استخدام مفردة “الهبل” هنا ليس استخفافاً، ولا شتيمة، وإنّما هو توصيف دقيق لحالة “الهبل السياسي” التي تمرّ بها منطقتنا، والغرب. و”الهبل” بحسب المعجم المعاصر: “فَقْدُ العقل والتمييز”. واليوم نشهد حالة من “الهبل” السياسي، وليس السذاجة.
من أين نبدأ؟ حسناً، سننطلق من الملفّ النووي الإيراني حيث اتّضح “الهبل” منذ إبرام اتفاق 2015 بقيادة الرئيس أوباما، لأنّه اتفاق ساذج، ثمّ تواصل “الهبل” بانسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق، ثمّ كانت العودة المندفعة للرئيس بايدن بـ”هبل” سياسي قاده روبرت مالي، وخلفه الأوروبيون. و”الهبل” الأكثر وضوحاً كان الرفض الإيراني لكلّ الفرص التي مُنِحت لهم. الآن نشهد “هبلاً” من نوع آخر.
يقول الفرنسيون إنّ حزب الله مكوّن لبناني، والكلّ يعرف أنّ لبنان مختطَف ومحتلّ من قبل إيران، بسلاح الحزب
مثل أن يُقال إنّ على أميركا العودة إلى اتفاق 2015، وعدم السماح لإسرائيل بمواجهة إيران. وأبرز حالات “الهبل” هذه ما كتبه ولي نصر الذي كان يُظهر نفسه معادياً للنظام الإيراني! ونقول “هبل” لأنّ بنوداً كثيرة في اتفاق 2015 تشارف على الانتهاء وتحتاج إلى مفاوضات جديدة.
هذا الأمر هو من ضمن “هبل” إدارة أوباما السياسي لأنّ اتفاق 2015 كان إرجاءً لكارثة حصول إيران على السلاح النووي، وليس تدميراً لمشروعها، أو ضماناً لعدم تحقّقه. وبعدما أفاقت الإدارة الأميركية وانتبهت للتلاعب الإيراني، والأوروبيون على الخط، نتورّط الآن في سعي قطري إلى إكمال المفاوضات التي لن تؤدّي إلى أيّ شيء!
ولنعرّج على “هبل” آخر من مثل أن يقول الفرنسيون إنّ حزب الله مكوّن لبناني، والكلّ يعرف أنّ لبنان مختطَف ومحتلّ من قبل إيران، بسلاح الحزب. صحيح أنّه يمكن أن تتعامل سياسيّاً مع الأمر الواقع، لكن لا يمكن أن تشرعن اختطاف دولة.
مثال آخر يتعلّق بما يُقال من أنّ السعودية تهاجم اليمن، والصحيح أنّ الحوثي يحتلّ اليمن، ويقسمه، ويتاجر بأزمته بسلاح إيراني وبتدخُّل من حزب الله. والسؤال هنا هو: كيف تهبّ أوروبا لنجدة أوكرانيا وتعترض عندما يهبّ التحالف العربي لنجدة اليمن من الحوثيّ الإيرانيّ؟
خذ مثالاً آخر. لماذا لم يعترض “بعض” القضاة بتونس عندما كان حزب النهضة، وهو من الإخوان المسلمين، يدمّر الدولة؟ ولماذا لم يعترض هؤلاء القضاة على الاغتيالات، والتمويل الخارجي التخريبي كاعتراضهم الآن؟
ومن أمثلة “الهبل” السياسي في منطقتنا قول البعض: لماذا لا يتمّ الاعتراض والتنديد بالتدخّل التركي العسكري الواقع والوشيك في سوريا؟ والإجابة هنا لا يمكن أن تكون إلا بطرح عدّة تساؤلات:
– أوّلاً، أين الاعتراض على التدخّل الإيراني في سوريا؟ وتدخُّل حزب الله والميليشيات الشيعية؟
– ثانياً، أين الاعتراض على التدخُّل الروسي، الذي لولاه لَما بقي بشار الأسد يوماً واحداً في السلطة؟
أمثلة “الهبل” السياسي لا تنتهي، فعندما تتحدّث الولايات المتحدة عن الديمقراطية، وضرورة فرضها في منطقتنا، فما الذي يمكن أن يُقال عمّا يحدث في العراق حيث لا قيمة للانتخابات ونتائجها، وليس الآن فقط، بل منذ إقصاء إياد علاوي لمصلحة نوري المالكي؟
إقرأ أيضاً: الصواريخ مقابل الخبز
أكبر دليل على “الهبل” السياسي هو ما يحدث في أوروبا وأدّى إلى حرب أوكرانيا، وطريقة معالجة الأزمة هناك حتى اللحظة الراهنة. على القارئ استخدام خياله لإدراك ما حدث في أفغانستان وفهم الانسحاب الأميركي من هناك.
لذا ليست مفردة “هبل” شتيمة، ولا انتقاصاً، لكنّها أدقّ عبارة لشرح الحال السياسي.