كنت أنفخ مرارتي بأرجيلة عجمية، قبل يومين، حينما بُثّ في التلفزيون المعلّق فوقي في المقهى، خبر تسطير قاضية “الدليفري” غادة عون قرار منع سفرٍ بحقّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
صَمَت جميع الحاضرين في المقهى لبرهة، حتى يتمكّنوا من قراءة الخبر (نصفهم بيقرا عربي مكسّر)، ثمّ صاح أبو مصطفى قائلاً: “اللهمّ اضرب الظالمين بالظالميييين”، فتصدّى له أبو زكّور فوراً بالقول: “ليش ولو خيّي؟ هلّق جماعة عون وباسيل أفضل من رياض سلامة؟”.
تصاعدت حدّة النقاشات في لحظات، وبدأت تنهمر آراء الحاضرين، فراح كلٌّ يدلي بدلوه…
يلّي عم يعمله عون وصهره “الفلتة” هو الجنون بذاته
أبو سامي: “يا أخي هيدي غادة عون مش قاضية… هيدي زلمة عند جبران باسيل. شو ما شفتوها شو عملت مع مكتّف؟ وين الملفّات ووين الإدانات وتهريب الدولارات والأموال؟ افترت عليه ونحنا أكلنا الضرب وصرنا ندفع دولارين على كل 100 دولار قديمة… هي عم تدفعهم من كيسها؟”.
أبو طلال: “صحيح أبو سامي. بعدين عون متنّح بدو يشيلو، طب يخبرنا مين بدّو محلّو؟”
أبو فاروق مقاطعاً: “ههههههه مين بدو يجبلك يعني؟ أكيد حدا على شكالة ندى البستاني أو سيزار أبي خليل… يا طالب الدبس”.
بعد ذلك، تنحنح أبو محمود، وهو أعمق روّاد المقهى ثقافة وتجربة، وأكثرهم لوذعيّة وإسهاباً، وذلك بحكم عمله السابق، قبل إحالته على التقاعد، في مكتب المحافظ: “يا جماعة، القصّة مش نكايات. سلامة مش ضابط متل ما قال نجيب ميقاتي وبس، وإنّما قائد أركان. هو ضابط تنسيق كبير بين الداخل والخارج. وهو كمان الطرف يلّي قادر يتفاهم ويحكي مع كلّ الجهات. بيحكي الأميركيين وبيحكي الفرنسيين، بيفتح التلفون مع الحريري وبيسكرو مع برّي. بيعمل اتفاق مع ميقاتي وبيطلع على بعبدا ليرضي عون… خلاصة هيدا كلّو لنقول إنّو يلّي عم يعمله عون وصهره الفلتة، هو الجنون بذاته. واحد معاقَب من الأميركيين بتُهم فساد بدّو يعيّن حاكم جديد للمصرف المركزي لحتى يرجع هيدا الحاكم تبعو يحكي مع الأميركان؟… إيه مين رح يحكيه؟ لك حدا يخبرنا شو بيتعاطى هيدا باسيل؟ نشارة؟”.
ضحك الجميع بعد سماع رأي أبي محمود، وأومأوا برؤوسهم من باب الرضى على ما سمعوه، ثمّ أجمعوا كلّهم على أنّ وجود سلامة في هذا الظرف كفيل بضبط سعر الدولار قدر المستطاع، وأنّ تطييره سيكون كارثة على الجميع، وقد يطير معه الدولار إلى مستويات مخيفة.
بعد ذلك تنبّه الحاضرون إلى أنّني لم أرمز بشفتيّ كلمة واحدة في النقاش الدائر، على غير عادة. فشاحوا بنظرهم صوبي وسألوني: “شو أبو زهير؟ إنتِ شو رأيك؟”.
إقرأ أيضاً: “آخرة” العهد: رياض سلامة فارّ من وجه العدالة!
أخذت سحبة طويلة من الأرجيلة ونفخت دخّانها صعوداً، ثمّ قلت: “يا أحمِد (الساقي في المقهى) هات واحد تاني شاي لشوف!”، ثمّ رفع صوت التلفزيون من فوقي على أغنية قديمة للستّ أمّ كلثوم لحّنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي عنوانها: “قالوا أحبَّ القَسُّ سلامة… وهو التقيُّ الوَرِعُ الطاهرُ”.
*هذا المقال من نسج خيال الكاتب