ما زلنا نتذكّر المشروع الأمميّ الشهير الخاص بالعراق بعد غزو الكويت: “النفط مقابل الغذاء”. واليوم يمكن القول إنّه ينطبق على لبنان من حيث “الصواريخ مقابل الخبز”، وقد يقول القارئ: كيف؟
إنّ منظر الطوابير البشرية من أجل شراء رغيف خبز يقول لنا إنّ لبنان الذي كان يُفترض أن يعاني من زحمة سيّاح هذا الصيف، وأن تكون أزمته عدم وجود أمكنة على الخطوط الجوّية، كما يحصل لمصر وتركيا مع السيّاح الخليجيين، بات مهدّداً حتى بالخبز، بعد الكهرباء، والودائع، وغيرها من أزمات.
مَن يراقب التحرّكات السياسية الأخيرة في منطقتنا يلحظ تراجع الملفّ اللبناني، لأنّ الأمر أصبح الآن أكثر تركيزاً مع توجّه المنطقة إلى ترتيب ملفّاتها الاقتصادية وتعميق تعاونها السياسي والعسكري لحصر الجهود في مواجهة إيران لا ميليشياتها
صحيح أنّ لبنان يستورد أكثر من 70 في المئة من قمحه من أوكرانيا، لكنّ الأزمة لا تتعلّق بالحرب الروسية على أوكرانيا، بل بتحوّل لبنان إلى ضحية للاحتلال الإيراني وسلاح حزب الله.
لو لم يكن لبنان محتلّاً من قبل إيران لتسابق الجميع إلى إنقاذه من أزمة الخبز والكهرباء والمستشفيات وغيرها. ولو لم يكن لبنان محتلّاً لَما تحدّث أحد أصلاً عن مساعدات، وإنّما عن تعاون اقتصادي.
وعليه فإنّ ما يواجهه لبنان اليوم هو “الصواريخ مقابل الخبز”. وهذا المشروع ليس مشروعاً أمميّاً، بل هو مشروع إيراني برعاية حزب الله الذي عطّل كلّ إمكانيات البلاد، ولم يعُد من إمكانية لتحديد الأزمات لأنّ القصّة أكبر وأخطر.
منذ اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ثمّ حرب تموز 2006، ينحدر لبنان اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إلى هوّة سحيقة بفعل إيران وحزب الله، وكم أتمنّى أن يُجرى استطلاع رأي حقيقيّ في لبنان يركِّز على سؤال محدّد هو: من أكبر أعداء لبنان؟
حينئذٍ ستكون النتائج مذهلة، لكن هل يغيّر هذا من واقع الأزمة اللبنانية اليوم؟ لا أعتقد. الواضح أنّ إيران والحزب قرّرا التضحية بلبنان حتى آخر رغيف خبز، وقطرة مازوت، وليس فقط آخر لبناني، ولذلك تمّ تهميش لبنان تماماً.
مَن يراقب التحرّكات السياسية الأخيرة في منطقتنا يلحظ تراجع الملفّ اللبناني، لأنّ الأمر أصبح الآن أكثر تركيزاً مع توجّه المنطقة إلى ترتيب ملفّاتها الاقتصادية وتعميق تعاونها السياسي والعسكري لحصر الجهود في مواجهة إيران لا ميليشياتها.
يكفي تأمّل تصريحات العاهل الأردني عبد الله الثاني، اللافتة والمهمّة، لشبكة “سي.ان.بي.سي” الأميركية، التي قال فيها إنّه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، مضيفاً: “أودّ أن أرى المزيد من البلدان في المنطقة تنخرط في هذا المزيج، وسأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيّدون إنشاء ناتو في الشرق الأوسط”.
لا بدّ من الانتباه هنا لما قاله العاهل الأردني بكلّ وضوح: “رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جدّاً، ودوره يجب أن يكون محدّداً بشكل جيّد، ويجب أن يكون بيان المهمّة واضحاً جدّاً جدّاً”. وأعتقد أنّ هذا الكلام لا يحتاج إلى تفسير!
إقرأ أيضاً: 40″ حزب الله”… 40 سنة من الانتصارات على لبنان
خلاصة القول إنّ أزمة لبنان غير متعلّقة بالحرب الأوكرانية، ولا المواقف بالمنطقة، وإنّما هي أزمة الاحتلال الإيراني للبنان عبر حزب الله، ووفق مفهوم “الصواريخ مقابل الخبز”، الذي يعني إمّا أن يستسلم الجميع للاحتلال الإيراني، أو لا خبز ولا حياة.
هذه هي القصّة بكلّ اختصار.