أميركا لا تريد الحرب… العرب وإيران يربحون؟

مدة القراءة 7 د

لا تُريد الولايات المُتحدة حرباً في الشّرق الأوسط، ولا في أيّ بقعةٍ منه مهما صغرت. هذا ما أبلغه الأميركيّون لحلفائهم وخصومهم على حدٍّ سواء.

للمرّة الأولى منذ 3 عقود يكون لدى صُنّاع القرار في العاصمة الأميركيّة رغبة جدّيّة بإبعاد نيران النّزاعات عن المنطقة بدلاً من تأجيجها.

بالطّبع، لا تلعبُ الولايات المُتحدة هُنا دور “حمامة السّلام”، بل تُحاول أن تمنع ما تخشاه، وما يفاقم أزماتها الداخلية، وهو وقوع حربٍ في الشّرق الأوسط، سترفع بالتأكيد أسعار الطّاقة العالميّة، وبطبيعة الحال سلاسل التّوريد.

إذا خُضنا أكثر في التفاصيل فسنصل إلى النتيجة التالية: الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين هو الّذي “صنَع أهمّ المواعيد في الشّرق الأوسط”، عَلِمَ أم لم يعلَم بعد.

تترقّب المنطقة لقاءً بين وزيرَيْ خارجيّة البلدَيْن، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وحسين أمير عبد اللهيان، وربّما تتوسّع مروحة اللقاءات والتقارب

كيف ذلك؟

قبل سنةٍ من اليوم، لم يكُن الواحد منّا ليتصوّرَ الرّئيس الأميركيّ جو بايدن يهبطُ بطائرته على مدرج مطار الملك عبد العزيز في جدّة، مُهرولاً ومُستمِعاً، بل ومُقِرّاً بأخطاء بلاده تجاه حلفاء بلاده في المنطقة.

جاءَ الغزو الرّوسيّ لأوكرانيا أواخر شهر شباط الماضي. تغيّرت كلّ المُعادلات. أُصيبَ سوق الطّاقة بخللٍ غير مسبوق في الأسعار. أوروبا تترقّب عدوّاً فتّاكاً اسمه “بردُ الشّتاء”، والولايات المُتحدة، التي كان اقتصادُها يُصارع فيروس “كورونا”، تجد نفسها أمام مأزقٍ لا يقلّ خطراً عن الوباء، وهو التّضخّم. لا يقف التضخّم عند حدود الاقتصاد، إذ قد يتحوّل إلى النّاخب الأوّل في الانتخابات النّصفيّة الأميركيّة في تشرين الثّاني المُقبل.

أصيبَ العالم بأسره بأزمة غذاءٍ، وخصوصاً دول العالم الثّالث. في لحظات قليلة، خلَطَ القيصر الرّوسيّ كلّ أوراق العالم، وبطبيعة الحال أوراق مطبخ القرار في العاصمة الأميركيّة.

راجَع الأميركيّون أوراقهم، وهُنا كان القرار: لا بديل عن الشّرق الأوسط، خزّان النّفط والغاز.

جاءَ الرّئيس الأميركيّ إلى المنطقة وهو يعلَم أنّ بلاده أُنهِكَتها أسعار الطاقة، وكتب في “الواشنطن بوست” ليقول: “أذهب لأخفّض أسعار الطاقة”. وجاء عارفاً أنّ دول المنطقة أُنهِكَتها السّياسة الأميركيّة… منذ الولاية الأولى لعهد الرّئيس باراك أوباما وصولاً إلى الـ500 يوم الأولى من عمر الإدارة الحاليّة.

أميركا دفعت الثمن

أوباما حرف الأولويّة الأميركيّة نحو الشّرق الآسيويّ، لمحاولة احتواء نفوذ الصّين المُتصاعِد. تكوّنت صورة في واشنطن عن ضرورة الاستقالة من مهمّة “ضابط الإيقاع” في الشّرق الأوسط. وبدأت الانسحابات، من العراق وأفغانستان، وصولاً إلى سحب بطاريات باتريوت من المملكة العربية السعودية… وسريعاً بدأت أميركا تدفع الثمن، من صورتها، ومن مصاحها، وصولاً إلى غالونات البنزين التي يستهلكها المواطن العادي.

أمّا على صعيد جولة بايدن الشّرق أوسطيّة، فقد نتجَت عنها مجموعة من “القِمم المصغّرة”، عبر لقاءات ثنائية جمعت بايدن بقادة الدّول الخليجيّة، ومصر والأردن والعراق. يؤكّد ما صدَر عن هذه القمم من بيانات ثنائية أنّ أميركا – بايدن أجرت مُراجعة لسياستها ودورها وعلاقتها مع دول المنطقة.

كان بايدن صريحاً في التأكيد أنَّ بلاده قرّرت أن تكون شريكاً استراتيجياً لـ”أصدقائها في الشرق الأوسط”، وأنّها ليست في وارد ترك فراغ يمكن أن تملأه الصين أو روسيا أو إيران. وظهر أنَّ أميركا استدركت أنَّ العودة إلى الشرق الأوسط والتراجع عن خطأ “الهجرة المؤقتة” سيساعدانها في سياساتها اتجاه الصين وروسيا وإيران.

تؤكّد العودة الأميركيّة إلى “حضنها العربيّ” أنّ أميركا التي تعهّدت وأعادت إحياء الالتزام بأمن الدّول العربيّة، تريد أيضاً ضمان أمن معابر سلاسل التّوريد، وأهمّها مضيق باب المندب الذي يصلُ البحر الأحمر ببحر العرب، ومضيق هرمز الذي يصل مياه الخليج العربيّ وسواحل دوله التي تُصدّر ربع احتياجات العالم من النّفط، إضافة إلى الغاز، ببحر عُمان وبحر العرب والمحيط الهنديّ والعالم.

يتأكّد هذا الالتزام أيضاً بالترحيب الحارّ الذي أبداه بايدن بجهود رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظميّ الرّامية إلى رأب الصّدع بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران. فتقريب وجهات النّظر بين القُطبَيْن الشّرق أوسطيَّيْن ينعكس على أمن المضيقَيْن المذكورَيْن، ومعه حركة تجارة النّفط والغاز الطّبيعي.

وبناءً على هذا الترحيب، تترقّب المنطقة لقاءً بين وزيرَيْ خارجيّة البلدَيْن، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وحسين أمير عبد اللهيان، وربّما تتوسّع مروحة اللقاءات والتقارب.

تؤكّد العودة الأميركيّة إلى “حضنها العربيّ” أنّ أميركا التي تعهّدت وأعادت إحياء الالتزام بأمن الدّول العربيّة، تريد أيضاً ضمان أمن معابر سلاسل التّوريد

إيران تتدلّل على بايدن

على الضّفّة الأخرى من الخليج العربيّ، تبرز الملفّات المتعلّقة بإيران، سواء مُفاعلاتها النّوويّة أو مصانع صواريخها أو طائراتها المُسيّرة.

تجتمعُ الولايات المُتحدة مع إيران منذ سنة و4 أشهر حول طاولة مُفاوضات نوويّة لم تُقدّم ما يُذكَر حتّى السّاعة. لكنّ إيران هي أحد أكبر مُصدّري النّفط والغاز، ومن محاسن الصدف الجغرافيّة أنّها تجلس على طول ساحل الخليج العربيّ ومضيق هرمز.

وإن لم ينجح بايدن حتّى السّاعة في عقد صفقةٍ جديدة مع إيران، إلّا أنّ غزو بوتين لأوكرانيا جعل بايدن يُفكّر مرّتيْن قبل أن يرفع العصا بوجه نظام الملالي، فللظّروف ومزاج النّاخب الأميركيّ أحكام “نفطية”.

يُدركُ نظام الملالي أنّ فتيل الحرب على إيران الذي كان مُمكناً أن يشتعل في أيّ لحظة قبل 7 أشهر لم يعُد قابلاً للاشتعال اليوم. يجلس الإيرانيّون على برميل بارودهم الدّاخليّ، وهم ينتظرون عروضاً جديدة وتنازلاتٍ من الأميركيين والأوروبيين قبل حلول موعد الشّتاء، واجتياح البرد للقارّة العجوز.

تظهرُ آثار اقتراب البرد على مُمثّل الاتحاد الأوروبيّ جوزيب بوريل الذي لا يهدأ من التواصل مع وزراء خارجيّة إيران وقطر وسلطنة عُمان والمبعوث الأميركيّ إلى إيران روبرت مالي.

سُجِّل آخر اتصالٍ بين بوريل وعبد اللهيان في 27 تمّوز. في هذا الاتصال كان بوريل يقول لرئيس الدّبلوماسيّة الفارسيّة: “حان الوقت للتوصّل إلى اتفاق”. وكان عبد اللهيان يجيب بأنّ العودة هذه ينبغي أن تكون ما سمّاه “خطوة واقعيّة من جانب أميركا، ليكون هُناك حلّ جيّد مُتاح للجميع”.

بعد بوريل، كان وزير خارجيّة عُمان بدر البوسعيدي يُهاتف عبد اللهيان. استطاع البوسعيدي أن ينال “جزرة إيرانيّة لأميركا”. إذ أفرجت إيران عن النّاشط مُراد طهباز الذي يحمل الجنسيّتيْن الأميركيّة والبريطانيّة إلى جانب جنسيّته الإيرانيّة. يتوسّط البوسعيدي للسماح بسفر طهباز خارج إيران، وقد تشهد الأيّام المُقبلة ذلك.

إيران تنتظر تنازلات بايدن

تُدرك طهران أنّ الأميركيين اليوم بأمسّ الحاجة إلى ضبط البرنامج النّوويّ، لكن لن تستعجل العودة إلى اتفاقٍ قد لا يُلبّي طموحات المرشد علي خامنئي. وتُدرك أيضاً أنّ تركَ الملفّ النوويّ من دون حلّ جدّيّ، في حال لم يجد حلّاً قبل الانتخابات النّصفيّة في أميركا، وإن امتدّت المُفاوضات إلى الانتخابات الرئاسيّة المُقبلة، سيجعل طهران “كمن يرقص على رؤوس الثّعابين”.

إقرأ أيضاً: الحزب يستقبل هوكستين: مناورات عسكريّة وحشد شعبيّ

تقف إيران اليوم أمام فرصة “أسابيع ذهبيّة” للعودة إلى الاتفاق. أمّا تهديدات وزير الدّفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأنّ “بلاده لن تقبل باتفاق سيّء مع إيران يمنح نظامها الشرعية ويفتح اقتصادها”، وأنّ “إسرائيل تستطيع استهداف برنامج إيران النووي ومنع تقدّمه”، فهي لا تتخطّى الخطوط الحمراء الأميركيّة. إذ يكفي، بحسب ما يُقرأ من تعبير “منع تقدّمه”، اتفاقٌ يعيد إيران إلى مستوى تخصيب اليورانيوم المنصوص عليه بحسب اتفاق 2015، ولا يتخطّى الخطّ الأحمر الأميركيّ بمنع تهديد مصادر الطّاقة والملاحة التجاريّة.

عرفت إيران مقامها، بعد غزو أوكرانيا، فتدلّلت. وعرفَت الدّول العربيّة كيف تفرضُ نفسها لاعباً أساسيّاً في رسم السّياسة الأميركيّة في الشّرق الأوسط…

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…