“لا يزال القرار الكبير بالامتناع عن توسيع الحرب ساري المفعول على الرغم من الاهتزازات التي حصلت في البحر الأحمر وفي جنوب لبنان، والضربات المتوالية التي تتعرّض لها القوات الأميركية في كلّ من العراق وسوريا”.
هذا ما انتهى إليه مصدر واسع الاطّلاع على الخلاصات السياسية لقراءة الوقائع الميدانية، إضافة إلى المعطيات حول تصاعد المواجهات على جبهة غزة طبعاً، وجبهة جنوب لبنان والردّ الأميركي – البريطاني على تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عُمان، وعلى حملة حلفاء إيران المطالِبة بانسحاب القوات الأميركية من العراق وسوريا.
على الرغم من استمرار سريان قرار أميركا وإيران عدم توسيع الحرب، فإنّ الأسئلة التي بقيت بلا أجوبة حاسمة عند الجهات التي تأكّدت من أنّ الاهتزازات التي شهدها الأسبوع المنصرم ستبقى مضبوطة، تتناول الأسباب التي دفعت كلّاً من أميركا وإيران إلى تبادل الرسائل بالحديد والنار على الشكل الذي يحصل.
“لا يزال القرار الكبير بالامتناع عن توسيع الحرب ساري المفعول على الرغم من الاهتزازات التي حصلت في البحر الأحمر وفي جنوب لبنان، والضربات المتوالية التي تتعرّض لها القوات الأميركية في كلّ من العراق وسوريا”
طهران توظّف الخلاف الأميركيّ الإسرائيليّ
تفسير خلفيّات بلوغ المواجهات حافة الحرب قد يسمح بتوقّع مدى صمود قرار عدم نقلها إلى الحرب الشاملة، سواء انطلاقاً من البحر الأحمر، أو من جبهة لبنان أو من القتال الدائر في غزة أو من تبادل الضربات بين أميركا وأذرع طهران في كلّ من سوريا والعراق وصولاً إلى فتح ملفّ الانسحاب الأميركي من سوريا ومن العراق.
انضمّ رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى حملة حلفاء طهران ضدّ الوجود الأميركي في العراق فاقترح تفاوضاً على هذا الانسحاب، على وقع تبادل القصف بين القوات الأميركية وميليشيات “الحشد الشعبي”.
لقد بات واضحاً أنّ طهران تطمح إلى تحقيق مكاسب تكرّس نفوذها في عدد من الميادين، مستفيدة من المأزق الإسرائيلي، وبالتالي الأميركي، في غزة لصعوبة تحقيق أهداف الحملة العسكرية التي يخوضها بنيامين نتانياهو في القطاع والتي تجاوزت مدّتها الزمنية مئة يوم، في وقت كانت واشنطن تأمل انتهاءها في سرعة. كما أنّ الجانب الإيراني يعمل على استثمار الخلافات الأميركية مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو لمصلحة إنجاز تفاهمات مع واشنطن في وقت الأخيرة غير جاهزة لها في سنة الانتخابات.
فشل مفاوضات عُمان: عقدة الملفّ النوويّ
الأوساط التي تراقب التصعيد الذي يشهده الإقليم، تعرض خلفيّاته وفق بعض أجزاء تسلسل الأحداث التي سبقت وتبعت فشل المفاوضات التي كانت تجري بعيداً من الأضواء بين الجانبين الأميركي والإيراني في سلطنة عُمان الشهر الماضي. ومن الوقائع في هذا التسلسل:
– أنّ طهران أصرّت خلال تلك المفاوضات على حسم الموقف الأميركي من الملفّ النووي بالعودة إلى اتفاق 2015 ولو معدّلاً، ورفع العقوبات الأميركية عنها بحيث تحصل على الأرصدة المالية العائدة لها من بيعها النفط، وهي بعشرات المليارات، في عدد من دول العالم.
أمّا واشنطن فدعت إلى تركيز التفاوض على القضايا الإقليمية العالقة ودور ايران فيها، بهدف تفكيك الأزمات التي تلعب دوراً فيها عبر أذرعها، في اعتراف بما داومت دول الخليج على طلبه، وهو أنّ الملفّ النووي لا يستقيم من دون ربطه بتدخّلات إيران في دول المنطقة. فضلاً عن أنّ حجّة أميركا كانت في القول إنّ الملفّ النووي لا يعود لها وحدها بتّه، بل لدول الـ”5+1″ والاتحاد الأوروبي معها (أي الدول الشريكة في مفاوضات فيينا). وذلك بعدما نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية معلومات عن رفع طهران نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ما يقارب تسعين في المئة، في تقرير صدر للعلن في 26 كانون الأول الماضي.
كشف التقرير أنّ إيران ضاعفت إنتاجها من اليورانيوم المخصّب ثلاث مرّات شهرياً. ثمّ أعقب صدور التقرير إعلان الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، في 29 كانون الأول، إدانتها زيادة إيران إنتاجها من اليورانيوم المخصّب إلى ما يقرب من المستوى المطلوب لصنع سلاح نووي.
كان الاتفاق الضمني أن تتوقّف طهران عند التخصيب بنسبة ستين في المئة، بعدما تجاوزت النسبة التي ينصّ عليها اتفاق 2015.
أعلنت “حماس” وقف التفاوض على الإفراج عن الرهائن جرّاء عملية الاغتيال، بعدما كانت ربطت الأمر بوقف إطلاق النار في غزة
– تعتبر طهران أنّها قامت بدور إيجابي في ما يخصّ الوضع الإقليمي تحت سقف تضامنها مع غزة في الحرب التي تشنّها إسرائيل ضدّها، عبر دعوتها حلفائها إلى تجنّب توسيع الحرب نحو جبهات أخرى. وحجّة القيادة الإيرانية أنّها أثبتت جدّية في ما وعدت به في شأن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومنع توسّع الحرب، على الرغم من أنّ هدفها الرئيسي أن توقف إسرائيل إطلاق النار في غزة. وهو ما ترفضه حكومة بنيامين نتانياهو، وتساندها في هذا الرفض واشنطن. ويقول الجانب الإيراني إنّ على الولايات المتحدة أن تختار بين مصلحتها في التوصّل إلى تفاهمات في المنطقة وبين الانحياز لنتانياهو.
وقف التفاوض على إخلاء 6 رهائن أميركيّين
– في خطّ موازٍ للمحادثات الأميركية الإيرانية غير المباشرة في عُمان، كانت تجري مفاوضات عبر قطر، من أجل الإفراج عن ستّة إسرائيليين يحملون الجنسية الأميركية، محتجزين لدى حركة “حماس” في غزة، لكنّها توقّفت بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني الجاري.
أعلنت “حماس” وقف التفاوض على الإفراج عن الرهائن جرّاء عملية الاغتيال، بعدما كانت ربطت الأمر بوقف إطلاق النار في غزة. وكانت طهران نصحت الحركة وسائر الفصائل بُعَيد عملية “طوفان الأقصى”، بالتجاوب مع الوساطات لتبادل الأسرى والرهائن من النساء والأطفال ومن يحملون جنسيات غربية لأنّه يخفّف من التضامن الغربي والأوروبي مع إسرائيل. والإفراج عن الأميركيين الستّة مسألة مهمّة لإدارة الرئيس جو بايدن على الصعيد الأميركي الداخلي، مع اقتراب الحملات الانتخابية الرئاسية.
صعوبات تجديد الحوار الأميركيّ الإيرانيّ
– بعدما تجمّدت المفاوضات نتيجة الخلاف حول الملفّ النووي، عاد الجانب الأميركي فطلب من بعض الوسطاء العمل على حلحلة الموقف مع “حماس”، بهدف تنشيط دينامية تبادل الأسرى والرهائن من جهة، والعودة إلى التفاوض مع إيران حول الملفّات الإقليمية والرهائن من جهة أخرى.
استبق وزير الخارجية أنتوني بلينكن جولته في المنطقة، التي بدأها في السادس من الشهر الجاري بزيارة أنقرة، باتصالات مع كلّ من مسقط والدوحة. وتفيد معطيات الأوساط المتابعة لما تسرّب عن الاتصالات في هذا الشأن أنّ مسقط لم تبدِ حماسة لاستئناف دورها الوسيط لاعتقادها بأنّ الأمور تعقّدت في شكل يتعذّر معه الخوض في مسعى سيلاقي الفشل، وأنّ الولايات المتحدة ذهبت بعيداً في الانحياز إلى إسرائيل في الحرب على غزة. فيما كان رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أعلن أنّ اغتيال العاروري أدّى إلى تعقيد التفاوض على الإفراج عن الرهائن. وكرّر ذلك أثناء زيارة بلينكن للدوحة. إلا أنّ الأخيرة عادت بالتنسيق مع مصر إلى التفتيش عن صيغة جديدة للإفراج عن الرهائن تحت عنوان التوصّل إلى هدنة إنسانية، وبدعم دولي لهذا التوجّه.
إقرأ أيضاً: مقاربة إسرائيليّة جديدة في مفاوضات السلام
– الحجج التي استخدمتها طهران لامتناعها عن تجديد التفاوض مع الجانب الأميركي تشمل رفضها الاتّهامات التي وجّهتها إليها واشنطن بأنّها تقف خلف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وأنّه على الرغم من الإيجابية التي أبدتها، قوبلت جدّيّتها بتفجيرَي مدينة كرمان (في 4 من الشهر الجاري أثناء إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني).
حسب المطّلعين على جهود تجديد التفاوض بين إيران وأميركا بناء على طلب أميركي فإنّ طهران اعتبرت أنّها لا تستطيع العمل وفق “المزاج الأميركي”، وأنّه إذا كان لا بدّ من مفاوضات فيفترض بكلّ طرف أن يراعي مصالح الآخر.
لمتابعة الكاتب على تويتر: ChoucairWalid@