أسرار تبييض أموال إيران.. من سوريا إلى واشنطن

مدة القراءة 5 د

لا يكفي نظام طهران أن يكسب رضا الأميركيين لتوقيع اتفاق يرفع العقوبات عن إيران. إذ لا يمكن لنظام الملالي أن يستعيض عن المنظمات الدولية وأجهزتها الرقابية بعلاقة طبيعية مع الإدارة في واشنطن. بل عليه أن يصلح ما دمّره من علاقات مع المنظمات الدولية طوال 44 عاماً. فبعض منها قاطعته، وأخرى علّقت عضويّته، وغيرها أدرجته على لائحتها السوداء.

منعت الأمم المتحدة إيران عدّة مرّات من حقّها في التصويت في الجمعية العامّة وفي اللجان وفي المنظمات التابعة لها، بعد تخلّف طهران عن القيام بواجباتها كبقيّة دول العالم تجاه المنظمة الدولية. فانعزل النظام الإيراني عن 193 دولة عضو في المنظمة الأمميّة.

غير أنّ المثال الأبرز الذي يُلزم نظام طهران، سواء مع اتفاق نووي أو من دونه، إعادة ترتيب علاقاته هو العودة إلى النظام المالي العالمي وترميم العلاقة مع مجموعة العمل المالي الدولية FATF التي تُعنى برقابة تبييض الأموال على أنواعها، بعدما كانت هذه المنظمة قد أدرجت طهران على لائحتها السوداء لارتكاب نظام الملالي والحرس الثوري التابع له جرائم تبييض أموال على مختلف أشكالها.

ينغمس نظام طهران في تبييض الأموال ويساعده في ذلك غضّ الطرف الدولي عنه حتى لا ينسحب من مفاوضات فيينا التي لن تنتج اتفاقاً أفضل من اتفاق 2015

لقد استفاد نظام طهران من الوجود الأميركي في أفغانستان، فنسج علاقة مميّزة مع كلّ من طالبان والقاعدة وولاية خراسان وطالبان باكستان وغيرها من المنظمات الإرهابية عبر بيعها الأسلحة والمتفجّرات وتنظيم طرق تهريب المخدّرات بين مناطقها وبين إيران وإيصالها إلى مقصدها النهائي. إضافة إلى ذلك يشمل تبييض الأموال المهامّ الجرمية مثل الهجوم العنيف على قاعدة “باغرام” الجوّيّة في كانون الأول 2019 الذي خلّف ضحايا من جنود الولايات المتحدة. وبحسب CNN كان مهندس هذا الهجوم قاسم سليماني الذي اغتيل بعد ثلاثة أسابيع من حصول الهجوم، وقد دفع 11 مليون دولار للمهاجمين.

كما في أفغانستان كذلك في العراق، حيث وافق المصرف المركزي الإيراني بطلب من الحرس الثوري وبمباركة من خامنئي أن يسدّد العراق ثمن الكهرباء والغاز إلى السفارة الإيرانية في بغداد بدلاً من تحويل هذه المبالغ إلى طهران. وهذا ما كان قد كشفه تقرير خاص وحصري وَرَدَ على قناة “الحدث” الفضائية. ويعيدنا ذلك إلى ما كان قد صرّح به وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف من أنّ تسمية أغلب أعضاء البعثات الدبلوماسية الإيرانية في الدول المؤثّرة تمّت من قبل الحرس الثوري ولأهداف الميدان وليس أبداً للعمل الدبلوماسي.

 

سوريا وتركيا: خطف واغتيال

في سوريا، فإنّ التعاون بين الحرس الثوري وماهر الأسد والنظام السوري لتبييض الأموال قائمٌ يوميّاً عبر تمرير السلاح وبيعه داخل سوريا وخارجها. ولا ينتهي ذلك هنا، بل تكشف تقارير إقليمية ودولية أنّ أضخم معامل الحبوب المخدّرة “الكبتاغون” موجودة في سوريا وينخرط فيها حزب الله الذي يصدّرها نحو دول الخليج بأساليب متطوّرة ومتنوّعة لضرب قيم هذه المجتمعات ولتحصيل الأموال الطائلة من عمليّات التبييض هذه.

وفي تركيا، وبشراكة مع الحرس الثوري الإيراني، تولّت شركة تركية (لن نسمّيها لأسباب قانونية) تبييض الأموال بواسطة بنك ملات في إسطنبول، لتمويل اغتيال المعارضين وخطفهم، ودعم التجسّس الإيراني وتمويل الوكلاء الإيرانيين وعملاء النظام السوري داخل تركيا. وقد اضطرّ هذا الأمر الحكومة التركية إلى اعتقال مجموعات تأتمر من الحرس الثوري.

عند تعثّر إيران في توفير العملات الصعبة لدعم وكلائها، تلجأ إلى تبييض الأموال من خلال إرسالها سفن النفط الإيراني إلى فنزويلا وسوريا وحزب الله في لبنان

من جهتها، أقفلت بريطانيا ثمانية حسابات لشخص يدعى “عصام سعود”، وهو أبرز وكلاء الحرس الثوري في لندن، لدوره في تبييض الأموال لقاء عمولات كبيرة يحصل عليها من المبلغ الأصلي.

عند تعثّر إيران في توفير العملات الصعبة لدعم وكلائها، تلجأ إلى تبييض الأموال من خلال إرسالها سفن النفط الإيراني إلى فنزويلا وسوريا وحزب الله في لبنان. وعلى سبيل المثال، باع حزب الله النفط الإيراني وغسله لدعم نشاطاته العسكرية والمدنية، ولتوفير الدعم المالي لمجموعة بحرينية تدّعي أنّها معارضة ينظّم لها الحزب المؤتمرات ويدير لها محطات تلفزيونية ومحطة راديو موجّهة ضدّ بلدها.

ليس خافياً أنّ نظام طهران يمارس تبييض الأموال في اتجاهين، إلى داخل إيران ومنها إلى خارجها. فهو يرسل أموالاً طائلة إلى صحافيين ومحامين وإعلاميين ورجال أعمال وإلى مكاتب دراسات واستشارات وسياسيين ومحطات تلفزة وصحف وراديو وبعض المتنفّذين في بعض الأحزاب الحاكمة أو المعارِضة حول العالم، ولا سيّما في الولايات المتحدة، لتكوين قوى وجماعات ضاغطة أو “لوبي” يقوم بغسل دماغ الرأي العام وتبييض صفحة نظام الملالي والضغط على الحكومات للتعامل مع نظام طهران و”تبييض صفحته”. لا يخفى على أحد وجود قانون FARA في أميركا الذي يلزم كلّ من يتعامل مع جهة خارجية لأسباب سياسية أو دعائية او إعلامية أو قانونية أن يبلغ وزارة العدل بما يقبضه والأسباب وراء ذلك، غير أنّ الإدارة الديمقراطية دأبت منذ حكم باراك أوباما على تطبيق هذا القانون على الجميع باستثناء المتعاملين مع نظام طهران.

إقرأ أيضاً: كيف غيّر حزب الله جغرافيا لبنان؟

ينغمس نظام طهران في تبييض الأموال ويساعده في ذلك غضّ الطرف الدولي عنه حتى لا ينسحب من مفاوضات فيينا التي لن تنتج اتفاقاً أفضل من اتفاق 2015.

 

* كاتب لبنانيّ مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

المطربة والفنانة اللبنانية الشهيرة ماجدة الرومي، كانت نجمة الأيام القليلة الفارطة، ليس بسبب إبداعها وجمال صوتها “الكريستالي”، ولا بروائع أعمالها الغنائية، وهي تستحق هذا كله،…

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…