الثابت الوحيد… إيران دولة طبيعيّة أم لا

مدة القراءة 6 د

ثمّة أمور كثيرة يمكن الربط في ما بينها في ظلّ مزيد من الكلام عن احتمال وارد هو التوصّل إلى اتفاق أميركي – إيراني في شأن الملفّ النووي لـ”الجمهوريّة الإسلامية” مطلع الشهر المقبل. من بين هذه الأمور أنباء مصدرها وسيلة إعلام إسرائيلية عن قرب عودة العلاقات الديبلوماسيّة بين المملكة العربيّة السعودية وإيران. كذلك، هناك ربط بين سماح “حزب الله” بعقد جلسة للحكومة اللبنانيّة، التي يرئسها نجيب ميقاتي، من أجل “مناقشة إقرار الموازنة العامّة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي” من جهة، والانفراج الأميركي – الإيراني من جهة أخرى.

ثمّة أمور كثيرة يمكن الربط في ما بينها في ظلّ مزيد من الكلام عن احتمال وارد هو التوصّل إلى اتفاق أميركي – إيراني في شأن الملفّ النووي لـ”الجمهوريّة الإسلامية” مطلع الشهر المقبل

كان الحزب، الذي يمون على حركة “أمل” الشيعية، مصرّاً في الماضي القريب على تعطيل عمل الحكومة في حال لم يجرِ “قبع”، أي اقتلاع، القاضي طارق البيطار المكلّف التحقيق في ملفّ تفجير مرفأ بيروت. كان استمرار هذا التحقيق بشكل طبيعي، بعيداً عن التفاصيل التي تلهّى بها القاضي، سيؤدّي إلى كشف مَن خزّن نيترات الأمونيوم في أحد عنابر مرفأ بيروت طوال سنوات وجهة استخدام هذه المادّة في صنع البراميل المتفجّرة التي كان يلقي بها النظام السوري على شعبه بغية إخضاعه. في الواقع، لم “يُقبع” القاضي البيطار بعد، لكنّه جرى بطريقة أو بأخرى تعطيل مهمّته، ولن يتمكّن من إصدار قرار ظنّيّ في جريمة تفجير مرفأ بيروت. مثل هذه الصيغة تساعد في جعل جمهور “حزب الله” يبتلع إفراجه عن قرار يقضي بعودة الحكومة اللبنانيّة إلى الانعقاد في وقت عمّ البؤس كلّ لبنان، بكلّ طوائفه ومناطقه، بما في ذلك المناطق الشيعيّة.

تظلّ هذه الأمور في باب الافتراضات والتحليلات السياسيّة في وقت يبدو واضحاً أنّ وضع إيران في اليمن لم يعد كما كان عليه في الماضي. فقدت “الجمهوريّة الإسلاميّة” القدرة على المبادرة في ضوء الهزائم التي لحقت بأداتها المحليّة في محافظة شبوة المجاورة لمأرب التي استطاعت قوات “العمالقة” تطهيرها من الحوثيين (جماعة “أنصار الله”). لم تستطع إيران الذهاب إلى النهاية في استخدام الحوثيين من أجل تثبيت وضع دائم في اليمن عن طريق السيطرة على مدينة مأرب ذات الأهمّية الاستراتيجية. بكلام أوضح، لم تستطع إيران، أقلّه إلى الآن، إقامة كيان سياسي قابل للحياة في اليمن، كيان يدور في فلكها، يمتدّ من مأرب إلى ميناء الحديدة مروراً بالعاصمة صنعاء التي تسيطر عليها منذ 21 أيلول 2014.

يبقى الثابت، بعيداً عن الربط بين أمور معيّنة مثل عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وهو ربط قد يكون في محلّه أو قد لا يكون، أنّ السؤال الذي سيطرح نفسه في نهاية المطاف: هل تريد إيران أن تعود دولة طبيعيّة أم لا؟ معنى ذلك، بالعربي الفصيح، هل “الجمهوريّة الإسلاميّة” قادرة على التخلّي عن أوهامها، في مقدَّمها وهم دور القوّة الإقليمية المهيمنة ودور تصدير الثورة وتصدير نموذج آخر إلى جيرانها، نموذج لا ارتباط له بغير البؤس والميليشيات المذهبيّة؟

من الواضح أنّ الإدارة الأميركيّة، على الرغم من كلّ العاهات التي تعاني منها، بما في ذلك تولّي روب مالي الملفّ الإيراني، لن تقبل الاستسلام لإيران ولشروطها

لن يكون من معنى لأيّ اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، يتمّ التوصّل إليه في فيينا أو في أماكن أخرى تجري فيها محادثات سرّيّة مباشرة بين إيرانيين وأميركيين، من دون معالجة جذريّة للموضوع الأهمّ المتمثّل في سلوك إيران خارج حدودها. هذا كلّ ما في الأمر. البقيّة تفاصيل لا أكثر في إطار أكبر. إنّه إطار يشمل ما الذي ستفعله “الجمهوريّة الإسلاميّة” بالأموال التي ستحصل عليها في حال إلغاء بعض العقوبات الأميركية. ليس سرّاً أنّ من الصعب إزالة كلّ العقوبات الأميركيّة دفعة واحدة. مثل هذه المسألة في غاية التعقيد في بلد مثل الولايات المتحدة حيث لا تستطيع الإدارة، مهما كانت قويّة، تجاوز الكونغرس بمجلسيْه (مجلس الشيوخ ومجلس النواب). توجد في الكونغرس مجموعات تنتمي إلى الحزبين الديموقراطي والجمهوري ترفض أيّ تساهل مع إيران. يضاف إلى ذلك أدوات الضغط الإسرائيلية على الإدارة.

من الواضح أنّ الإدارة الأميركيّة، على الرغم من كلّ العاهات التي تعاني منها، بما في ذلك تولّي روب مالي الملفّ الإيراني، لن تقبل الاستسلام لإيران ولشروطها. حسناً، هناك إدارة جو بايدن التي يؤمن عدد لا بأس به من النافذين فيها، بمن في ذلك الرئيس نفسه، بأنّ دونالد ترامب أخطأ عندما مزّق في العام 2018 الاتفاق الذي وُقّع صيف العام 2015 بين مجموعة الخمسة زائدة واحداً و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في شأن الملفّ النووي الإيراني. لكنّ هذا كلّه ليس كافياً لافتراض أنّ اتفاقاً جديداً سيعني العودة إلى اتفاق 2015 من دون تعديلات تأخذ في الاعتبار ما تغيّر في العالم. ما تغيّر أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” استخدمت الأموال التي أفرجت عنها إدارة باراك أوباما لدعم مشروعها التوسّعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

ليست إيران في السنة 2022 مشروعاً نوويّاً، أي مشروع التحوّل إلى دولة نوويّة فقط. صارت أكثر من ذلك بكثير بفضل صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة وأدواتها المتمثّلة في ميليشيات مذهبيّة موجودة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. كان يمكن لهذه الميليشيات أن تهدّد بلداً مسالماً مثل مملكة البحرين أيضاً.

إقرأ أيضاً: فيينا تُزهرُ في لبنان واليمَن والعراق والرياض؟ (1)

توجد افتراضات كثيرة، لكن يوجد ثابت واحد. الثابت الوحيد يختزله سؤال: هل تستطيع إيران أن تكون دولة طبيعية أم لا؟ الجواب أنّ الإجابة عن مثل هذا السؤال في غاية الصعوبة. يعود ذلك إلى سبب واضح. يتمثّل هذا السبب في أنّ النظام الإيراني فشل داخلياً على كلّ صعيد. النجاح الداخلي الوحيد الذي حقّقه كان في مجال قمع الشعب الإيراني. مشكلة هذا النظام أنّه لا يستطيع البقاء على قيد الحياة من دون تصدير أزماته الداخليّة إلى خارج حدوده. ما العمل مع مثل هذا النظام الذي لا يعرف أن ليس أمامه سوى التعاطي مع الواقع. الواقع هو الاقتصاد ولا شيء آخر غير الاقتصاد. لا يمكن لأيّ دولة لعب دور خارج حدودها من دون اقتصاد قويّ. لا تستطيع “الجمهوريّة الإيرانية” أن تشذّ عن هذه القاعدة لا أكثر ولا أقلّ. هل من مجال لاقتناع “الجمهوريّة الإسلاميّة” بذلك؟

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…