بعد قرار حكومتَيْ السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ازدادت المخاوف في الشرق والغرب من احتمال اللجوء إلى السلاح النووي.
لم يُستخدَم هذا السلاح سوى مرّتين في تاريخ الحروب والصراعات الدولية. وفي المرّتين كانت اليابان مسرحاً وهدفاً.
أُلقيت القنبلة النووية الأولى على مدينة هيروشيما. ويروي قصّة إلقائها بول تيباتس قائد الطائرة الحربية الأميركية الذي نفّذ العملية في كتاب له عنوانه: “قصّة تيباتس”. وفي هذا الكتاب يقول: “في الصباح الباكر من يوم السادس من شهر آب من عام 1945 انطلقت الطائرة إينولا غاي (وهو الاسم الذي أطلقه على الطائرة تيمّناً باسم والدته). كانت الطائرة تحمل قنبلة نووية واحدة مصنوعة من اليورانيوم بموجب مشروع مانهاتن لإنتاج السلاح النووي في الولايات المتحدة. انطلقت الطائرة وكانت بأربعة محرّكات من جزيرة تينيان في المحيط الهادئ، وهدفها معسكر للجيش الياباني في مدينة هيروشيما. أمّا الدليل على موقع المعسكر فهو جسر على شكل تاء باللغة الإنكليزية يُدعى “جسر إيوي”.
وصلت الطائرة إلى الموقع المحدّد في الساعة الثامنة والربع من صباح يوم السادس من آب. ومن ارتفاع 9,500 متر ألقى الجنرال بول تيباتس القنبلة، وكانت تُعرف باسم “الولد السمين”. في ذلك الوقت كان يعيش في مدينة هيروشيما 250 ألف نسمة صهرتهم نيران القنبلة إلا مَن رحم ربّي.
لم يُستخدَم هذا السلاح سوى مرّتين في تاريخ الحروب والصراعات الدولية. وفي المرّتين كانت اليابان مسرحاً وهدفاً
يذكر تيباتس في مذكّراته أنّه كان عليه أن يغيّر خطّ طيرانه بسرعة وأن يحلّق عالياً بعيداً عن الانفجار. ومع ذلك شعر بشدّة الحرارة هو وأعضاء الفريق العسكري المرافق.
ويقول إنّ سحابة الانفجار النووي ارتفعت إلى ثلاثة أميال في الفضاء فوق خطّ تحليق الطائرة. وكانت درجة الحرارة فيها تصل إلى مستوى الغليان.
وبعد ثلاثة أيام، في التاسع من آب، ألقت الولايات المتحدة على مدينة ناكازاكي قنبلة ثانية أكثر قوّة وأشدّ تفجيراً مصنوعة من البلوتونيوم، حملتها طائرة من نوع “ب 29”. وكان يقودها الطيّار العسكري تشارلز سويتي.
بعد القنبلتين، في 15 آب، استسلمت اليابان من دون قيد ولا شرط. وأدّى استسلامها إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
عاش الجنرال تيباتس حتى بلغ سنّ الثانية والتسعين من العمر. يقول إنّه لم يشعر للحظة واحدة بالحزن أو حتى بالأسف. بل على العكس من ذلك، يقول إنّه كان يشعر بالاعتزاز لأنّه ساهم في وضع حدّ للحرب العالمية التي قتلت الملايين من العسكريين والمدنيين.
إلا أنّه كانت للرأي العامّ العالمي وجهة نظر أخرى. فعندما زار الهند في عام 1965 في مهمّة عسكرية انتدبه لها البنتاعون الأميركي، وصفته إحدى الصحف الهندية المحليّة بأنّه: “أكبر قاتل في العالم”.
إلا أنّ ذلك لم يكن يعني له شيئاً. فقد زار بعد ذلك في عام 1976 مدينة هيروشيما بالذات، التي كانت تستضيف معرضاً للطيران. وقام بعرضٍ في سماء المدينة (التي سبق له أن دمّرها وقتل مئات الآلاف من أبنائها) بطائرة “ب 29” مماثل لعملية إلقاء القنبلة النووية. يومئذٍ لم يستطِع محافظ هيروشيما إلّا أن يُعرب علناً عن سخطه واستيائه!!
في ذلك الوقت كان مشوّهون ومصابون بأمراض سرطانية من جرّاء التفجير النووي ما يزالون على قيد الحياة جرّاء تعرّضهم للإشعاع النووي. مع ذلك وجدت الدبلوماسية الأميركية بُعداً أخلاقياً وإنسانياً لتبرير استخدام السلاح النووي، وهو التبرير الذي يقوم على منطق وقف الحرب. وهو المنطق الذي يتردّد صداه الآن من خلال حرب أوكرانيا، وخاصة بعد انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف الأطلسي نتيجة تداعيات هذه الحرب.
إقرأ أيضاً: “الحرب العالمية”: من مضيق تايوان إلى مضيق تيران
إنّ المنطق الذي يقول إنّ الغاية تبرّر الوسيلة، لا يزال يفرض نفسه حتى بالنسبة إلى اللجوء إلى السلاح النووي.
في عام 1945 لم تكن اليابان تملك سلاحاً نووياً لتردّ بالمثل. أمّا الآن فإنّ روسيا والولايات المتحدة وحدهما تملكان من القدرات النووية ما يكفي لقتل كلّ إنسان أكثر من عشر مرّات. وإذا ما أُضيفت القدرات النووية لدى بريطانيا وفرنسا والصين (وكذلك الهند وباكستان) فإنّ ما تعرّضت له هيروشيما وناكازاكي يصبح لعبة أطفال وحسب.