يمتاز نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بأنّه صاحب شخصية مستديرة تبعث على الاطمئنان لحلفائه وخصومه معاً، وتدفعهم إلى التأنّي حدّ الحذر منه أحياناً.
هو يعرف قياس المسافات جيّداً بين الأطراف، ويجيد عمليات الحسابات الداخلية والخارجية معاً على الرغم من ولوجه الشأن العام منذ فترة ليست ببعيدة. وهو ما أهّله لأداء دور الوسيط. فوزه بموقع نائب رئيس المجلس النيابي دليل على مقدرة الرجل المحكوم بسقف التوازنات الطائفية ونصيب الطائفة الأرثوذكسية، ومنه المركز الأوّل الذي تولّاه بو صعب. يصعب حسبانه داخل تنظيم التيار، وصعب احتسابه خارج التيار. هو على علاقة ودّ وعمل وتقارب مع دول الخليج، وهو على علاقة مباشرة ووثيقة مع حليف التيار حزب الله وحليف حليفه حركة أمل، ولا سيّما علاقته الأبرز مع رئيس المجلس نبيه برّي.
بعناية ودقّة خاض بوصعب معركة أهّلته للفوز بمنصب نائب رئيس مجلس النواب بـ65 صوتاً، فيما نال النائب غسان سكاف 60 صوتاً
لبوصعب خصوصيّته. لا يلغي انضواؤه في تكتّل لبنان القوي تمايزه في المواقف والافتراق عنهم متى وجد ذلك ضرورة. هو الذي أعلن من بعبدا أنّ وجوده إلى جانب عون مستمرّ، ولم يحسم قرار ترشيحه للنيابة إلا قبيل ساعات من إعلان أسماء المرشّحين. كان يرغب في استقالة نواب التيار منذ 17 تشرين، ويعتبر أنّ المراجعة ضرورية كما الانطلاق برؤية سياسية مختلفة تقوم على الانفتاح باتجاه كلّ الأطياف السياسية. يمكن وصف بوصعب بعد انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب أنّه “رجل الحوار” الذي يفتح قنوات التواصل بين الجميع ولمصلحتهم.
نأي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بنفسه عن خوض معركة بوصعب لنيابة الرئيس تجنّباً للمقايضة بين انتخاب الرئيس ونائبه لم يمنع تجيير الفوز لمصلحة التكتّل والاستفادة من دينامية بوصعب في تدوير زوايا علاقاته السياسية في المرحلة المقبلة، ولا سيما بعد نهاية عهد ميشال عون.
العوني.. القريب من برّي
بعناية ودقّة خاض بوصعب معركة أهّلته للفوز بمنصب نائب رئيس مجلس النواب بـ65 صوتاً، فيما نال النائب غسان سكاف 60 صوتاً. كلّ مَن وعده بالتصويت وفى، وبينهم نائبان من خارج حلقة الحلفاء، بينما ثالث أخلّ بوعده. كانت تلك المعركة الثانية التي يفوز بها من دون منّة من أحد.
أمّا معركته الأولى فكانت فوزه بالنيابة بجهد علاقاته مع أبناء المتن، تلك العلاقات التي تراكمت منذ انتخابه رئيساً لبلدية ضهور الشوير مسقط رأسه وموطئ ذكرياته. لا يجد إحراجاً بالقول إنّ الأصوات التي أوصلته للنيابة لم تكن بمجملها برتقالية.
يعرف العائلات التي انتخبته فرداً فرداً، وكيف حاسبه البعض على خياره السياسي حتى من أقرب الأقربين إليه وتمنّوا لو كان خاض معركته إلى جانب خيارات أخرى. على الرغم من تمايزه، لكنّ لا يرى بوصعب نفسه بعيداً عن التيار الوطني الحر، وهو سيحافظ على وجوده إلى جانب رئيس الجمهورية.
قربه من عون وعلاقته مع برّي سهلا له أن يلعب الدور الأبرز في تقريب وجهات النظر بين بعبدا وعين التينة. أعدّ جردة بالملفّات التي تسبّبت بتبادل الاتّهامات بالتعطيل، واستفسر من الأمانة العامة عنها، وبدأ ورشته لتذليل العقبات تمهيداً لإقرارها. أقنع الرئيس برّي بتصفير مشاريع القوانين المتراكمة في أدراج المجلس وصارت بحكم المنسيّة، والبدء من جديد.
يمتاز نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بأنّه صاحب شخصية مستديرة تبعث على الاطمئنان لحلفائه وخصومه معاً، وتدفعهم إلى التأنّي حدّ الحذر منه أحياناً
ملفات ونواب من كل الكتل
تزيد الملفّات التي يتابعها الياس بوصعب على عدد الأيام التي مضت على انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب. مكتبه في مجلس النواب تحوَّل إلى خليّة نحل، إذ يقصده النواب من كلّ الكتل، الحليفة منها وتلك التي تخالفه الموقف والانتماء السياسي. منذ دخوله الندوة النيابية عام 2018، مروراً بتولّيه حقيبتين وزاريّتين، نجح بوصعب في أن يخلّف بصمته الخاصة.
له في ذاكرة الطلاب مكانة بفعل أيام العطل التي كان يقرّرها “مع كلّ نسمة هوا”، وبفضله ترفّع عشرات آلاف الطلاب الثانويين بلا امتحانات رسمية نتيجة قراره بإلغائها. لا تزال قراراته تلك موضع أخذ وردّ حول صوابيّتها، كما غيرها من القرارات التي أصدرها حينذاك.
تجربته الأهمّ حين تولّى وزارة الدفاع. كانت العلاقة الندّيّة سبباً للتباعد بينه وبين قائد الجيش جوزف عون لحرصه على التمسّك بصلاحيّاته كوزير دفاع. فاقت تجربته في وزارة الدفاع بأهمّيّتها تجربته كوزير للتربية. كشف صفقة صواريخ بلغراد والألبسة العسكرية، وحاول تطبيق المراسيم التنظيمية لقانون الدفاع الصادر عام 1983، فتمّ التصدّي له، ورفض توقيع أيّ معاملة من دون الاطّلاع المسبق عليها.
الخليج.. وأميركا
تربطه علاقات متينة مع دول الخليج، ومثلها مع أميركا. وبفضلها يشغل منصب الدبلوماسي المفاوض في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ويشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الترسيم. يتواصل مع الوسيط الأميركي، ويشكّل نقطة تقاطع أميركية لبنانية لتقريب وجهات النظر، مستبشراً الخير القريب للبنان من ترسيم حدوده. دوره هنا أيضاً يساهم في الحدّ من التوتّر على خط بعبدا-عين التينة حول هذا الملفّ.
قوميّ الهوى ومنتمٍ إلى التيار من دون بطاقة انتساب. علاقته الجيدة مع باسيل لا تمنع تمايزه في المواقف، إذ يتجادلان ويتقارعان إلى حدّ الزعل أحياناً. وهو ما يعتبره البعض تبادل أدوار بينهما وحسب.
كان تصويته لبرّي بسبب قناعته بدوره. كان التناغم بين الرئيس ونائبه واضحاً بعد الانتخاب مباشرة. منذ جلس بوصعب مكان برّي لخروجه من القاعة، ولدى عودته منعه من تغيير مكانه، ووقف خلفه يراقب عمله، ولأجله طلب من الأمين العام للمجلس “إعمل ما يطلبه منك الياس”.
إقرأ أيضاً: بو صعب مرشّح توافقي “مدعوم” من التيّار؟
باعتراف عارفيه كما الخصوم في السياسة أوجد بوصعب “لنفسه مساحة متمايزة، فيما الطرفان ينتظران منه “مدّ جسور التلاقي”. عند سؤاله عن سبب انتخابه قال النائب طوني فرنجية: “يكفي أنّ زوجته جوليا”.
اختبر الكلّ بوصعب في محطات وأدوار متنوّعة، إلا أنّ جوليا سبقت محبّيه جميعاً إلى امتداحه، فغنّت له: إنت أحسن ألطف أشرف إنسان بلاقيك…