أعلنت المملكة العربية السعودية عودة سفيرها السيد وليد البخاري إلى بيروت وذلك “استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان”. والأمر نفسه فعلته الكويت.
وبالفعل فإنّ عودة السفير السعودي هي انتصار للأطراف المعتدلة، والاعتدال، ولمفهوم الدولة. وما لم تكن هناك مبرّرات أمنيّة حقيقية لمغادرة السفير فأنا من أنصار أن يكون سحب السفير، في أيّ مكان، هو الكيّ الذي يأتي آخر العلاج.
كلّنا يعلم أن لا حلول سحريّة للبنان، ولا علاج فوريّاً لأنّ الدولة مختطَفة بسلاح حزب الله، إلا أنّ ذلك لا يعني ترك لبنان لقمة سهلة للتطرّف والمتطرّفين المحسوبين على إيران، أو لفساد الفاسدين هناك.
كلّنا يعلم أن لا حلول سحريّة للبنان، ولا علاج فوريّاً لأنّ الدولة مختطَفة بسلاح حزب الله، إلا أنّ ذلك لا يعني ترك لبنان لقمة سهلة للتطرّف والمتطرّفين المحسوبين على إيران، أو لفساد الفاسدين هناك
السؤال الآن: هل عودة السفيرين السعودي والكويتي تكفي لنصرة الاعتدال والمعتدلين؟ الإجابة لا. فالمطلوب أكثر، وليس المقصود هنا الدعم المالي، حيث لا يعقل أن نموّل دولة مختطَفة بسلاح حزب الله، وكأنّنا نموّل عدوّ لبنان والعرب.
ماذا نحتاج؟ وردت في البيانين المتطابقين للخارجية السعودية والكويتية إشارة لافتة إلى أهميّة لبنان وعودته إلى محيطه العربي. ولتحقيق ذلك، ومن أجل دعم “نداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان”، وكلّ المنطقة، يجب أن نبدأ بخطوات تأسيسية.
أولى تلك الخطوات تنظيم مؤتمر للمعتدلين العرب، يوسَّع لاحقاً للمعتدلين بالعالم الإسلامي، في العاصمة الرياض. ويكون مؤتمراً للعرب المعتدلين، مسلمين ومسيحيين، وسُنّة وشيعة، ومن كلّ الفرق.
المعتدلون اليوم بأمسّ الحاجة إلى تجمّع ودعم ثقافي وفكري وإعلامي، بكلّ أنواعه، من الصحافة إلى الكتب، مروراً بالتلفاز، لإيصال صوت الاعتدال وترسيخه، والخروج بأفكار خلّاقة.
ويجب أن لا يكون إعلامنا العربي، مثلاً، منصّةً للتفرقة وصوتاً للمتطرّفين والمتشدّدين ودعاة تدمير الدول، بل العكس تماماً. وهذا لا يتمّ عبر “شلليّة” أو رغبات شخصيّة. فالواجب أن نضمن للمعتدلين منصّة يعبّرون منها عن أهميّة الاعتدال والدولة الوطنية. وذلك لا يتحقّق إلا تحت مظلّة جامعة تبدأ بمثل هذا المؤتمر، ودعنا نسمّيه، مثلاً، مؤتمر الاعتدال العربي، من دون أيّ مرجعية دينية أو فكرية، وإنّما لكلّ معتدل حريص على مفهوم الدولة.
خذ مثلاً العراق. هناك رفض شعبي لجماعات الإسلام السياسي، والجماعات المسلّحة، ورفض لأتباع إيران، ورغبة جادّة بترسيخ مفهوم الدولة، وهو أمر مدعوم من النجف، وسماحة السيد علي السيستاني. وبذل العراقيون من أجل ذلك الغالي والنفيس، ويحتاجون إلى الدعم.
أمّا في لبنان فالأمر مختلف، فقد أُنهك المعتدلون هناك بسبب الاغتيالات، وسطوة سلاح حزب الله، وفساد الساسة. وفي سوريا وليبيا الوضع أسوأ. وفي اليمن تقوم السعودية بجهد جبّار لدعم الاعتدال.
ومثلما كانت عودة السفيرين السعودي والكويتي “استجابةً لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة”، فالمأمول أن يُصار إلى تنظيم تجمّع لقوى الاعتدال في المنطقة بشكل سنوي، حيث نستمع لهم، ونوصل أصواتهم، ونضمن لهم المساحة المطلوبة، ونستفيد من أفكار “خارج الصندوق”، وليكن مشروعنا واضحاً، بمعنى أن يكون تجمّع المعتدلين مقابل تجمّع الميليشيات.
إقرأ أيضاً: عودة العرب: سُنّة لبنان يلتقطون أنفاسهم؟
هذه خطوة بسيطة، لكنّ نتاجها سيكون له تأثير أيّ تأثير على المنطقة. ودائماً ما أقول يجب أن لا نترك العقلاء في غربة، ولا بدّ من حاضنة للعقلاء والمعتدلين.