تتحكّم أربعة مؤشّرات في جولة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان والمنطقة:
1- زيارة دبلوماسيّة دوريّة، وبروتوكوليّة تعارفية. ولا تحمل أيّة أفكار جديدة. إنّها فقط مجيء استطلاعي لوجستي إلى يوم ما بعد الحرب.
2- لا تشكّل الرئاسة اللبنانية مادّتها الجوهرية. حيث تكرّس الأولوية منها فقط لحلحلة الملفّات الأمنيّة والسياسات الاطمئنانيّة، تلك التي تساهم في الفصل الحقيقي لمبدأ وحدة الساحات وتحييد الجغرافيا اللبنانية عن الحرب الدائرة في فلسطين المحتلّة، وعودة الهدوء على الحدود الجنوبية.
3- العودة الفرنسية في سياستها الخارجية إلى مربّعها الأوّل وقديمها الفعّال الذي أكسبها الثقة من خلال انتهاج سياسات التوازن والتمايز والمساواة الفرنسية اتجاه منطقة الشرق الأوسط، وكلّ القضايا الخلافية، وفي مقدَّمها القضية الفلسطينية. إنّها مع حلّ الدولتين.
4- تشديد فرنسا على احترام الشرعة الأممية لحقوق الإنسان، والالتزام بالمواثيق الدولية، واحترام القوانين الدولية التي تنادي بالدرجة الأولى بمبدأ الحقوق الإنسانية المتساوية، إضافة إلى دعواتها وضغطها المستمرّ من أجل تنفيذ كلّ القرارات الدولية.
جولة الوزير سيجورنيه هي الجولة الأولى له، بعد تعيينه رئيساً للدبلوماسية في الحكومة الجديدة، وتهدف إلى إيصال ثلاث رسائل
جولة الوزير سيجورنيه هي الجولة الأولى له، بعد تعيينه رئيساً للدبلوماسية في الحكومة الجديدة، وتهدف إلى إيصال ثلاث رسائل:
1- تصرّ الرئاسة الفرنسية على استخدام علاقاتها المتوازنة، بالأخصّ مع الدول العربية، إضافة إلى تمايزها في السياسات الدولية عن حلفائها، وخاصّة الولايات المتحدة، اتجاه القضايا الصداميّة العالقة. لذلك أعلن وزير الخارجية من الأردن عن عدم إيقاف فرنسا دعمها وتمويلها للأونروا، مع ضرورة تكثيف الجهود من أجل إعادة تمويلها. تعمل الرئاسة الفرنسية، من خلال أسلوبها الحالي في السياسة الخارجية، على استعادة الثقة والقبول والحضور الفعّال في المنطقة العربية، بعد الامتعاض والكسور التي أصابتها نتيجة تصريحاتها السابقة ومواقفها عند بداية الحرب في غزة، بحيث تتجنّب الإدارة الفرنسية التنازل عن دورها المركزي في أيّ حلّ سياسي مستقبلي مرتقب في فلسطين المحتلّة.
2- تشير الإدارة السياسية الفرنسية إلى أنّها مع الشرعية الدولية، واحترام القوانين والدساتير والمواثيق، ومع حلّ الدولتين في فلسطين المحتلّة ضمن حدود 1967. وتدعم الوصول السريع إلى أيّ قرار من شأنه أن يوقف الحرب المستعرة. لذلك استضافت سلسلة من الاجتماعات. وسعت ودعمت التوصّل إلى اتفاق سريع على بنود ما يعرف “الهدنة المرتقبة” أو حتى وثيقة باريس. وهو ما تتمّ متابعته الآن في الكواليس بين المصريّين والأميركيين والقطريين والكيان الإسرائيلي، مع التشديد على أنّ غزة أرض فلسطينية، وستكون جزءاً لا يتجزّأ من الدولة الفلسطينية، وليس لإسرائيل أن تقرّر مستقبلها.
3- تحرص فرنسا على الأمن والاستقرار في لبنان. تعتبر لبنان حالة خاصة في المنطقة الشرق الأوسطية. تضغط بقوّة مع الأفرقاء الدوليين والأصدقاء بشكل مباشر على فصل الساحة اللبنانية عن الحرب المستعرة في الداخل الفلسطيني. تعمل على منع امتداد الحرب وعدم شمولها الجغرافيا اللبنانية. تصرّ على إلزاميّة القرارات الدولية وفي مقدَّمها الـ1701 الذي يشكّل من وجهة نظرها المعبر الأساسي إلى مرحلة الاستقرار والمناخ التسوويّ والسلميّ. تعارض فرنسا بشدّة أيّ تعدٍّ على الأرض اللبنانية، حيث نقل وزير الخارجية الفرنسي رسالة واضحة من الرئاسة الفرنسية إلى الكيان الإسرائيلي، مفادها إمكانية تنفيذ عملية عسكرية في لبنان لإجلاء الرعايا، في حال القيام بأيّ مغامرة تؤدّي إلى اندلاع الحرب. وهي دلالة فرنسية واضحة على أنّ الأمن والاستقرار في لبنان خطّ أحمر.
إقرأ أيضاً: بورتريه لـ”الخماسية”: هكذا ستصنع رئيساً
جولة الوزير سيجورنيه في المنطقة لا تُعتبر جولة نوعيّة
لا تُعتبر هذه الزيارة نوعيّة، فهي لا تحمل أيّ فكرة أو مبادرة جديدة. لا تنفصل كذلك عن الجولات السابقة والزيارات الفرنسية الدورية للمنطقة التي تكثّفت بشكل ملحوظ بعد اندلاع الحرب على قطاع غزة. ويلتقي قدوم رئيس الدبلوماسية الفرنسية الجديد أوّلاً بطريقة غير مباشرة مع مروحة الحراك الدولي الدبلوماسي الذي تشهده المنطقة عامّة ولبنان خاصة. ينسجم كذلك بشكل مباشر مع تضافر الجهود الدولية مجتمعة لناحية إنهاء الحرب في فلسطين المحتلّة بالدرجة الأولى، وعدم تمدّدها إلى لبنان، والعمل على استقراره وتطبيق القرار 1701.