مؤتمر الرياض وإعادة تشكيل “الشرعيّة” اليمنيّة

مدة القراءة 6 د

ما الذي يمكن أن يسفر عنه الحوار اليمني – اليمني الذي دعا مجلس التعاون لدول الخليج العربي إلى عقده في الرياض ابتداء من التاسع والعشرين من آذار الجاري؟

سيعتمد الكثير على مشاركة الحوثيين (جماعة أنصار الله) في هذا الحوار. لا أمل، إلى الآن، في مثل هذه المشاركة في ظلّ موازين القوى القائمة على أرض اليمن. كانت مثل هذه المشاركة ستعني أنّ إيران مستعدّة للبحث في مستقبل اليمن مع دول مجلس التعاون الستّ من زاوية إعادة النظر في ما تعتبره إنجازاً تحقّق لها، بفضل الحوثيين، في شبه الجزيرة العربيّة. في النهاية، حوّلت “الجمهوريّة الإسلاميّة” جزءاً من اليمن إلى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة تعمل من خلالها على ابتزاز الدول الخليجية، في مقدّمها المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الإمارات العربيّة المتحدة.

مرّت سبع سنوات على “عاصفة الحزم”. تبيّن ان نقطة الضعف الأولى كانت في “الشرعيّة”، في الرئيس المؤقت عبد ربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح

في غياب مفاجأة من النوع الثقيل، يبقى جانبان مهمّان لمؤتمر الرياض. أوّلهما إعادة التركيز على اليمن ومأساته، والآخر إعادة تشكيل “الشرعيّة” القائمة منذ شباط 2012.  أثبتت تلك “الشرعيّة” فشلاً ليس بعده فشل على كلّ صعيد، خصوصاً في مجال مواجهة الحوثيين. كان لا بدّ من إخراج لعمليّة إعادة تشكيل “الشرعيّة”. يمكن لمؤتمر الرياض أن يكون فرصة لا تُعوّض لإعادة النظر في “شرعيّة” عاجزة لا أكثر.

استطاعت إيران في ضوء جهود استمرّت سنوات طويلة إيجاد قاعدة صواريخ ومسيّرات في شمال اليمن. كان يمكن أن يكون اليمن كلّه تحت السيطرة الإيرانيّة لولا الحرب الدفاعيّة التي شنّها التحالف العربي في مثل هذه الأيّام من العام 2015 ردّاً على الاستفزازات الحوثيّة تحت عنوان “عاصفة الحزم”.

لولا تلك الحرب الدفاعيّة، لَما انكفأ الحوثيون الذين يسمّون أنفسهم “جماعة أنصار الله” عن مناطق عدّة، من بينها عدن، عاصمة الجنوب، وميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، أي بحركة الملاحة في البحر الأحمر وبحركة المرور في قناة السويس.

يمكن الخوض في جدل طويل في شأن ما حقّقته “عاصفة الحزم” وما لم تحقّقه وفي تفنيد أخطاء كثيرة اُرتُكبت، بما في ذلك الخلط في مرحلة معيّنة بين علي عبدالله صالح والحوثيين اللذين تحالفا ظاهراً، لكن كانت بينهما خلافات كبيرة في العمق. أدّت هذه الخلافات إلى اغتيال الحوثيين للرئيس السابق في الرابع من كانون الأوّل 2017. 

لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ تلك الحرب كانت دفاعيّة وجاءت ردّاً على الاستفزازات الحوثيّة في مرحلة ما بعد وضع اليد الإيرانيّة على صنعاء في 21 أيلول 2014.

مرّت سبع سنوات على “عاصفة الحزم”. تبيّن أنّ نقطة الضعف الأولى كانت في “الشرعيّة”، في الرئيس المؤقّت عبد ربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح. كان علي محسن صالح الشريك في السلطة طوال سنوات، وذلك قبل انقلابه على الرئيس الراحل في شباط 2011. لم تستطع هذه “الشرعيّة” تحقيق أيّ انتصار عسكري في أيّ مكان من اليمن، وذلك منذ باشر الحوثيون زحفهم في اتّجاه صنعاء، عبر محافظة عمران، صيف العام 2014.

غابت المأساة اليمنيّة، وهي مأساة شعب مقهور يعاني من الفقر والجوع والمرض، عن الشاشة العربيّة والإقليمية. غابت هذه المأساة في ضوء الحرب الاوكرانيّة. ما لا يمكن ان يغيب هو الحاجة الى نقطة انطلاق تستكمل ما تحقّق عسكريا بفضل التحالف العربي

ما حدث أخيراً، بعد تطهير قوات العمالقة محافظة شبوة من الحوثيين وتحقيق هذه القوات اختراقات في مأرب مع ما يعنيه ذلك من كسر للحصار على مدينة مأرب نفسها، يدعو إلى طرح تساؤلات.

من بين هذه التساؤلات: لماذا نجحت قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، ولماذا فشل جيش “الشرعيّة” الذي صُرفت عليه أموال طائلة تُقدّر بمئات ملايين الدولارات، وثمّة من يقول مليارات الدولارات، وزُوّد بآليّات عسكرية كان ممكناً أن تساعده في مواجهة الحوثيين بدل التركيز على قوى يمنيّة أخرى، خصوصاً في عدن؟

ما حقّقته قوات العمالقة فضيحة ليس بعدها فضيحة لـ”الشرعية” اليمنية التي يتبيّن يوميّاً أن لا علاقة لها بأيّ نوع من الشرعيّات.

يفرض الفشل المكرّر لـ”الشرعيّة” إعادة النظر في تشكيلها. ذلك هو التحدّي الذي يواجه مؤتمر الرياض. ما الفائدة من رئيس مؤقّت، كان مفترضاً تغييره بعد عامين، أي في العام 2014، عندما لا يكون هذا الرئيس قادراً على الذهاب إلى مسقط رأسه في محافظة أبين؟ ما الفائدة من جيش جرّار لم يستغلّ أيّ فرصة سنحت له من أجل تغيير الواقع الذي فرضه الحوثيون على الأرض، أكان ذلك في تعز أو في مأرب أو الجوف إلخ…؟

هذا غيض من فيض المآخذ على “شرعيّة” لا فائدة تُذكر منها، “شرعيّة” غير قادرة على ممارسة مهمّاتها من الأرض اليمنيّة. إنّها “شرعيّة” يسيطر عليها الإخوان المسلمون (جماعة حزب الإصلاح اليمني) وتمتلك قنوات اتصال مع الحوثيين. هي تناسبهم وهم يناسبونها.

غابت المأساة اليمنيّة، وهي مأساة شعب مقهور يعاني الفقر والجوع والمرض، عن الشاشة العربيّة والإقليمية. غابت هذه المأساة في ضوء الحرب الأوكرانيّة. ما لا يمكن أن يغيب هو الحاجة إلى نقطة انطلاق تستكمل ما تحقّق عسكرياً بفضل التحالف العربي منذ آذار 2015.

إقرأ أيضاً: أوكرانيا غيّرت العالم… هل تتغيّر أميركا؟

تبدو الحاجة، أكثر من أيّ وقت، إلى رؤية سياسية تواكب إعادة تشكيل “الشرعيّة” سياسياً وعسكريّاً. من الظلم بقاء الشعب اليمني أسير الحوثيين الذين لا يمتلكون ما يروّجون له وما يفرضونه على الأرض غير الجهل والبؤس من جهة، وأسير “شرعيّة” عاجزة عن توفير أيّ أمل بكسر الحلقة المقفلة التي يدور فيها اليمن من جهة أخرى.

يدور اليمن في حلقة مقفلة منذ سنوات عدّة بعدما نفّذ الإخوان المسلمون انقلابهم على علي عبدالله صالح من دون إدراك أنّ الحوثيين سيتحوّلون إلى الطرف المستفيد الأوّل والأخير من هذا الانقلاب. تحتاج هذه الحلقة المقفلة إلى من يكسرها لا أكثر ولا أقلّ. نقطة الانطلاق معروفة ولا يمكن أن تكون بغير إعادة تشكيل “الشرعيّة”. مؤتمر الرياض فرصة لتحقيق هذا التغيير الذي يُفترض أن تكون له نتائجه على الأرض!  

مواضيع ذات صلة

سورية القويّة وسورية الضعيفة

سورية القويّة، بحسب ألبرت حوراني، تستطيع التأثير في محيطها القريب وفي المجال الدولي. أمّا سورية الضعيفة فتصبح عبئاً على نفسها وجيرانها والعالم. في عهد حافظ…

الرّياض في دمشق بعد الفراغ الإيرانيّ وقبل التفرّد التركيّ؟

سيبقى الحدث السوري نقطة الجذب الرئيسة، لبنانياً وإقليمياً ودوليّاً، مهما كانت التطوّرات المهمّة المتلاحقة في ميادين الإقليم. ولا يمكن فصل التوقّعات بشأن ما يجري في…

الرّافعي لـ”أساس”: حلّ ملفّ الموقوفين.. فالقهر يولّد الثّورة

لم يتردّد الشيخ سالم الرافعي رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان في الانتقال إلى دمشق التي لم يزُرها يوماً خوفاً من الاعتقال. ظهر فجأة في…

أكراد سوريا في بحث جديد… عن دور ومكان

لم يعرف الأكراد منذ أن وُجِدوا الاستقرار في كيان مستقلّ. لم يُنصفهم التاريخ، ولعنتهم الجغرافيا، وخانتهم التسويات الكبرى، وخذلتهم حركتهم القومية مرّات ومرّات، بقدر ما…