الطائرات المسيّرة: تقتلُ المدنيين بلا تمييز

مدة القراءة 5 د

فوجئ الكونغرس الأميركي بشهادة أدلى بها أمامه الجنرال “كينيث فرانك ماكنزي” قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط في آسيا الوسطى. قال فيها ما ترجمته حرفياً: “إن استخدام الطائرات المسيّرة للقيام بعمليات عسكرية عن بُعْد يعتمد على معلومات استخباراتية ضعيفة، وينطلق من قواعد بعيدة، ويفتقد الى شركاء محليين. ولذلك فان هذه العمليات أثبتت انها غير فعّالة، وغير إنسانية”.

وآخر دليل قدّمه الجنرال إلى الكونغرس كان عملية كابول (عاصمة أفغانستان) التي جرت في 29 أغسطس – آب الماضي وأدت إلى مقتل عشرة أشخاص من عائلة واحدة لم يكن بينهم ارهابي واحد . بل كان بينهم سبعة أطفال.

اعترفت الولايات المتحدة يومها بالخطأ. وبادرت الى التعويض على عائلات الضحايا. ولكن جريمة القتل كانت قد وقعت. وباعتراف الجنرال ماكنزي لم تكن الخطأ الوحيد.

عمليات القصف بواسطة هذه الطائرات ستبقى غير فعّالة عسكرياً، وغير آمنة إنسانياً. أي انها لن تشكل قوة ردع كافية، ولن تضمن سلامة الأبرياء من المدنيين

في عام 2010 شنّت الولايات المتحدة 128 غارة جوية بواسطة الطائرات المسيّرة على أهداف في باكستان وحدها . وتقول الإحصاءات الأميركية العسكرية انه خلال عامي 2009 و2011، قُتل 560 باكستانياً بواسطة الطائرات الأميركية المسيّرة، أكثريتهم من المدنيين الأبرياء.

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما هو الرئيس الذي ذهب بعيداً في استخدام الطائرات المسيّرة ضد أهداف عسكرية كانت تنتهي في معظمها بإصابة مواقع مدنية مأهولة . وتؤكد الإحصاءات الرسمية الأميركية ان أوباما أمرَ باستخدام هذا النوع من السلاح في أول سنة له في البيت الأبيض أكثر مما أمر به خلَفَه الرئيس بوش طوال عهده. فالرئيس جورج بوش طلب من القوات الأميركية استخدام الطائرات المسيّرة مباشرة بعد جريمة 11أيلول 2001، ثم توالى استخدام هذا “السلاح الأعمى” في الشرق الأوسط، وتحديداً في العراق واليمن وليبيا والصومال (حيث لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب). كانت الإدارة الأميركية تعرف ما يعرفه العسكريون الأميركيون من ان سلاح الطائرات المسيّرة هو سلاح أعمى ؛ ولكنه يبقى أفضل من القيام بعمليات عسكرية تعرّض العسكريين الأميركيين للإصابة، وتؤدي الى اعتقال المتهمين بالإرهاب لتحمّل الأعباء المادية والمعنوية لمحاكمتهم ومعاقبتهم.

ولقد أثبتت تجربة معتقل غوانتنامو ان المتهم القتيل أفضل من المتهم الأسير. فالقتيل تطوى صفحته بحفرة صغيرة. أما الأسير فانه يصبح عبئاً اقتصادياً ومعنوياً على المؤسسة العسكرية وعلى الدولة، خاصة إذا تبيّن انه انسان بريء كما حدث مع العديد من معتقلي غوانتنامو.

من أجل ذلك أعطى الرئيس السابق دونالد ترامب الضوء الأخضر للقوات الأميركية المسلّحة لاستعمال سلاح الطائرات المسيّرة من دون أي تحفظ وفي أي مكان من العالم “للدفاع عن الأمن الأميركي”. وهكذا قصفت الطائرات الأميركية (من دون طيار) ولأول مرة مواقع في النيجر. لكن تبقى أفغانستان الهدف الأول لهذا السلاح، ذلك انه في عام 2017 وحده قتل 130 مدنياً .

والسؤال هو: ماذا كانت النتيجة؟

تجيب دراسة رسمية أميركية انه منذ بداية استخدام الطائرات المسيّرة ارتفع عدد المنتسبين الى المنظمات الإرهابية اربعة اضعاف ، وانه رغم هذه الزيادة لم تتعرّض الولايات المتحدة الى أية عملية ارهابية مصدرها الخارج. وان كل العمليات التي ضربتها كانت صناعة أميركية محلية.

من أجل ذلك اتخذ الرئيس جو بايدن مبادرة جديدة يمكن وصفها بالمبادرة الإنقلابية على سياسات اسلافه (بوش وأوباما وترامب)، وبموجب هذه المبادرة اصبح على القوات الأميركية، وكذلك على جهاز المخابرات (سي.آي.إيه) الحصول على موافقة مسبقة من البيت الأبيض لاستخدام الطائرات المسيّرة.

لم تخرج أفغانستان بموجب هذا التنظيم الجديد من مرمى الطائرات المسيرة . فقد تقرر استخدام السفن الحربية الأميركية في بحر العرب والمحيط الهندي (والقواعد العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط ) منصات لإطلاق هذه الطائرات القاذفة.

مع ذلك يؤكد التقرير الذي قدّمه الجنرال ماكنزي الى الكونغرس ان هذا التنظيم الجديد لن يغيّر كثيراً من الأمر الواقع. ذلك ان عمليات القصف بواسطة هذه الطائرات ستبقى غير فعّالة عسكرياً، وغير آمنة إنسانياً. أي انها لن تشكل قوة ردع كافية، ولن تضمن سلامة الأبرياء من المدنيين.

إقرأ أيضاً: بايدن حائراً… بين بريطانيا وأوروبا

في كتاب جديد لأستاذ العلوم السياسية في جامعة “يال” الاميركية الدكتور “صموئيل موين” عنوانه “انساني Humane” ، قدّم فيه نظرية تعكس ستراتيجية وزارة الدفاع الأميركية . تقول هذه النظرية انه كلما كان العمل العسكري الأميركي اقل ضراوة وخاضعاً لضوابط إنسانية ، تكون الحروب – والصراعات – أطول واصعب على وضع حد لها. وتكون كذلك اشد كلفة على المدى البعيد ؟!.
ويقول المؤلف في كتابه ” ليس الهدف من وراء استخدام القوة العسكرية هو تجنّب إصابة الضحايا الأبرياء .. ولكن الهدف هو إصابة الأهداف الإرهابية أولاً .. وأخيراً.

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…