أخطر ما يهدّد العالم اليوم هو ضغط عنصر الوقت على مصائر البلاد والعباد.
الجميع، وأعني بذلك الجميع، من بكين إلى موسكو، ومن باريس إلى لندن، ومن طوكيو إلى سيول، ومن أبوظبي إلى الرياض، ومن القاهرة إلى بيروت، تحت التأثير المباشر لنفاد وتيرة عنصر الزمن الكافي لمواجهة التحدّيات.
كان نابليون بونابرت يؤمن في فتوحاته وغزواته الأوروبية أنّ عدوّه الحقيقي ليس جيشاً أو شخصاً أو زعيماً، لكنّه ما سمّاه بـ”الجنرال وقت”!
تأمّلوا معي تأثير “الجنرال وقت” على مسار العالم الآن.
الوقت عند بوتين جوهري في استنزاف المدن الأوكرانية على الأرض، وأساسي أيضاً كعنصر ضغط على الاقتصاد الروسي في ظلّ عقوبات غير مسبوقة في التاريخ
في البدء علينا أوّلاً أن نعطي التعريف العلمي للوقت: “مقدار من الزمن معروف، وهو وحدة قياس دوران الأرض حول محورها، ودورانها حول الشمس”.
والوقت هو ميقات الالتزام بين الأفراد والمصالح والدول بالتزامات من كلّ نوع، لذلك يصبح عنصراً ملزماً ومؤثّراً.
– في الولايات المتحدة الأميركية الآن يواجه الرئيس جو بايدن “الجنرال وقت” في ضغوط انتخابات مجلسَيْ الشيوخ والنواب من ناحية، ومدى مقاومة حالته الصحية والبدنية لتحدّيات المنصب، وإمكانية أن تؤهّله حالته هذه لولاية رئاسية ثانية.
– في موسكو يضغط “الجنرال وقت” على الرئيس فلاديمير بوتين من أجل فرض شروطه على مسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا.
الوقت عند بوتين جوهري في استنزاف المدن الأوكرانية على الأرض، وأساسي أيضاً كعنصر ضغط على الاقتصاد الروسي في ظلّ عقوبات غير مسبوقة في التاريخ.
وكان بوتين يحتاج إلى إطالة الوقت كي يكسر الجهة الأوكرانية، ويُثبّت سيطرته في الشرق والساحل الأوكراني، بينما يريد في الوقت نفسه إنهاء الزمن بأسرع وقت حتى يوقف نزف الخسائر الاقتصادية في بلاده.
كذلك فإنّ الوقت بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني مسألة حياة أو موت. لأنّه يراهن بكلّ ما أوتي من قوّة على إطالة صموده العسكري على مسرح العمليات، أمام الضربات العسكرية الموجعة.
يراهن الرئيس الأوكراني على أن يهزم زمن صموده، إذا تحقّق، زمن قدرة بوتين على مواجهة العقوبات، أو على أقلّ تقدير أن يتمكّن من تخفيف فاتورة التنازلات والخسائر حينما يجلس مع بوتين إلى طاولة المفاوضات.
فرنسا وبريطانيا وألمانيا
– “الجنرال وقت” يضغط على إيمانويل ماكرون في فرنسا من أجل تحسين متطلّبات الحياة للشعب الفرنسي المتمرّد دائماً، وتنفيذ وعوده الانتخابية التي فشل في تلبيتها خلال فترته الرئاسية الأولى.
– “الجنرال وقت” يضغط على بوريس جونسون كي تُثبت حكومته أنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي هو أفضل من استمرار التقيّد به، وأنّ ثماراً حقيقية لهذا الخروج يمكن أن تظهر بشكل إيجابي على مستوى حياة المواطن البريطاني.
– “الجنرال وقت” يضغط أيضاً على ألمانيا ومستشارها الجديد بسبب ضغوط واشنطن على برلين للتوقّف عن استيراد الغاز الروسي الذي يمثّل 60 في المئة من احتياجات الغاز الألماني، وهذا الاحتياج يضغط على ألمانيا حتى العام 2027.
إيران ولبنان وتونس
“الجنرال وقت” يضغط على إيران التي تعيش حالة عقوبات قاسية منذ العام 2016 تؤثّر على ارتفاع البطالة، وتهدّد قيمة عملتها الوطنية، وترفع الأسعار، وتجعل تفاصيل الحياة صعبة عليها.
“الجنرال وقت” في طهران له تأثيره لأنّه يمثّل صراعاً أكبر بين أنصار إنجاز اتفاق بأسرع وقت في فيينا، وبين أنصار تأجيله إلى حين معرفة ما ستحقّقه إدارة بايدن في انتخابات التجديد في مجلسَيْ الشيوخ والنواب فس تشرين الثاني “نوفمبر” المقبل. لأنّه لا جدوى من الرهان على رئيس ديمقراطي يحكم في ظلّ أغلبية من الحزب الجمهوري المعارض في المجلسين.
– في لبنان يراهن الجنرال عون وصهره على إطالة زمن حكمه، بحيث يحصل على تمديد إضافي لمدّة رئاسته إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون الرئيس المسيحي الماروني المقبل هو جبران باسيل.
– في تونس يراهن الرئيس التونسي على سرعة حسم الصراع مع حزب النهضة الإخواني قبل أن يقلب الحزب الطاولة عليه، ويحرّك الشارع ضدّه تحت دعاوى تدهور الوضع الاقتصادي وانتهاك الرئيس لسلطاته الدستورية.
السعودية والإمارات ومصر
– في السعودية يصارع وليّ العهد السعودي ضرورة إنجاز الجدول الزمني لرؤية 2030 بكلّ تحدّياتها، وإنجاز مشروع نيوم العملاق كي يُثبّت أركان إنجازاته، ويؤكّد انتقال الحكم في البلاد بنجاح من جيل أبناء الملك المؤسّس إلى جيل الأحفاد.
– في الإمارات يسعى الشيخ محمد بن زايد إلى إنجاز مشروعه التحديثي الضخم لدولة الإمارات كدولة إقليمية مؤثّرة، ذات قوّة ردع عسكرية قادرة على فرض إرادتها في منطقة شديدة الصراعات، ممتلئة بالتقلّبات والاضطرابات.
من هنا يسعى الشيخ محمد إلى إقامة شبكة تحالفات إقليمية ودولية، تحافظ على مصالح بلاده العليا وتدعم أمنها القومي.
– في مصر يسعى الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى مواجهة “الجنرال وقت” لإنجاز حلمه الإبداعي المعروف بـ”الجمهورية الجديدة”، في ظلّ تحدّيات حدودية مع ليبيا والسودان وصراعات في منطقة مضطربة من اليمن إلى غزّة وإلى إثيوبيا.
يواجه الرئيس المصري الجنرال وقت بشجاعة كي يعيد بناء الاقتصاد المصري الذي يدفع فاتورة تعقيدات وكوارث على مدى أكثر من 70 عاماً.
– يسعى الرئيس المصري إلى أن تكون التأثيرات الإيجابية واضحة قبيل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024.
– في اليمن يسعى الحوثي إلى تكبيد خصوم إيران أكبر قدر من الخسائر للضغط على الموقف التفاوضي في الملف النووي بفيينا.
– في بيروت يسعى حزب الله إلى استخدام “الجنرال وقت” في إدارة التدهور في البلاد، بحيث ينهار الجميع ولا يبقى على الساحة إلا وجوده المدعوم من إيران.
إقرأ أيضاً: “العار السياسيّ” لكبار هذا العالم!
وفي سوريا يراهن الرئيس السوري على أنّ الزمن وحده هو القادر على القبول باستمرار حكمه عقب التراجيديا الدموية للحرب الأهليّة.
“الجنرال وقت” هو أقوى جنرالات المرحلة، إذ يضغط على الجميع بلا هوادة، فيراهن البعض على إطالته، ويراهن البعض الآخر على سرعة نفاده.
حقاً “الوقت كالسيف، إن لم تقطعه، قطعك”!