العراق.. من هو رئيس جمهورية التسوية؟

مدة القراءة 8 د

لم يُربك قرار المحكمة الاتحادية بإلغاء ترشيح الممثّل الوحيد للحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، وإخراجه من السباق إلى رئاسة الجمهورية، قيادة الحزب بزعامة مسعود بارزاني فحسب، بل وخلط الأوراق أمام التحالف الثلاثي المتشكّل من الديمقراطي عن المكوّن الكردي والتيار الصدري عن المكوّن الشيعي وتحالف السيادية عن المكوّن السنّيّ، وأربك معهم مشروع حكومة الأغلبية الوطنية التي يسعى إلى فرضها مقتدى الصدر واقعاً في مواجهة القوى الأخرى من المكوّن الشيعي المتحالفة تحت اسم “الإطار التنسيقي”.

لم تتوقّف المحكمة الاتحادية عند استبعاد زيباري من السباق، بل ذهبت بناءً على طلب تقدَّم به الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح إلى تفسير “أغلبية الثلثين” اللازمة لانتخاب رئيس الجمهورية، فاشترطت نصاب الثلثين أو 220 نائباً في كلّ الجلسات التي تُعقد لانتخاب الرئيس، الأمر الذي أسقط ورقة الأغلبية المطلقة التي كان يراهن عليها التحالف الثلاثي في الجلسة الثانية، لأنّ التقديرات التي توافرت لديه تقول بصعوبة توفير ثلثي النواب في الجلسة الأولى، وسيكون انتخاب الرئيس في الجلسة الثانية بالأغلبية المطلقة أو النصف زائداً واحداً. من هنا بات التحالف أمام أمر واقع يحتّم عليه الاعتراف بامتلاك خصومه في الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الثلث المعطِّل، أي أكثر من 110 نواب.

يعيش العراق حالة من الانسداد السياسي غير مسبوقة في هذه المرحلة، وهي مرشّحة بأن تطول حسب تعبير زيباري الذي ربطها باستبعاده من السباق الرئاسي

وبعيداً عن إمكانية وقدرة الحزب الديمقراطي على توظيف القرار الأخير للمحكمة الاتحادية بإلغاء قانون النفط والغاز الذي ينظّم العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، لشدّ العصب داخل صفوفه، إلا أنّ الأزمة داخل البيت أو المكوّن الكردي تبدو أكثر تعقيداً. فالاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني، الذي يُعتبر المرجعية السياسية لرئيس الجمهورية صالح، لم يبدِ والأحزاب الكردية الأخرى انزعاجهم من قرار المحكمة الاتحادية. هذا وكانت بعض استطلاعات الرأي غير الرسمية التي أُجريت في الإقليم حول قرار المحكمة الاتحادية كشفت عن أنّ 80 في المئة من الأكراد يؤيّدون هذا القرار. في حين أنّ القوى المتحالفة مع بارزاني في البيتين الشيعي والسنّيّ اكتفت بالتلويح بـ”شبهة سياسية” في هذا القرار من دون إدانته، خاصة أنّ مواقفها الداعمة للمحكمة الاتحادية ونزاهة قراراتها في موضوع صحّة الانتخابات وعدم وجود تزوير ورفع الشكاوى التي تقدّمت بها قيادات من الإطار لم يمضِ عليها وقت كثير.

بغضّ النظر عن قرار المحكمة الاتحادية باستبعاد زيباري، فإنّ الرئيس برهم صالح ومعه قوى الإطار التنسيقي استطاعا تعقيد المشهد أمام التحالف الثلاثي، بعدما استبقا الحكم في ترشيح زيباري بسؤال المحكمة الاتحادية عن نصاب جلسة انتخاب الرئيس، وهو سؤال لعب “صالح” دوراً محورياً وأساسياً في تحويله أداة معركته في مواجهة زيباري، مفترِضاً استمراره في السباق، بعدما أجرى حسابات دقيقة للأصوات التي يمكن أن تشكّل ورقة تعطيل في هذه الجلسة، ولم يأتِ التحرّك باتجاه المحكمة الاتحادية إلا بعدما اطمأنّ صالح والإطار التنسيقي إلى امتلاكهما أكثر من 130 صوتاً، وهو ما أعاد التحالف الثلاثي إلى دائرة البحث عن مخارج لتمرير مشروع الأغلبية الوطنية، وعن آليّات التوصّل إلى تفاهمات مع الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني قد تنتهي بتحالف رباعي أو خماسي أو مرشح رئاسي ثالث غير صالح وزيباري.

يعيش العراق حالة من الانسداد السياسي غير مسبوقة في هذه المرحلة، وهي مرشّحة بأن تطول حسب تعبير زيباري الذي ربطها باستبعاده من السباق الرئاسي. وقد تتفاقم مع إمكانية أن تذهب المحكمة الاتحادية إلى إلغاء فتح باب الترشيحات لرئاسة الجمهورية للمرّة الثانية بناء على الطعن المقدَّم من بعض النواب بعدم دستوريّته، وبالتالي إخراج المرشّح الجديد للحزب الديمقراطي ربير أحمد بارزاني من السباق، وترك هذا الحزب من دون مرشّح. ولذلك يصبح البحث عن مخرج لهذه الأزمة من مسؤولية جميع الأطراف، ولا يمكن أن تحصل هذه التسوية من دون تنازلات، والمدخل الأساس لهذه التسويات هو قبول الحزب الديمقراطي ومسعود بارزاني بالحوار والتفاهم مع حزب الاتحاد الوطني ورئيسه بافل طالباني.

وفيما تلتزم أربيل ومعها بارزاني الصمت أمام التطوّرات الأخيرة التي قد تُعتبر استهدافاً مباشراً لها، باستثناء البيان الذي أصدره الزعيم والذي أكّد فيه “الدفاع عن حقوق الإقليم بكلّ ما أوتي من قوة” في ما يتعلّق بقانون النفط والغاز، يبدو أنّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أكثر الأطراف المتضرّرين من هذه التطوّرات، خاصة أنّ عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية ستؤدّي حكماً إلى تأخير اختيار رئيس جديد للحكومة، وهي الخطوة الثالثة من مخرجات التحالف الثلاثي على مستوى توزيع الرئاسات.

ولذلك كان التصعيد الذي لجأ إليه من خلال استدعاء النائب الأول لرئيس البرلمان الصدري حاكم الزاملي لوزير المال علي عبدالامير علاوي ورئيس البنك المركزي مصطفى مخيف لاستجوابهما حول أزمة خفض قيمة العملة العراقية أمام الدولار، ثمّ كانت محاولة استدراك المخالفة القانونية للنظام الداخلي للبرلمان الذي يحدّد طرق استجواب الوزراء. وقد جاءت خطوة الزاملي هذه في محاولة منه لترجمة التغريدة التي نشرها الصدر ودعا فيها البرلمان إلى التحقيق في هذا الموضوع والشبهات حول مزاد العملة في البنك المركزي والمصارف المستفيدة من ذلك.

وتزامنت الخطوات الصدرية والعودة إلى التأكيد على “حكومة أغلبية وطنية، لا شرقية ولا غربية”، والتباحث مع بارزاني حول آليّات انتخاب رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس للوزراء، واختيار الوزراء في الحكومة الجديدة، وتوزيع الحقائب الوزارية بين الكتل المتحالفة، مع بدء حديث بالارتفاع عن نيّة الإطار التنسيقي الإعلان عن تحالف “الثبات الوطني” بالمشاركة مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو ما يبيّن أنّ هذه القوة متمسّكة بمواقفها وعدم التنازل أمام التحالف الثلاثي في حال تمسّك هذا الأخير بالتفاهم مع أطراف من الإطار من دون رئيس كتلة دولة القانون نوري المالكي.

وقد فاجأ صمود الإطار التنسيقي وعدم بروز أيّ شقوق في صفوفه، التي أحكمت طهران نسج خيوط تماسكها بقوّة، التحالف الثلاثي، خاصة بارزاني الذي كان يعتبر أنّ الفرصة باتت سانحة أمامه للتخلّص من شراكته مع حزب الاتحاد داخل البيت الكردي، والاستحواذ على كلّ المناصب الاتحادية، وفي مقدَّمها رئاسة الجمهورية، لكنّه على العكس من ذلك وجد نفسه تحت ضغط دعوات من مختلف المكوّنات والقوى السياسية، مباشرة وغير مباشرة، إلى ضرورة التفاهم بين أربيل والديمقراطي من جهة والسليمانية وطالباني من جهة أخرى على مرشّح توافقي لرئاسة الجمهورية لإخراج العراق من نفق التعطيل الذي يتهدّده.

يعني رئيس جمهورية توافقي إخراج الرئيس صالح من دائرة التنافس، والبحث عن مرشّح آخر قادر على تحقيق التفاف وطني حوله، ويكون مقبولاً من قطبيْ الإقليم. وأمام إمكانية أن تحكم المحكمة الاتحادية بعدم دستورية المرحلة الثانية من الترشيحات لرئاسة الجمهورية، أي استبعاد المرشّح الثاني للديمقراطي من جهة، وتمسّك الديمقراطي برفض عودة صالح لدورة جديدة من جهة أخرى، يبدو أنّ الكلام عن إمكانية التوافق على اسم المرشّح عبداللطيف رشيد أقرب إلى التحقّق، خاصة أنّ جميع الأطراف والمكوّنات ليست لديها تحفّظات عليه. فمَن هو عبداللطيف جمال رشيد، وكيف يعرِّف عن نفسه؟

هو من مواليد السليمانية عام 1944، يحمل إجازة في الهندسة المدنية من جامعة ليفربول بمنحة من الحكومة العراقية عام 1968، وشهادتيْ ماجستير ودكتوراه من جامعة مانشستر في علم الهايدرولكس.

يقول إنّ مسيرته السياسية بدأت في ستّينيّات القرن الماضي، عندما انضمّ إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأصبح عضواً فعّالاً فيه، ثمّ قياديّاً في جمعية الطلبة الأكراد في أوروبا. وكان قريباً إلى أجواء القيادي جلال طالباني، وشارك في الاجتماعات واللقاءات التي أسّست للانشقاق داخل الديمقراطي وتشكيل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، واختير ليكون مندوباً للحزب في بريطانيا وممثّلاً له في عدد من الدول الأوروبية، وكان له دور بارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تأسيسه. وحضر اجتماعات ومؤتمرات المعارضة التي انعقدت في إطار الاستعدادات الدولية للإطاحة بالنظام العراقي الذي سقط عام 2003 إثر الاحتلال الأميركي للعراق.

خلال عمله مع المعارضة في الخارج، اُنتُخب عضواً في المجلس التنفيذي المنبثق عن المؤتمر الوطني العراقي، وانتُخب لعضوية قيادة المؤتمر عام 1992 حتى سقوط نظام صدام حسين.

بالإضافة إلى نشاطاته المعارضة، فقد عمل رشيد مع منظمة الغذاء والزراعة FAO، وفي مشاريع زراعية وأخرى للريّ في المملكة العربية السعودية.

إقرأ أيضاً: العراق المؤجّل ورئاسة الجمهوريّة المعلّقة

بعد سقوط النظام العراقي، عُيّن في أيلول 2003 وزيراً للموارد المائية، وبقي في هذا المنصب حتى عام 2010. وقد رشّحه العراق لتولّي منصب الأمين العام لمنظمة الفاو.

بعد خروجه من وزارة الموارد، عُيّن في منصب المستشار الأقدم لرئيس الجمهورية، وما زال في هذا المنصب حتى الآن، الأمر الذي أتاح له العمل مع الرؤساء جلال طالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح.

مواضيع ذات صلة

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار في…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…