حكاية “سجن غويران”: الدواعش يستعيدون المبادرة؟

مدة القراءة 7 د

لأيّام قليلة، بدا أنّ تنظيم “داعش” قد عاد إلى صدارة المشهد في المنطقة، وتحديداً من باب السجون، التي “خرج” منها قادته وهيكله التنظيمي الأوّل، في بدايات الثورة السورية. هي سجون بشّار الأسد في سوريا وسجون نوري المالكي في العراق، التي فتحاها ليخرج منها المتطرّفون، بهدف صناعة “البعبع السنيّ”، على طريق وأد الثورة السورية، وتحويلها إلى “حرب ضدّ الإرهاب”، أبطالها الميليشيات الإيرانية والجيش السوري، وضحاياها الحقيقيون هم الشعب السوري، بحجّة “محاربة التطرّف”.

لأيام قليلة بدا أنّ هذا السيناريو سيتجدّد من سجن غويران في الحسكة، شمال شرق سوريا. لكن سريعاً استعادت “قسد” (قوات سوريا الديموقراطية) السيطرة على السجن، وبدأت أمس عمليات التمشيط الأخيرة، على وقع احتفالات سكّان المنطقة في مواكب سيّارة، طافت لساعات في أرجاء الحسكة، بعدما انزاحت الغيوم السوداء. 

على أطراف حي غويران عند المدخل الجنوبي لمدينة الحسكة، يقع أكبر السجون المخصّصة لمسلّحي تنظيم داعش في العالم

جرى كلّ هذا بعد أشهر من تحضير الرأي العام في عدد من الدول لاحتمال “عودة داعش”، في مخطّط بدا مرسوماً بعناية، للتأثير السياسي في أكثر من ملفّ، بأكثر من منطقة، في لحظات “التسوية” والفترة العصيبة التي عادةً ما تسبقها.

 

لكن كيف بدأت الحكاية؟

على أطراف حي غويران عند المدخل الجنوبي لمدينة الحسكة، يقع أكبر السجون المخصّصة لمسلّحي تنظيم داعش في العالم، ويُطلق عليه “سجن الصناعة” أو ما يُعرف بـ”سجن غويران”. هذا السجن تحتجز فيه “قسد” آلاف المعتقلين الذين ينتمون إلى تنظيم داعش، وبينهم قرابة أربعة آلاف أجنبي من حوالي 50 دولة.

ليل الخميس- الجمعة من الأسبوع الماضي، شنّ “داعش” هجوماً هو الأكبر منذ إعلان القضاء عليه في منطقة شرقي نهر الفرات مطلع عام 2019. وانطلق الهجوم من خارج أسوار السجن وداخله، وهو ما مكّن عشرات السجناء من الفرار منه.

بدأت القصّة، بحسب ما قال شهود عيان في الحسكة لـ”أساس”، بتفجير خلايا داعش سيّارة مفخّخة بالقرب من السجن، في منطقة تضمّ العديد من الصهاريج المحمّلة بالمحروقات.

حديث الصورة: سجن “غويران” في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا هو أكبر مركز احتجاز وسجن لمعتقلي داعش الأجانب في سوريا.

 

بعد ذلك، وبالتزامن مع الانفجار الذي أدّى إلى اشتعال عدد من الصهاريج، تمرّد السجناء داخل المهاجع حيث يُحتجَزون. وعلى أثر الحادثتين المذكورتين بدأت الاشتباكات التي استمرّت حتّى الخميس، وتركّزت بشكل أساسي في حيّ الزهور المحاذي لحي غويران. ثم أعلنت “قسد” السيطرة على الموقف وبدء عمليات التمشيط.

الجدير ذكره أنّ السجن يتوسّط مناطق سكنيّة في مدينة الحسكة. وبعد مضيّ ثلاثة أيام على اندلاع المواجهات في محيطه أعلنت القوات الكردية أنّها بدعم من قوات التحالف الدولي بسطت سيطرتها وتغلّبت على التمرّد.

ولئن باغت الهجوم القوّات التي تحرس السجن وأربكها، فإنّه سمح لعدد كبير من السجناء بالهروب، قبل أن تتدارك القوّات الكردية الموقف وتلقي القبض على بعضهم.

حديث الصورة: عناصر تنظيم داعش الفارّون بعد إلقاء القبض عليهم بمساندة من التحالف الدولي.

 

تبنّى تنظيم داعش، عبر حساب “وكالة أعماق” الدعائية التابعة له على تطبيق تلغرام، “الهجوم الواسع” على السجن بهدف “تحرير الأسرى المحتجزين بداخله”. ونشر التنظيم بعد الهجوم مقاطع فيديو يُزعَم أنّها تُظهِر عدداً من أعضاء قوات سوريا الديموقراطية وقد أسرهم التنظيم.

لكنّ المشهد أعاد إلى الأذهان ما جرى خلال عام 2013 عندما بدأ “داعش” شنّ هجمات مماثلة أدّت بعد أشهر إلى سيطرته على أجزاء واسعة من أراضي البلدين، وفقاً لخبراء. وذكّر كثيرين بأنّ قادة هذا التنظيم أصلاً خرجوا من سجون سوريا والعراق، في بداية الثورة السورية، من أجل صناعة “بعبع التطرّف” لتسهيل اغتيال ثورة السوريين.

ويثير هذا الهجوم الكثير من الأسئلة بشأن مستقبل هذا التنظيم والاستراتيجيات والآليّات القتالية التي يلجأ إليها.

 

أجواء حرب

الاشتباكات العنيفة خلقت حالة خوف وارتباك لدى سكّان المدينة، وتزامن مع انفلات أمني وحركة نزوح واسعة للأهالي باتجاه المدن والبلدات القريبة بحثاً عن الأمان. وبعد انتهائها خرج أهالي الحسكة في مسيرات احتفالية. هم الذين عاشوا أياّم رعب من عودة الدواعش للتحكّم بحياتهم ويومياتهم.

الصحافي السوري المقيم في مدينة القامشلي، محمد حسين، قال في اتصال مع “أساس” إنّ العديد من عائلات حيّ الزهور نزحت بسبب الاشتباكات.

حديث الصورة: حركة نزوح للسكّان المحليّين عن الأحياء المجاورة لحيّ غويران بمدينة الحسكة بعدما شنّت خلايا داعش هجوماً على السجن الذي يُحتجَز فيه مسلّحو تنظيم داعش الأجانب.

 

على الرغم من أنّ السجن شهد خلال السنوات الماضية الكثير من حركات تمرّد السجناء، كانت آخِرتها في أيلول من العام الماضي، إلا أنّ تفاصيل الحادثة التي استهدفت سجن غويران في الأيام الماضية تُعتبر الأولى من نوعها، من حيث التخطيط وقدرة التنظيم على الاقتحام. وهو ما يشير إلى قدرةٍ محتملةٍ لهذا التنظيم على شنّ عمليات عسكرية والوصول إلى مناطق يُفترض أنّها محميّة.

الباحث في معهد نيولاينزفي واشنطن، نيكولاس هيراس، يقول إنّ “داعش يحتاج إلى مزيد من المقاتلين”، مؤكّداً أنّ “الهروب من السجون يمثّل أفضل فرصة للتنظيم لاستعادة قوّته وسلاحه، وسجن الغويران صيد ثمين بسبب الاكتظاظ”.

 

هل عاد التنظيم؟

خسر داعش، الذي أعلن إقامة الخلافة الإسلامية في أجزاء من سوريا والعراق عام 2014، جميع الأراضي التي كانت تحت سيطرته عام 2019. ومنذ ذلك الحين انكفأ مقاتلو التنظيم، لكنّهم تجمّعوا ضمن خلايا متعدّدة في البادية السورية الممتدّة بين محافظتيْ حمص في وسط سوريا ودير الزور في الشرق على الحدود مع العراق.

منذ ذلك الحين يشنّ تنظيم داعش عمليّات اختبار مباغتة وسريعة متزامنة مع حرب الاستنزاف التي أعلنها بعد خسارته لقائده و”دولة خلافته”، بحسب ما رأى عدد من الخبراء والمهتمّين بنشاط التنظيم.

تتطابق هذه المعلومات مع شهادة ثلاثة من الباحثين تواصل معهم “أساس”، توافقوا عى أنّ داعش لا يملك حالياً أيّ خطط للسيطرة على المدن، وإنّما يحاول أن يحافظ على مستوى من الهجمات الثابتة واختبار قدرة أجهزة الأمن.

لهذا يواصل بقايا مسلّحي التنظيم شيئاً فشيئاً شنّ هجمات متفرّقة في العراق وسوريا على حدٍّ سواء، لكن بشكل محدود نظراً إلى صعوبة التحرّكات والضربات التي يتلقّاها التنظيم في المناطق حيث ينتشر.

عن هذه الهجمات، قال خبير أمنيّ في مقابلة مع أساس، طلب عدم ذكر اسمه، إنّ “نوعيّة الهجوم على سجن غويران من قبل بقايا مسلّحي تنظيم داعش تعني أنّ التنظيم يطوّر هجماته وآليّاته، إذ يريد أن يستعيد صورته أمام مقاتليه بشنّ عمليّات مباغتة في المناطق حيث تتوتجد قوات التحالف الدولي، للتغطية على فشله في التمدّد العميق والنوعيّ”.

حديث الصورة: جرّافة “بلدوزر” تفتح طريقاً لوحدة خاصّة من قوات سوريا الديموقراطية في محيط سجن الصناعة بالحسكة.

 

ماذا بعد؟

يُعتبر الهجوم على سجن غويران من أكبر عمليّات تنظيم داعش منذ نهاية ما سُمِّي بالخلافة بعد سقوط بلدة الباغوز بمحافظة دير الزور في 23 آذار 2019، الذي أنهى رسميّاً ادّعاء الخلافة سيطرتها على أيّ أرض.

اليوم ومع هذا الهجوم تتزايد المخاوف من أن يكون توقيت الهجوم وجرأته إشارة إلى القوّة المتجدّدة للتنظيم، خاصّة أنّ الهجوم يذكِّر بالأحداث التي وقعت في عام 2013 عندما نجح مئات من عناصر داعش في الهروب من سجنيْ التاجي وأبوغريب قرب بغداد بعدما نجح مسلّحون تابعون للتنظيم في اقتحامهما وتهريب السجناء.

إقرأ أيضاً: المعتقلون اللبنانيّون في السجون السوريّة… ليسوا موتى ولا أحياء

وأشار ثلاثة خبراء تواصلت معهم “أساس” إلى أنّ المحاولة الحالية لداعش في سجن غويران “ليست الأولى ولن تكون الأخيرة”، وأكّدوا أنّ “عملية التنظيم الأخيرة هدفها توجيه رسالة مفادها أنّ التنظيم ما يزال موجوداً، ويستطيع العودة”. وهي رسالة تتطلّب تكثيف الجهود لمطاردة بقايا التنظيم وإيجاد آليّة دولية لتوجيه التهم ومحاكمة الباقين من أفراده الذين اُعتُقلوا في المعارك.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…