مسيّرات 2022: تجديد شرعية “السلاح”؟

مدة القراءة 4 د

“مسار الانهيار والتقاتل على الجوع بدون أفق، أمّا الحرب فلها أفق. أن تموتوا شهداء خير من أن تموتوا على أبواب الأفران”. صدق السيّد حسن بقوله هذا. لكنّ السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: حرب على من؟!

ألا يقول المنطق أن تقوم الحرب على من جوّع اللبنانيين وأوصلهم إلى طوابير الخبز؟

اللبنانيون ليسوا دعاة حرب، بل دعاة سلم وازدهار. وإذا كان لبنان يتخبّط بين مشروعَيْ الدمار والإعمار، فغالبية اللبنانيين من أهل الإعمار. في كلّ تصريح يتكرّس الاختلاف بين لبنان القادر على الحياة وبين لبنان كمشروع حرب ودمار وموت دائمين. فمَن اعتاد الحرب لتكريس وجوده عمره أربعة عقود، إلا أنّ لبنان المزدهر هو من عمر التاريخ. وما كان يصلح في 2006 لم يعد صالحاً عام 2022. يومذاك اختار الحزب الحرب المدمّرة لإعادة تموضعه “مقاوماً” بعد جلاء حليفه السوري عن الأراضي اللبنانية في 2005 إثر اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري لإيمانه بانتهاء معادلة “الاقتصاد مقابل المقاومة” بعد عام 2000، وعمله على القرار 1559. ففي ذاك الصيف، اخترتم الزمان والمكان لتبرير سلاحكم واستمراريّته 16 عاماً. أمّا اليوم فالمقاومة “السلميّة” شأن لبناني جامع بوجه الفقر والانهيار الذي فرضه الاحتلال الإيراني وأوقف اللبناني في طوابير الخبز التي تحدّثتم عنها.

لم يعد خافياً على أيّ لبناني دور حزب الله في الانهيار وفي الأزمة الحالية. فاقتصادكم الأسود من جهة، واقتصادكم الموازي من جهة ثانية، استنزفا لبنان. أمّا فساد ضعفاء النفوس أمام المال والسلطة فإحدى الأدوات التي تتحكّمون بها لتغليب مصلحتكم وتمريرها في سبيل مآل الأوضاع اليوم. فسياسة تفتيت الدولة في صلب استراتيجية النظام الإيراني للسيطرة على الدول عبر ضربها من الداخل، حيث إنّ الجوع يطوّع الشعوب ويأسرها. وهذا حال اللبناني اليوم.

“مسار الانهيار والتقاتل على الجوع بدون أفق، أمّا الحرب فلها أفق. أن تموتوا شهداء خير من أن تموتوا على أبواب الأفران”. صدق السيّد حسن بقوله هذا. لكنّ السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: حرب على من؟!

لن ندخل بالتفاصيل الاقتصادية التي كتبنا عنها مراراً مفصّلين تكلفة اقتصاد حزب الله (الموازي والأسود) على لبنان مباشرة أو عبر تغطية الحلفاء “الفاسدين”. لكن أن يصدر منكم هذا الكلام اليوم، فغريب وعجيب. فلا يقصّر العدو الإسرائيلي لو أُتيحت له فرصة التجويع وهذا معلوم، لكن هذه المرّة لن تسلم الجرّة. فما فعله الاحتلال الإيراني بالشعب اللبناني لم يفعله العدوّ الإسرائيلي نفسه به. أمّا الحديث عن الحرب و”ضرورتها” فمكشوف بشقّيه:

في الشقّ الأوّل، نعود بالذاكرة إلى مساء 11 تموز 2006، عندما نام اللبنانيون على حلم الصيف السياحي الذي قُدّرت عائداته الاقتصادية ببعض مليارات الدولارات، واستفاقوا صباح 12 تموز على واقع مرير أنهى الحلم بحرب قرّرتموها وجررتم إليها لبنان “مدمّراً”. يومئذٍ كان يحتاج الحزب إلى علّة وجود واستمراريّة بعد 6 سنوات على انتفاء حاجة “المقاومة”. لكنّ السلاح (الذي كرّسته حرب تموز في عنوانها المقاوم) سيطر على لبنان بالقوّة ومنع قيامه بعد الانسحاب السوري. ومنذ ذلك الحين كرّس حزب الله سيطرته السياسية بقوّة السلاح (مروراً بأحداث 7 أيار 2008 وصولاً إلى أحداث الطيّونة 2022).

أمّا خارجيّاً فقد أضاع الحزب “طريق القدس” وضحّى بشباب بعمر الورد من الطائفة الشيعية الكريمة في ساحات سوريا واليمن والعراق وغيرها المعلوم وغير المعلوم. سقطت صفة المقاومة وارتفع اسم “الميليشيا” التي باتت تصدح الأصوات بها في بيروت وتهمس بها في بيئتكم نفسها. وهذا ما ينقلنا إلى الشقّ الثاني.

في هذا الشقّ تحديداً، يبدو أنّ عودتكم من ساحات القتال الخارجية التي أمرت بها طهران تحتاج اليوم إلى “شمّاعة إسرائيل” لإعادة الفيالق إلى الداخل اللبناني واسترداد الصفة “المقاومة” من جهة، ومن جهة أخرى التعتيم على دور الحزب في الانهيار الحاصل عبر حرب تفرزون فيها اللبنانيين وتوزّعون لهم براءات ذمّة.

إقرأ أيضاً: الحزب يعود من رأس الناقورة… إلى الخطّ 29

يقول المثل “عيب على من يخدعك مرّة. وألف عيب على من يُخدع مرّتين”. 2006 ليست 2022، وطوابير الخبز اليوم لا علاقة لها إلا بمعادلة “المافيا والميليشيا”، كما أحسن توصيفها الصديق صالح المشنوق. وأيّ حديث عن مقاومة من أجل عدم الموت في طوابير الخبز فيتعلّق بمقاومة سلمية لهذه المعادلة التي فصّلتموها لتكريس الانهيار وتطويع الشعب جوعاً.

* كاتب لبناني مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

خشية غربيّة من جولة تصعيد جديدة

إذا لم تُثبت التطوّرات عكس ذلك، فإنّ الأوساط الدبلوماسية الغربية لا ترى في مسوّدة الاتّفاق الذي صاغة الموفد الأميركي آموس هوكستين وقدّمته السفيرة الأميركية لدى…

قيس عبيد: شبحُ مغنيّة الذي حملَ الجنسيّة الإسرائيليّة

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…