلى حذف تصريحها لعدم إحراج الحزب بالردّ على تل أبيب. إذ كان يدّعي أنّه في حال حصول اعتداء على الأراضي اللبنانية، سيردّ بالمثل.
فضح دعاية الحزب
ثم فضح وصول باخرة التنقيب “إينرجين باور” إلى حقل كاريش مزاعم حزب الله وتعبئته الزائفة لجمهوره ومناوراته. ويعلم القاصي والداني بما تقوم به القوات الإسرائيلية من استهدافات لمقاتلي الحزب وحركته خلف حدود العراق وسوريا، بحيث تطول مخازن أسلحة وذخائر للحزب ومصانع صواريخه، وقادة وحداته السرّية، ولا سيّما منهم من يدعم القوى الإيرانية في قطاع غزّة، وذلك من دون تبنّي إسرائيلي ولا إعلان حزب اللهي.
في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة التي حرمت دمشق من مطارها، وإيران من مدرجها السوري، وحزب الله من مرفأ إيران على البحر الأبيض المتوسّط، يتكرّر الصمت المشين القاتل. حتى إنّ بيانات “الحقّ باختيار المكان والزمان للردّ” لم تعد تصدر.
دور حزب الله حدّدته جهاراً تصريحات الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يستغلّ حزب الله في لبنان ويضعه في “بوز المدفع” تحقيقاً لمصالح الملالي في طهران
وتشهد إيران اغتيالات بالجملة بكاتم الصوت وبالروبوت وبالسمّ الفتّاك وبالدرون وبالتزحلق من على أسطح المنازل. وتطول كلّ من يوفّر لحزب الله الصاروخ والكاميرا والمسيّرات أو يتعاطى الأعمال اللوجستية التي توصلها إليه أو لغزّة. كلّ ذلك وسط “صمت مشين”.
يُخفي ضجيج الحرب الصاخب المتوعّد بجعجعته المتكرّرة انفضاحاً غير مسبوق لضعف وعجز إيران وميليشياتها. ما كان يصلح في 2006، لا يصلح اليوم. فالحرب العبثية اللامسؤولة المدمّرة والمكلفة جدّاً للبنان آنذاك، والتي افتعلها حزب الله، تلاها 16 عاماً من السلام والوئام بين الحزب وإسرائيل، ولم تؤدِّ حروب حزب الله الكلامية المفتعلة إلا إلى “طمأنينة” إسرائيل واستقرار حدودها الشمالية.
دور حزب الله حدّدته جهاراً تصريحات الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يستغلّ حزب الله في لبنان ويضعه في “بوز المدفع” تحقيقاً لمصالح الملالي في طهران. إذ يردّد الحزب تهديداته لتل أبيب وبأنّه يسعى إلى حماية ثروات لبنان، ويحمي التنقيب والاستخراج والتصدير، بينما يفتّش فعليّاً، بتعليمات من طهران، عن أسباب إضافية لتمسّكه بسلاحه غير الشرعي لا للدفاع عن لبنان ومصالحه التي يمكن حمايتها سلميّاً ودبلوماسيّاً، بل لتأبيد سيطرته على لبنان من جهة، وبانتظار أوامر قيادة الحرس الثوري من جهة أخرى.
أمّا تلك الأوامر فلن تأتي من طهران وتنتظر التطوّرات الإسرائيلية – الإيرانية. ولن يبدأ حزب الله حربه مع إسرائيل لسببين:
– الأوّل أنّه لا يريدها. إذ لن يكون بمقدوره تحمّلها، خصوصاً أنّ الحرب المقبلة “ستكون وجودية ونهائية”. والثاني أنّ تل أبيب قرّرت ما تعلمه وما يعلمه حزب الله من أنّ التنقيب في حقل كاريش لن يبدأ خلال شهر أيلول (الشهر الذي ذكره حزب الله ولم تحدّده إسرائيل ولا الشركة المنقّبة المالكة لباخرة إينرجين باور)، لذلك أعلنت تل ابيب أنّ الاستخراج من حقل كاريش مؤجّل.
– استراح حزب الله وتنفّس الصعداء من جرّاء إعلان إسرائيل خطوتها. فأعلن نصر الله أنّ حزبه “سيعطي ملفّ ترسيم الحدود قليلاً من الوقت، ليرى إلى أين ستذهب الأمور”، مؤكّداً أنّ حزب الله “سيستمرّ بمنهجية البحث عن حلول”. وعاد نصر الله إلى وضع سلاحه، كما خطّط له الحرس الثوري، في مواجهة إسرائيل، والمقصود هنا أنّ هذا السلاح سيُستخدم “فقط” إذا هاجمت تل أبيب الأراضي الإيرانية ودمّرت منشآت إيران النووية. وبالتالي سيتجنّب حزب الله إرسال طائرات الدرون باتجاه الحدود الإسرائيلية.
إقرأ أيضاً: مسيّرات 2022: تجديد شرعية “السلاح”؟
عليه، تضع إيران حزب الله “في ثلّاجتها” لدرء مخاطر إسرائيل واستخدام الحزب كخط دفاع أوّل يوم تقرّر تل أبيب مهاجمة الأراضي الإيرانية. وحتى ذلك اليوم سيبقى لبنان يدفع ثمن سلاح الحزب فوق رؤوس شعبه إلى أن تقرّر طهران “الزمان والمكان المناسبين” لاستخدامه وفق مصالحها.
*كاتب لبناني مقيم في دبي