الحائك الإيرانيّ والسجّادة العراقيّة: العبادي مرشّح توافق؟

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ حائك السجّاد الإيراني قرّر أن يكشف عن خريطة الخيوط التي عكف على تجميعها وتوصيلها خلال الأشهر الخمسة الماضية لرسم الصورة التي يريدها على الساحة السياسية العراقية وترتيب مشهد ما بعد نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في 10/10/2021.

التطوّرات المتسارعة، التي شهدتها الساحة العراقية في الأيام الأخيرة، أوضحت الصورة النهائية لِما ستكون عليه السجّادة السياسية وتركيبة السلطة وتوزيع المواقع بين القوى العراقية المسيطرة على المشهد داخل كلّ مكوّن من المكوّنات المتحكّمة والممسكة بالعملية السياسية.

بدأ الحديث عن ملامح جدّيّة لتفاهمات داخل المكوّن الشيعي بقطبيْه التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” (القريب من إيران) بعد اتصال مقتدى الصدر برئيس الوزراء الأسبق وزعيم كتلة دولة القانون والأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي. ثم تسرّبت أخبار عن لائحة جديدة لأسماء مرشّحين لتولّي منصب رئاسة الوزراء ليس فيها اسم الرئيس الحالي مصطفى الكاظمي.

الرسالة الإيرانية الأهم هي عدم السماح لأيّ من القوى الإقليمية بقلب المعادلة التي نسجت خيوط سجّادتها طهران بكلّ صبر وتأنٍّ

جعفر الصدر؟

طرح مقتدى الصدر اسم سفير العراق في بريطانيا جعفر الصدر من قبل. وهو يحمل رمزية مزدوجة، من جهة للتيار الصدري، ومن جهة أخرى لقوى الإسلام السياسي. فهو نجل الزعيم الديني المرجع محمد باقر الصدر الذي يُعتبر مؤسّس حزب الدعوة. حزب يُعتبر الأب الروحي لجميع الأحزاب الشيعية العراقية. كما طُرِحَ اسم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي قد يكون الاحتمال الأكثر رجحاناً في حال أعلن جعفر الصدر عزوفه عن تولّي هذه المهمة.

مُسارعة المالكي ومعه أحزاب “الإطار التنسيقي” إلى الردّ الإيحابي السريع على مبادرة الحلّ التي طرحها الصدر، فتحا الطريق أمام بداية البحث الجدّيّ في صياغة حلّ شامل لمسألة تشكيل الحكومة العتيدة، بالإضافة إلى وضع آليّة لحلّ معضلة الكتلة الشيعية الكبرى: فإمّا أن تذهب هذه القوى متفاهمة ومتحالفة من دون الاندماج في صيغة سياسية واحدة، لكنّها تكون تحت سقف البيت الشيعي الموحّد، أو تعلن تحالفاً جديداً يضمن للكتلة الصدرية مع الإطار التنسيقي تشكيل أغلبية شيعية لا تتعارض مع الشعار الذي رفعه الصدر وتمسّك فيه بمشروع تشكيل “حكومة أغلبية وطنية” مع حلفائه في المكوّن الكردي الحزب الديمقراطي وتحالف السيادة في المكوّن السنّيّ (عزم وتقدّم).

حيدر العبادي؟

عودة العبادي إلى دائرة المرشّحين، بقوّة هذه المرّة، تأتي مدعومةً من التيار الصدري المَدين للعبادي إثر خذلانه بعد انتخابات عام 2018. وبعد إسقاط المالكي “الفيتو” الذي رفعه بوجهه، لاعتبارات خاصة بالمالكي، الذي اعتبر عام 2014 أنّ وصول العبادي إلى رئاسة الحكومة جاء على حساب ولايته الثالثة. بالإضافة إلى أنّ العبادي ابتعد نسبيّاً خلال رئاسته للوزراء من أن يكون ممثّلاً لحزب الدعوة من أجل خيار وطني توازني أخرجه من دائرة الحزبيّة إلى الفضاء الوطني والعمل لإعادة ترميم مؤسسات الدولة والسلطة الإدارية والعسكرية والأمنيّة.

لم يأتِ من فراغ الاتصالُ الذي بادر مقتدى الصدر إلى إجرائه مع المالكي. ولم يكن وليد لحظة “تخلٍّ” عاشها الصدر. بل جاء نتيجة تشابك عدّة عوامل داخلية وإقليمية ودولية وضعت العملية السياسية العراقية في مجملها في دائرة خطر ينذر بإمكانية خسارة كلّ شيء.

تماسك “الإطار التنسيقي” بدعم من إيران، وبوصية مباشرة من المرشد الأعلى في طهران بوجوب وحدة الصفّ والبقاء كتلة واحدة في مواجهة ضغوط الأطراف الأخرى، المدعومة من دول إقليمية عربية وغير عربية لفرض رؤيتها وإرادتها على المشهد السياسي العراقي تماسكٌ أسقط جميع الجهود التي راهن الصدر عليها في إحداث شرخ داخل الإطار واستقطاب جزء منه على حساب استبعاد الطرف الأقوى فيه، وهو المالكي، تمهيداً للذهاب إلى تشكيلة سلطوية تنسجم مع رغبة الصدر والتحالف الذي يضمّه.

هذا التماسك داخل قوى الإطار التنسيقي أصاب مشروع الصدر، وأُضيفت إليه قرارات المحكمة الاتحادية التي استهدفت في الصميم مشروع حليفه الكردي الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني، بعد استبعاد مرشّحه الوحيد لمنصب رئاسة الجمهورية هوشيار زيباري. كلّ هذا دفع الركنين الرئيسيّين في التحالف الثلاثي، أي الصدر وبارزاني، إلى إعادة تقويم الموقف والبحث عن مخارج تخدم رؤيتهما وجهودهما في فرض أمر واقع سياسي لمصلحتهما، وتسمح بفتح نافذة لإخراج العملية السياسية من الانسداد الذي وصلت إليه.

التماسك داخل قوى الإطار التنسيقي أصاب مشروع الصدر، وأُضيفت إليه قرارات المحكمة الاتحادية التي استهدفت في الصميم مشروع حليفه الكردي الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني

مصالحة كردية أيضا

من المفترض أن تتزامن أو تتساوق الكوّة، التي فُتحت في جدار الانقسام الشيعي، مع جهود مماثلة لفتح كوّة في جدار الانقسام الكردي بين الحزبين الرئيسيّين الديمقراطي بقيادة بارزاني والاتحاد الوطني بقيادة بافل طالباني، للخروج بمبادرة تتعلّق بتقاسم السلطة والتفاهم على موقع رئيس الجمهورية.

المحكمة الاتحادية التي أطاحت بمرشّح الديمقراطي زيباري، عادت ومنحت بارزاني فرصة للبقاء في دائرة السباق إلى رئاسة الجمهورية بفتحها باب الترشيحات من جديد. فانتقل ترشيح القيادي في الديمقراطي ووزير داخلية الإقليم ربير أحمد بارزاني من مرشّح خارج الضوابط الدستورية إلى مرشّح دستوري. وقد فتحت هذه الخطوة الطريق ليبلور الحزبان تفاهمات جدّيّة، في انعكاس للتفاهمات الشيعية، قد تخرجها سريعاً إلى الضوء، لجهة ضرورة التلازم الدستوري بين انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الوزراء.

تذهب مؤشّرات التفاهم داخل المكوّن الكردي في اتّجاهين:

– إمّا الاتفاق على مرشّح توافقي وارتفاع حظوظ القيادي في الاتحاد عبد اللطيف رشيد، وهو ما يعني موافقة جماعة الاتحاد على التخلّي عن ترشيح برهم صالح. وهناك مؤشّرات إلى ليونة يبديها بافل طالباني في هذا الأمر بعد تمسّكه به ورفض أيّ تفاوض أو بحث حوله في المرحلة السابقة، وتكريس ذهاب المواقع الوزارية والإدارية في الحكومة الاتحادية للديمقراطي.

– وإمّا يحدث العكس بأن يدعم الاتحاد مرشّح الديمقراطي ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية مقابل أن يستحوذ على الحصة الكردية في الحكومة الاتحادية وتكريس إدارته لمحافظة كركوك.

يبقى أنّ الصواريخ الإيرانية الاثني عشر من نوع فاتح 110 التي سقطت على قاعدة الحرير الأميركية في مركز الإقليم في أربيل، تحمل رسالة واضحة لواشنطن وتل أبيب تؤكّد رفض طهران لتغيير قواعد الاشتباك في الإقليم بعد الضربة التي قامت بها تل أبيب في دمشق وأدّت إلى مقتل اثنين من ضبّاط حرس الثورة برتبة عميد.

إقرأ أيضاً: العراق.. من هو رئيس جمهورية التسوية؟

لكنّ الرسالة الإيرانية الأهم هي عدم السماح لأيّ من القوى الإقليمية بقلب المعادلة التي نسجت خيوط سجّادتها طهران بكلّ صبر وتأنٍّ. ولن تسمح أو تغيير الموازين على حساب مصالحها الاستراتيجية.

فهل تعجّل هذه الصواريخ، وإن كان عنوانها استهداف مقرّات سرّية إسرائيلية، في حسم الموقف الكردي وإخراج الاستحقاقات الدستورية في رئاستيْ الجمهورية والوزراء؟

مواضيع ذات صلة

الشّيعة وقّعوا الاتّفاق… والرّئيس المسيحيّ سينفّذه

تاريخ لبنان الحديث حافل بالاتّفاقات والانقلابات عليها، لا سيما تلك التي أبرمت في زمن الانقسام الكبير الذي انفجر في السبعينيات، واستمرّ حتى التسعينات، حين استقرّ…

هل قتل “الحاج حمزة” نصرالله وصفيّ الدّين؟

من أوقَع السّيّد حسن نصرالله والسيّد هاشم صفيّ الدّين في فخّ الاغتيال؟ هل استندَ الإسرائيليّون إلى خرقٍ بشريّ داخل “الحزب”؟ أم التقنيّة كانت هي السّبيل؟…

خمسة أيّام من “قصف” الهدنة: “الأمر” للعدوّ!

تتوالى الخروقات الإسرائيلية للترتيبات الأمنيّة المرتبطة بتطبيق القرار 1701، جنوب الليطاني وشماله وصولاً إلى صيدا وبعلبك، إلى حدّ التهديد بنسف هدنة الـ60 يوماً.  يحدث ذلك…

“الحزب” بعد الحرب: الولادة من “الخاصرة الأميركيّة”

أما وقد دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ منذ صباح 27 الجاري، ليشكّل حدّاً فاصلاً بين ما قبله وما بعده، ويدشّن مرحلة جديدة كليّاً،…