أنقرة – الرياض: سيناريوهات المصالحة تنتظر مصر؟

مدة القراءة 7 د

تتطلّع القيادة السياسية التركية إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الدول العربية والإقليمية وإعادة الأمور إلى سابق عهدها كما كانت عليه قبل عقد وأكثر في محاولة لطمر رواسب خلافات وتباعد سياسي واقتصادي وأمنيّ أضرّ بمصالح تركيا وحساباتها في المنطقة.

وضعت أنقرة الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للمملكة العربية السعوديّة في سياق تسريع المصالحة مع العديد من دول المنطقة التي انطلقت بها تركيا قبل أكثر من عام.

بعد أقلّ من أسبوعين على لقائهما في مدينة جدّة، أجرى الرئيس التركيّ اتصالاً هاتفيّاً مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك للاطمئنان على صحّة العاهل السعوديّ الملك سلمان بن عبد العزيز، معرباً عن تمنّياته للملك سلمان بالشفاء العاجل. ويأتي الاتصال الهاتفي بين الجانبين عقب ساعات من مكالمة هاتفية أخرى بين وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو ونظيره السعودي فيصل بن فرحان لبحث العلاقات الثنائية والإقليمية.

يعتقد البعض أنّ فتح الأبواب أمام إردوغان في زيارة جدّة الأخيرة سببه التحوُّل الذي حصل في ملفّ جريمة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وتراجع التوتّر في ملفّات خلافية تتقدّمها الأزمة الخليجية

فهل هي عجلة المصالحة؟

نعم.

فهل هي عجلة التطبيع أيضاً؟

يعتقد البعض أنّ فتح الأبواب أمام إردوغان في زيارة جدّة الأخيرة سببه التحوُّل الذي حصل في ملفّ جريمة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، وتراجع التوتّر في ملفّات خلافية تتقدّمها الأزمة الخليجية وزوال ارتدادات “الربيع العربي”، وتقلّص التباعد في قضايا إقليمية، بينها سياسات تركيا الليبية والسورية والعراقية. لكنّ الواقع يقول إنّ الرياض لم تتعامل مع الزيارة بالدرجة نفسها من الحماسة والاندفاع التركيَّيْن السياسيَّين والإعلاميَّين،

وإنّ الإجابة على التساؤل التالي: هل تأتي الزيارة تلبيةً لرغبة إردوغان كما قال الإعلام السعودي أم استجابةً لدعوة سعودية وُجِّهت للرئيس التركي؟ الإجابة مؤجّلة بانتظار الكشف عمّا هو أهمّ من ذلك، والمقصود هنا هو فحوى الزيارة ونتائجها التي ستكون حتماً أبعد من فتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية وإنهاء مقاطعة السلع التركية في السعودية والاستعداد لاستقبال أساطيل الطائرات السعودية التي ستنقل ربع مليون سائح سعودي إلى إسطنبول خلال المرحلة المقبلة كما هو متوقّع في تركيا.

 

إعادة تموضع تركي

تحاول أنقرة منذ أشهر طويلة رسم خارطة تموضع إقليمي جديد في سياستها الخارجية، وإعادة بناء منظومة علاقات جديدة مع دول المنطقة. فهل يكون من الممكن الانتقال من تصعيد وتباعد مكلف مع القاهرة والرياض وأبوظبي لسنوات، إلى تعويل على تسجيل اختراقات سياسية ودبلوماسية باتّجاه حماية الخيط الرفيع في علاقات الخصومة والصداقة في وقت واحد؟

المسألة ليست بمثل هذه البساطة، خصوصاً عندما يكون الهدف هو نسيان الماضي والعودة بالعلاقات إلى المربّع الأوّل الذي كان قائماً قبل عقد.إذ  تسعى تركيا إلى الخروج من ورطة مواقفها وسياساتها وقراراتها التي كانت مكلفة على علاقاتها بعواصم المنطقة، لكنّ الواقع يقول أيضاً بضرورة قبول الكثير من المتغيّرات والمعادلات في المواقف والطروحات والسياسات المعتمدة اليوم بالمقارنة مع ما كانت عليه الأمور قبل 10 سنوات.

من بين أهداف حزب العدالة والتنمية تجيير لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة لمصلحة إخراج تركيا بأسرع ما يكون من أزماتها الاقتصادية والماليّة وتحويل سياسة المصالحة إلى فرصة لإبقاء الحزب على رأس هرم القيادة وهو في الطريق إلى انتخابات برلمانية ورئاسية بعد عام. بيد أنّ العقبة هي معرفة أين وكيف ستتوقّف لعبة خلط الأوراق التي ستطول الكثير من التفاهمات والتسويات في ملفّات حسّاسة وبالغة السخونة، بينها انفجار الوضع في أوكرانيا وتصلّب الرئيس الأميركي جو بايدن في سياساته الإقليمية وتعتيم واشنطن على أهداف استراتيجيّتها الجديدة التي تُقلق كثيرين، خصوصاً في شقّها المتعلّق بالتعامل مع الملفّ النووي الإيراني.

 

من يتراجع أوّلا؟

في الوقت الذي كان الأتراك يبدون فرحاً كبيراً للزيارة، اختار الجانب السعودي البقاء في وضعيّة أمّ العروس. فيما تتحاشى الرياض التعقيب والحديث عمّا يجري بانتظار شيء ما. فما الذي يدفع السعودية إلى التريّث؟ وما الذي تعوِّل عليه قبل الخروج عن صمتها؟

ليست المشكلة في البحث عن الطرف الذي يتراجع أو يعدِّل من سياساته وقراراته قبل الآخر، بل في قبول حقيقة ولادة منظومة علاقات وبروز لعبة توازنات ومعادلات إقليمية جديدة فرضتها التطوّرات السياسية والأمنيّة والاقتصادية ولا يمكن تجاهلها.

 وفي الآتي تخمينات وتوقّعات لا أكثر:

– عندما تقول لنا إحدى أهمّ الفضائيّات الإخبارية في السعودية إنّ زيارة إردوغان تمّت بناء على رغبته، وإنّ القيادة السعودية استجابت لهذه الرغبة، ولا نسمع بتصحيح للمعلومة التي تأتي بعكس ما قيل لنا في أنقرة حول دعوة سعودية وُجِّهت إلى إردوغان، فهذا يعني أنّ هذه العجنة ما زالت تحتاج إلى الكثير من الوقت لترتاح وتختمر، وأنّ إزالة أسباب التوتّر في العلاقات بين البلدين لن تكتمل بمثل هذه السرعة.

– أنقرة هي مصدر معظم التصريحات المتعلّقة بالمسار الجديد في العلاقات بين البلدين. لا يتحدّث الجانب السعودي أو يُعقِّب كثيراً على ما يجري. تتطلّع السعودية، كما يبدو، إلى ما هو أبعد من فتح أبواب الحوار مع تركيا وزيارة إردوغان جدّة.

– صحيح أنّ صفحة الساحة التركية المفتوحة أمام الإخوان المسلمين طُويت ولم يعُد للقيادات والكوادر فرص الحراك السياسي والإعلامي في المدن التركية، وأنّ الحديث يدور منذ أشهر عن الانتقال إلى دول أخرى يتردّد بينها اسم إيران وماليزيا أكثر من غيرهما، وأنّ الرغبة المشتركة في الانفتاح والتهدئة ربّما تكون موجودة… لكنّ تجاوز أسباب الخلافات والحديث عن تطبيع ومصالحة شاملين يعيدان الأمور إلى ما كانت عليه قبل سنوات يحتاج إلى حوار طويل ومفصَّل، ليس فقط في الملفّات الثنائية، بل والعربية والإقليمية أيضاً.

– من المبكر جدّاً القول إنّ الزيارة أنهت ملفّات الخلاف والتباعد الثنائي والإقليمي. علينا التريّث بعض الوقت لنعرف كيف ستُترجَم نتائج الزيارة في القاهرة وأبو ظبي وليبيا والعراق أيضاً.

 

دور مصر و”الشرط” العربي

– يردّد الرئيس التركي أنّ زيارته “نجحت في طيّ صفحة خلافات استمرّت 3 سنوات بين الرياض وأنقرة”. لكنّ القيادة السعودية ستعوِّل أيضاً على ما قاله إردوغان بشأن التقارب مع مصر. فهل تريد الرياض أن ترى زيارة مماثلة من إردوغان إلى القاهرة كما حدث في ملفّ التقارب التركي الإماراتي والتركي السعودي لتبدأ في تليين مواقفها؟ هل الرسالة السعودية هي أنّ أيّ تقارب وانفتاح مع أنقرة سيمرّان عبر خط التنسيق الاستراتيجي الثلاثي السعودي المصري الإماراتي؟

– الأمن القومي العربي وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية سيكون لهما الأولويّة في كلّ حوار تركي عربي بعد الآن. ستكون المسائل مرتبطة بالمشهد في سوريا وليبيا والعراق ولبنان أيضاً.

– العامل الشخصي مهمّ طبعاً في تحسّن العلاقات وتجاوز الخلافات، لكنّ أصواتاً كثيرة في العواصم العربية تردِّد أنّ الضامن الوحيد لحماية الانطلاقة الجديدة هو تفعيل دور المؤسّسات الرسمية والحكومية في وضع الخطط المؤدّية إلى استمراريّة وتحصين العلاقات والمصالح المشتركة.

– بمقدور تركيا أن تلعب أوراق ثقلها الاقتصادي والعسكري والتسويق لمنتجاتها الحربية، وربّما التصنيع المشترك في المرحلة المقبلة، لكنّ إنجاز خطوات من هذا النوع يشترط أن تلازمه تفاهمات سياسية وأمنيّة. أيّ حوار تركي سعودي يُراد له أن يفتح الطريق أمام مسار إيجابي جديد يُسهِّل الوصول إلى تفاهمات مشتركة تدشّن مرحلةً جديدة، سيتطلّب أوّلاً تحقيق إنجازات سياسية وأمنيّة قبل الحديث عن أيّ تقدُّم في العلاقات الاقتصادية والتجارية.

إقرأ أيضاً: تركيا: اتفاقية “لوزان”… خطأ شائع أم توليف مقصود؟

– من الممكن الحديث عن انفراجة، غير أنّ التطبيع سينتظر بعض الوقت لأنّ الكثير من أسباب الخلاف ما زال في مكانه ينتظر مَن يرفعه. المطلوب هو مواقف تُنهي الخلافات لا مواقف تجمِّدها. تركيا ذاهبة إلى الانتخابات في حزيران 2023، وهو أمر ربّما يخفّف حماسة واندفاع البعض.

مواضيع ذات صلة

سيادة الرئيس.. نتمنى أن نصدقك

“لو كنتُ رئيساً للولايات المتحدة، لما اندلعت حرب أوكرانيا وغزة” هذا صدر البيت.. أما عجزه، فسوف يوقف الفوضى في الشرق الأوسط، وسيمنع اندلاع حرب عالمية…

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….