اليابان: يعيشون حتّى المئة… ويبحثون عن عمّال

مدة القراءة 4 د

الخبر الجيّد في اليابان هو أنّ نصف المواليد مهيّأون للعيش حتى سنّ المئة.

الخبر السيّء هو أنّ عدد المواليد يتناقص باستمرار، وقد وصل حجم التناقص هذا العام إلى 400 ألف نسمة. وهو العدد الذي يمثّل الفرق بين المواليد والمتوفّين. ترجمة ذلك أنّ عدد الوفيات أكثر من عدد المواليد. وهذا مؤشّر إلى أنّ المجتمع يواجه حالة استنزاف.

من أجل ذلك تجد اليابان نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ:

– إمّا أن تستمرّ دولة منغلقة على ذاتها، ومعنى ذلك مواجهة تراجع الإنتاج الاقتصادي بسبب الافتقار إلى اليد العاملة، إضافة إلى تضخّم النفقات الاجتماعية التي تُخصّص للمتقاعدين، علماً بأنّ التقاعد في اليابان يبدأ في سنّ الستّين.

– وإمّا أن تفتح أبوابها للمهاجرين لاستقطاب اليد العاملة من الخارج، علماً أنّ ذلك من شأنه أن ينعكس سلباً على حالة التجانس العنصري والثقافي والاجتماعي التي تتميّز، بل وتتفرّد بها اليابان أكثر من أيّ دولة أخرى في العالم.

الجيّد في اليابان هو أنّ نصف المواليد مهيّأون للعيش حتى سنّ المئة

حاولت الشركات الصناعية اليابانية تعويض النقص في اليد العاملة بتطوير الأجهزة الإلكترونية التي تحلّ محلّ يد الإنسان العامل. وحقّقت بذلك تقدّماً كبيراً. ولكنّ هناك مهناً لا يمكن حتى الآن على الأقلّ أن يقوم بها سوى الإنسان، مثل مهمّات التمريض ورعاية العجزة. ولذلك تحثّ هذه الشركاتُ الدولةَ على القيام بما هو أقلّ ضرراً، أي فتح أبواب الهجرة أمام اليد العاملة.

استجابت الحكومة وأقرّت برنامجاً لاستقبال 345 ألف عامل أجنبي من الآن حتّى عام 2025.

لكن من أجل الحدّ من التغيير الاجتماعي الذي لا بدّ أن يتسبّب به وجود هذا العدد الكبير من العمال الأجانب، فإنّ قرار الاستقدام يشترط أن لا يرافق العامل المهاجر أيّ فرد من أفراد عائلته، وأن تكون هجرته محدودة بعدد من السنوات.

بيد أنّ هذا القرار يطرح علامات استفهام اجتماعية: ماذا لو تزوّج العامل المهاجر  يابانيّة؟ هل يمكن إنسانياً واجتماعياً أن يعيش عامل شابّ لسنوات من دون عائلة؟.. وماذا لو.. إلخ..

تكشف هذه الأسئلة النقاب عن مخاطر لا تطول وحدة المجتمع الياباني وانسجامه فقط، بل والأمن الاجتماعي إذا ما انتشر مئات الآلاف من العمّال الشباب غير المتزوّجين والممنوعين من استقدام عائلاتهم.

 

مجتمع يشيخ

للتخفيف من هذه المخاطر تطرح الحكومة اليابانية إجراءات جديدة للتقليل من الحاجة إلى اليد العاملة الأجنبية، منها:

– رفع سنّ التقاعد.

– تشجيع المرأة على العمل.

– زيادة ساعات العمل اليوميّة.

غير أنّ هذه الإجراءات لا تعالج المشكلة الأهمّ، وهي أنّ المجتمع يشيخ وأنّ المواليد في تناقص.

تقول الأرقام الرسمية إنّ أكثر من 28 في المئة من الشعب الياباني تجاوزوا سنّ 65 عاماً، فيما تصل هذه النسبة في الولايات المتحدة إلى 15 في المئة، وتتراجع في الهند إلى 6 في المئة فقط.

تقول هذه الأرقام أيضاً إنّ في اليابان 70 ألف شخص تجاوزوا مئة سنة، أي سبع مرّات أكثر ممّا كان عليه الأمر قبل عقدين من الزمن.

يتمثّل الوجه الآخر لهذه الأرقام في أنّ الإنفاق على التعويضات الصحية والاجتماعية رفع حجم الدين العامّ لصندوق التعويضات حتى وصل إلى 250 في المئة من الدخل القومي.

إنّ معاناة اليابان المترتّبة على نقص اليد العاملة أدّت إلى توافر فرصة عمل ونصف أمام كل قادر على العمل، أي فيما تعاني دول عديدة في العالم من البطالة، تعاني اليابان من وجود مهن تفتقر إلى العاملين. ويُقدَّر تراجع حجم اليد العاملة في اليابان من 67 مليوناً اليوم إلى 58 مليوناً فقط في عام 2030 نتيجة التراجع في الإنجاب.

بين اليوم وعام 2030 يُتوقّع أن يكبر حجم الاقتصاد الياباني تبعاً للمنافسة الدولية، وخاصة مع الجارتين اللدودتين الصين وكوريا الجنوبية، ومع الحليفين البعيدين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. إلا أنّ النقص في اليد العاملة قد يؤدّي إلى العكس. من أجل ذلك تخاطر اليابان بنسيجها الاجتماعي الشديد التجانس من أجل استقدام يد عاملة من الخارج، وذلك للمرّة الأولى في تاريخها الحديث.

إقرأ أيضاً: هل بدأت الحرب الأميركيّة – الروسيّة؟

هل تنجح المغامرة اليابانية الجديدة؟

من الصعب التكهّن بالجواب. فالمجتمع الياباني نسيجه فريد في عاداته وتقاليده. وتخشى اليابان من أن يؤدّي دخول عنصر مختلف إلى “تسونامي” اجتماعية خطيرة. وهذا يعني أنّ يابان الغد قد لا تبقى اليابان التي عرفها العالم حتى اليوم.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…