هل بدأت الحرب الأميركيّة – الروسيّة؟

مدة القراءة 5 د

هل تتحوّل الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة مسلّحة بين الولايات المتحدة وروسيا؟

بدأ السؤال يفرض نفسه على عواصم العالم في الشرق والغرب على حدٍّ سواء، وذلك بعدما دخلت الحرب الأوكرانية مرحلة سياسية تقوم على ثلاث لاءات:

لا انتصار لروسيا، ولا هزيمة للحلف الأطلسي، ولا تغيير في خريطة أوكرانيا السياسية.

من الواضح أنّ التوفيق بين هذه اللاءات متعذّر أو مستحيل. لذلك تطوّر الموقف الأميركي من هذه الحرب بشكل دراماتيكي وما يزال.

بدأ هذا الموقف بتصريح للرئيس الأميركي جو بايدن قال فيه إنّه “لم يعُد يجوز أن يستمرّ بوتين في السلطة”. لكنّ الحسابات السياسية حملت البيت الأبيض على الإسراع في نشر توضيح تراجعيّ أكّد فيه أنّ ذلك لا يعني أنّ الرئيس بايدن يدعو إلى تغيير النظام في روسيا أو إلى تغيير الرئيس.

لا انتصار لروسيا، ولا هزيمة للحلف الأطلسي، ولا تغيير في خريطة أوكرانيا السياسية

مع ذلك أعلن الرئيس بايدن في آذار الماضي أنّ هدف أميركا هو “مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها”. ولكن في نهاية نيسان أصبح الهدف هو “إضعاف روسيا“.

وسواء كان الأمر مساعدة أوكرانيا أو إضعاف روسيا، فإنّ الولايات المتحدة تحرص على التأكيد أنّها لا تنوي لا هي ولا الحلف الأطلسي الدخول في حرب ضدّ روسيا من أجل أوكرانيا.

 

سوابق “الكذب” الأميركي

هناك سوابق في التاريخ الأميركي تضيء على إشكالية التناقض بين السلوك العسكري (المباشر وغير المباشر) والمواقف السياسية الأميركية.

في عام 1916 وأثناء حملة الانتخابات الرئاسية كان الرئيس وودرو ويلسون يردّد أثناء الحملة أنّ الولايات المتحدة لن تتورّط في الحرب الأوروبية (الحرب العالمية الأولى)، ولكن بعد مرور شهر على إعادة انتخابه رئيساً، أعلن الحرب على ألمانيا، وأرسل قوّاته إلى الجبهة الأوروبية.

حدث الأمر ذاته تقريباً مع الرئيس ليندون جونسون. فأثناء الحملة الانتخابية في عام 1964 وعد الشعب الأميركي بأنّه لن يرسل قوات أميركية إلى جبهة تبعد تسعة أو عشرة آلاف ميل عن الولايات المتحدة، للقيام بما يفترض أن يقوم به أبناء المنطقة من الآسيويين. ولكن في شباط 1965 وبعد شهر واحد على دخوله البيت الأبيض، أمر الرئيس جونسون بتنفيذ العملية المعروفة باسم “الرعد المتدحرج”. وبعد شهر من تلك العملية أرسل القوات الأميركية إلى فيتنام.

تكرّر هذا الأمر مع الرئيس جورج بوش الأب (حرب الخليج الأولى)، ثمّ مع جورج بوش الابن (اجتياح العراق). إذا كانت حرب بوش الأب وجدت في اجتياح صدّام حسين للكويت أسباباً موجبة، فإنّ جورج بوش الابن اصطنع الأسباب من وراء ظهر الكونغرس الأميركي وحتى على الرغم من معارضة الأمم المتحدة، إذ فبرك مقولة “امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل”. وهي المقولة التي كذّبتها الروايات الرسمية التي صدرت فيما بعد عن عناصر رئيسية في إدارته.

 

أميركا “تقصف” روسيا؟

رسميّاً الكونغرس هو الذي يعلن الحرب، ورسمياً أيضاً الكونغرس لم يعلن الحرب على أيّ جهة في العالم منذ عام 1942 (الحرب العالمية الثانية). ولكنّ ذلك لا يعني أنّ الولايات المتحدة لم تتورّط في الحروب. فمنذ عام 2004 دخلت في حرب ضدّ التنظيمات الإرهابية المسلّحة (القاعدة وطالبان) في باكستان، وضدّ تنظيم الشباب الإرهابي في الصومال منذ عام 2011، ثمّ في النيجر في إفريقيا حيث قُتل أربعة جنود أميركيين، فاضطرّت واشنطن إثر ذلك إلى الاعتراف بوجودها العسكري ثمّ الانسحاب.

أمّا التورّط في الحرب في أوكرانيا الذي يأخذ شكلاً تصاعدياً متواصلاً مباشرة وعبر حلف شمال الأطلسي، فإنّه تورُّط يطرق أبواب الكرملين، الأمر الذي يثير قلقاً عالمياً، لأنّ الكرملين يملك السلاح النووي ويلوّح باستخدامه إذا ما وجد نفسه مضطرّاً إلى ذلك.

لم تصطدم الولايات المتحدة (ولا الحلف الأطلسي) مباشرة بالقوات الروسية، لكنّ صاروخاً أميركياً أطلقته القوات الأوكرانية أغرق سفينة حربية روسية في البحر الأسود. ثمّ على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة نتيجة المضاعفات المترتّبة على الإغلاق بسبب وباء كورونا، فقد قدّمت لأوكرانيا مساعدات عسكرية وماليّة تزيد على 40 مليار دولار حتى الآن. فإذا كانت هذه المواقف السياسية والمساعدات العسكرية والماليّة والاستخباراتية والدعم الإعلامي لأوكرانيا لا تعني الحرب؟ فماذا تعني الحرب إذن؟

لقد أعلنت إدارة الرئيس بايدن أنّها تبحث في تزويد أوكرانيا بنظام للصواريخ يمكن أن يضرب العمق الروسي. ووعدت أيضاً بتزويدها بطائرات من دون طيار تحمل صواريخ متوسّطة المدى (هيل فاير). فماذا يعني ذلك؟

 

بوتين يستخدم “النووي”؟

بالمقابل هدّد الكرملين، على لسان بوتين نفسه، بأنّه لن يتردّد في اللجوء إلى السلاح النووي إذا وجد نفسه مضطرّاً إلى ذلك.

لم تضطرّه إلى ذلك العقوبات المالية والاقتصادية القاسية التي فُرضت عليه. إذ عمل على الالتفاف عليها بعقد اتفاقات لتصدير النفط والغاز الروسيَّين إلى الصين والهند. وهو يراهن على أنّ الشتاء المقبل سوف يفرض على الأوروبيين إعادة النظر في مقاطعتهم لاستيراد الطاقة من روسيا. فالمشكلة اليوم وحتى الآن هي مشكلة “عضّ أصابع” بانتظار مَن يصرخ أوّلاً من شدّة الألم. ولكنّ صوت الألم انطلق من دول العالم الثالث التي تفتقر إلى الحبوب والزيوت الضرورية للحياة اليومية، نتيجة توقّف الصادرات الروسية والأوكرانية من هذه الموادّ الغذائية. حتى إنّ المجاعة بدأت تطرق أبواب الملايين في إفريقيا، كما حذّرت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة.

إقرأ أيضاً: التهديد بالسلاح النوويّ

من هنا السؤال: إذا كان كلّ ذلك لا يعني أنّ الحرب الأميركية – الروسية قد بدأت فعلاً.. فماذا تعني الحرب إذن؟

إنّ ممارسة الحرب من دون إعلان أو ممارستها بالواسطة من شأنها أن تطيل أمدها وأن تؤخّر حسمها. ولم تعُد المضاعفات الاستنزافيّة للحرب على مستوى الإنسان والبنيان تقتصر على المتورّطين المباشرين، بل هي تمسّ أمن وسلامة ومصالح الإنسانية جمعاء.

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…