“يجب أن نعمل للحلفاء كما نعمل لأنفسنا. علينا أن نُنجح كلّ نوّابنا وكلّ حلفائنا، حتى لو كان هناك مرشّح عليه مآخذ ونقاط سوداء، هدفنا أن ننجحه”.
شديد الوضوح كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أثناء اجتماعه بالماكينة الانتخابية لحزبه، عشيّة إقفال باب الترشيحات للانتخابات النيابية. قبله بأسبوع سبقه إليه المسؤول المركزي عن مجريات الانتخابات نائبه نعيم قاسم في الحشد ذاته تحت مسمّى “المدينة الانتخابية”.
إصرار حسن نصر الله على أن يربح حزب الله ورفاقه الانتخابات القادمة في الربيع تحت شعار “لنكون موجودين في كلّ الاستحقاقات”، يؤكّد استراتيجية الحزب التي بدأ تنفيذها منذ عام 1992 حين بدأ التغلغل شيئاً فشيئاً في مفاصل الدولة الإدارية والأمنيّة والعسكرية والقضائية من خلال مشاركته في الانتخابات النيابية ليسجّل حضوراً داخل السلطة التشريعية في لبنان.
تعمّد حسن نصر الله الإشارة خصّيصاً إلى دائرة بيروت الثانية وخوضه المعركة الانتخابية فيها مع أمل والتيار الحر، قاصداً التطاول على الدور الوطني السيادي لهذه الدائرة
استفاد حزب الله من دخوله مجلس النواب وتكوين كتلة نيابية داخل البرلمان لسنوات حتى وصل عام 2005 إلى أن يشارك مباشرة في السلطة التنفيذية، والقبض من خلالها على مقاليد السلطة، ولا سيّما منها القضائية التي نشهد اليوم، على سبيل المثال لا الحصر.
7 أيّار في تموز 2006
يرى الغرب أنّ الانتخابات معبِّر حقيقي عن إرادة الشعب، غير أنّ حزب الله يراها وسيلة للقبض على الدولة وتطويعها حيناً بالقوانين، وحيناً آخر بالتدابير السلطوية، وكلّ ذلك عبر فائض القوة الناتج عن حيازته للسلاح. لذا يعتبر حزب الله الفوز بالانتخابات العتيدة مهمّة مفصليّة ومصيرية وفقاً لحسن نصر الله الذي يقول إنّ “التجربة علّمتنا أنّه لا يمكن أن نغيب عن أيّ حكومة في لبنان”. ويتابع في مداخلته خلال التجمّع الأخير مع كوادر حزبه: “أثناء حرب تموز 2006، وبسبب النكد في الحكومة كنّا على حافّة أن نقوم بما يشبه 7 أيار. لذلك وجودنا في الحكومة والمجلس ضرورة لحماية المقاومة حتى لو تعرّضنا للاتّهامات بوجودنا مع فاسدين”. وهنا السؤال لرئيس الجمهورية في أعقاب هذا الخطاب: كيف يكون “سلاح حزب الله غير موجّه للداخل”؟ ها هو نصرالله يقولها جهاراً!
حاول حزب الله في أعقاب تظاهرات تشرين 2019 أن يتمايز عن “الطبقة الفاسدة” ويروِّج لقدسيّة وزرائه وابتعادهم عن الفساد، ثمّ عاد اليوم مجبراً بعد انكشاف حلفائه ليعلن جهاراً دعمه لهم في معركة وجودية بالنسبة إليه، وهي الإبقاء على حلفائه غطاء سياسياً لأجندته غير اللبنانية. ولعلّ السؤال الأبرز في المقلب الثاني: أليس التصويت لحلفائه اليوم في الانتخابات، وعلى رأسهم التيار الوطني الحر، هو تصويت لمشروع حزب الله الإيراني؟
يعمل حزب الله جاهداً على إنجاح حلفائه معه لأنّه يضمن فوز مرشّحيه في بيئة فرض عليها الرأي الواحد بوسائل شتّى ترغيباً وترهيباً. إلا أنّه يستشعر حرج حلفائه في بيئاتهم خارج ثقله الانتخابي، معتبراً أنّ “الهدف ليس فوز مرشّحي الحزب، بل بلوغ حواصل لتعزيز وضع حلفائنا في كلّ الدوائر”.
ناقل الكفر في السياسة أكثر كفراً من الكفر نفسه. كيف لا وتحالف حزب الله مع الفاسدين ضرورة ماسّة لحمايته وحماية وجوده وسلاحه؟! ولولا خدمات الفساد في الإدارة وفي المشاريع وفي القضاء وفي الأمن ولدى الدوائر كافّة لَما كان هناك من ضمانة لفوز مرشّحيه في الانتخابات.
يعوّل حزب الله على الحلفاء ويعمل لفوزهم في الاستحقاق الداهم، لعلمه أنّ المجلس العتيد سينتخب رئيساً جديداً للجمهورية، ولعلمه أيضاً أنّ فخّ انتخاب رئيس الجمهورية بثلثيْ أصوات مجلس النواب (لا بالأكثرية البسيطة) سيعيق إيصاله السهل لِمَن يكمل ما بدأه الرئيس الحالي ميشال عون من حماية لسلاح حزب الله ودوره في لبنان والإقليم.
يرى الغرب أنّ الانتخابات معبِّر حقيقي عن إرادة الشعب، غير أنّ حزب الله يراها وسيلة للقبض على الدولة وتطويعها حيناً بالقوانين
القمصان السود
يعمل حزب الله “لبلوغ حواصل تعزّز وضع حلفائه في جبيل وكسروان والشوف، لأنّ المعركة ليست ضدّ الحزب فقط، بل لأخذ حصص من الحلفاء”، أو “الأعدقاء”، مثل الحزب التقدمي الإشتراكي، كما يقول، ولذلك يعمل على إسقاط أيّ تحالف قد ينشأ بين جنبلاط والقوات اللبنانية، وأيّ سنّيّ سيادي معارض للاحتلال الإيراني للبنان. فإصرار حسن نصر الله على دائرة جبيل – كسروان لا تهدف فقط إلى القول إنّ البيئة المسيحية انتخبت مرشّح الحزب في قلب كسروان، وإنّ هناك إجماعاً على دوره وسلاحه، بل وضمان فوز كلّ من مرشّحي جبران باسيل ومرشّح سليمان فرنجية في هذه الدائرة فريد الخازن، ليشعر باسيل وفرنجية معاً أنّ فضل وصول أحدهما إلى رئاسة الجمهورية يعود إلى حزب الله، فيستعمل أحدهما بوجه الآخر بعدما شنّ سرّاً حملة إعلامية ضدّ قائد الجيش المرشّح لرئاسة الجمهورية.
تعمّد حسن نصر الله الإشارة خصّيصاً إلى دائرة بيروت الثانية وخوضه المعركة الانتخابية فيها مع أمل والتيار الحر، قاصداً التطاول على الدور الوطني السيادي لهذه الدائرة ولِما تمثّله في إعلاء وجه بيروت، وانتماء لبنان إلى محيطه العربي، وحفاظها على عروبة لبنان وسيادته، ورفضها للسلاح. وفي مواجهة رغبتها بالتصويت للسياديين أصحاب الصوت المرتفع بوجه سلخ لبنان عن محيطه وحضنه العربي، تعمّد نصر الله تذكير بيروت بدوائرها الثلاث بالقمصان السود و7 أيار.
إقرأ أيضاً: أسرار تبييض أموال إيران.. من سوريا إلى واشنطن
ما يؤسِف حقّاً أن يرصّ حزب الله صفوف حلفائه ويدعمهم ويوحِّدهم، فيما تتشتّت المعارضة الوطنية وتتفكّك وتغيب. لقد توحّد الشعب اللبناني عام 2005 وأعطى العالم أبهى صورة عن هذا الرقيّ، ثمّ عاد وانتفض عام 2019 تحت شعارات مطلبية جامعة. غير أنّ ما يندى له الجبين هو تضعضع المجتمع المدني وركضه خلف سراب المواقع النيابية تاركاً معركته الأساسية مع تشويه هويّة لبنان والسلاح الحامي للفاسدين، وموجِّهاً معركته ضدّ مدنيين سياديين يقفون بوجه حزب الله ويتمسّكون بوجه لبنان العربي لا الإيراني. ويبدو اليوم أن لا مجتمع مدنياً بل مدنيون سياديون ومدنيّو حزب الله الذين يواجهونهم. فهل يكون مدنيّو حزب الله “الخطة باء” بوجه اللبنانيين السياديين؟!
* كاتب لبناني مقيم في دبي