أصحاب ولا أعزّ.. كلمة أخيرة

2022-02-10

أصحاب ولا أعزّ.. كلمة أخيرة

أحد أبرز الانتقادات التي وُجّهت إلى فيلم “أصحاب ولا أعزّ”، والتي طالت كلّ من وقف في مربّع الدفاع عن الإبداع، هو القول بأنّ الفيلم يُروّج للمثليّة الجنسيّة، ويجعلها تتسرّب إلى الثقافة العامّة، بحيث تصبح أمراً عادياً أو مستوعَباً اجتماعياً.

أعرف الكثير من الأصدقاء من أصحاب الآراء المنفتحة في معظم الأحيان كانت لهم تحفّظات على الفيلم من هذه الزاوية تحديداً. في هذا السياق جاء بيان “مركز الفتوى التابع للأزهر”، والمستمدّ من أحاديث للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيّب في مناسبات سابقة، يؤكّد فكرة أساسية هي عدم توطين ثقافة مغايرة، خاصة على صعيد العلاقات الجنسية، لا تقرّها الأديان، ولا يعرفها المجتمع بتقاليده. ولا يزال النظام العامّ في المجتمع يتعامل مع المثليّة الجنسيّة باعتبارها انحرافاً يُضاف إلى انحرافات أخرى ظهرت متقطّعة في المجتمع، مثل تبادل الزوجات، والصداقة الجنسيّة، وخلافه.

العقلانية والاقتراب العلمي من القضايا يحميان شبابنا من منعطفات خطيرة، من خلال بناء الوعي والتفكير النقدي وإدراك المفاهيم الدينية والأخلاقية

أفهم أن يثور المجتمع، بمؤسّساته الدينية والثقافية، ضدّ كلّ الأفكار أو الممارسات الوافدة التي تخالف ما استقرّ عليه من تقاليد، وما تواتر عليه من معتقدات، لكنّني أظنّ أنّ ردّة الفعل الانفعالية تجاه المواقف، تستنفد الطاقة في الغضب، ثمّ ما يلبث أن يتكرّر الأمر مراراً وتكراراً مع انفعال أقلّ، ودرجة تقبّل أوسع.

حدث ذلك عدّة مرّات في مناسبات سابقة على عدّة مستويات، حين يتصاعد غضب ضدّ قضيّة من القضايا، ثمّ يخمد بعد جدل، وبعد ذلك يتحوّل الأمر إلى مسألة معتادة. أتذكّر أنّ المجتمع في مطلع التسعينيّات اهتزّ تجاه حادثة “فتاة العتبة”، واعتبر ذلك مساساً بقيم المجتمع، وخروجاً على معتقداته، وهذا صحيح بالطبع، لكن تكرّرت بعد ذلك أحداث التحرّش والاغتصاب وهتك العرض حتى صارت أخباراً عاديّة في صفحة الحوادث في أيّ جريدة. ولم يعد ردّ الفعل كما كان في المرّة الأولى. وإذا استمرّ هذا النهج في التعامل مع قضايا المثليّين والحرية الجنسية أو ما شابهها، فأغلب الظنّ أنّ المجتمع سوف يفور ويخمد من آن لآخر، وبعد فترة تزداد مساحة تقبُّل المجتمع للأمر، ويصبح شأناً متداولاً عاديّاً، وإن ظلّ غير مقبول من القاعدة العريضة من الناس.

خلافاً لذلك يأتي ردّ الفعل العقلاني، الذي يناقش ويحلّل، ويعرض وجهات النظر، ويرفع مستوى وعي الناس.

بالتأكيد البوح أفضل من التكتّم، والخوف من الخطأ يستوجب مناقشته، والتوعية لمخاطره، أكثر من الغضب. ولو ظلّ الناس يرفضون الحديث عن المثليّة حتى لا تصبح مسألة معتادة، فأغلب الظنّ أنّها سوف تصبح كذلك بفعل التكتّم، والشيوع في صمت. لكن لو ناقشها الناس، وتضمّنتها برامج الإعلام والتعليم والخطابات الدينية بشيء من العقلانية، والنظرة العلمية، والنقد الاجتماعي، فسوف نرفع مستوى الوعي بها، وتدرك الأجيال الناشئة هذه المسألة وتداعياتها.

تشير السوابق إلى أنّ المجتمع يحرز نجاحات إذا انتهج السبيل العقلاني في التعامل مع القضايا.

عندما خصّصت مجلة أجنبية غلافها منذ سنوات عن قضية ختان الإناث في مصر اندفع المجتمع غاضباً لشرفه، لكن ظلّت المشكلة قائمة إلى أن تصدّت لها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني بعقلانية، وإعلام، وإعلان، ومنتجات ثقافية، وتشريعات تجرّم هذه الممارسة البغيضة، الأمر الذي أدّى إلى تراجع معدّلاتها، وصارت مصر ضمن الدول التي يُشار إليها في مجال مكافحة ختان الإناث.

إقرأ أيضاً: أمّ كلثوم عقبة في طريق تطوّر الغناء المصريّ!!

بالطبع أنا لا أقارن بين قضية ختان الإناث والمثليّة الجنسيّة، فهناك اختلاف واسع بينهما، لكنّني فقط أشير إلى أنّ العقلانية والاقتراب العلمي من القضايا يحميان شبابنا من منعطفات خطيرة، من خلال بناء الوعي والتفكير النقدي وإدراك المفاهيم الدينية والأخلاقية.

 

* نقلاً عن الشروق المصريّة

مواضيع ذات صلة

دمشق بين بيروت وطهران: ملابس داخليّة وسجّادة للبيع!

منتصف حرب سوريا، جرى نقاشٌ عميق بين أحد أيديولوجيّي “الممانعة” وأحد ظرفائها حول مستقبل العلاقة بين طهران ودمشق، وبالتالي بين “الحزب” ودمشق. فكانت وجهتا نظر….

إيران بين أوهام الإمبراطوريّة وبراغماتيّة الدّولة

“ويشبّ في قلبي حريق ويضيع من قدمي الطريق، وتطلّ من رأسي الظنون تلومني وتشدّ أذني، فلطالما باركت كذبك كلّه ولعنت ظنّي. ماذا أقول لأدمُع سفحتها…

لبنان ضحيّة منطق إيران… ولامنطق الحزب

حرب من أجل ماذا تسبّب بها الحزب للبنان؟ ما الهدف من حرب، لا منطق لها ولا هدف، بادر الحزب إلى شنّها يوم الثامن من تشرين…

ماتوا… ممنوعين من الاعتراض

مئات من الذين قُتِلوا بالأمس، أو دُمّرت بيوتهم في الأشهر الماضية، ليسوا منتسبين إلى الحزب. بل ويعترضون على سياساته. تلك التي انتهت إلى تدمير بيوتهم…