المواجهات العسكرية المحدودة بين الولايات المتحدة ووكلاء إيران في العراق، سوريا واليمن، توحي بأنّ التفاهمات غير المعلنة بين واشنطن وطهران لم تصل بعد إلى حدّ الصفقة في المنطقة.
واضح أنّ طهران قرّرت أن تواكب حرب غزة من خلال حرب استنزاف لإسرائيل وإزعاج للولايات المتحدة عبر جميع الجبهات حيث لإيران نفوذ مع الفصائل المحلّية. لكنّ لعبة الاستنزاف لن تكون مقبولة من قبل إسرائيل التي بدأت تستعيد توازنها الأمني والعسكري بعد “طوفان الأقصى” وأخذت في الانتقال إلى المواجهة خارج الحدود وبعيداً عن دائرة الصراع المباشر في غزة. وما اغتيال صالح العاروري في بيروت ومسؤول الحرس الثوري الإيراني في سوريا رضا موسوي إلا دليل على ذلك.
بعد الفشل في التوصّل إلى اتفاق نووي بين واشنطن وطهران، دخل الطرفان في تفاهم غير معلن يقوم على مبدأ “لا اتفاق لا أزمة”. لكنّ هذا التفاهم لم ينسحب إلى ساحات المواجهة الأخرى، خصوصاً بعد اندلاع حرب غزة.
يعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ أهمّ إنجازاته تكمن في أنّ الولايات المتحدة لا تحارب خارج حدودها منذ عقود، بعدما سحب القوات الأميركية من أفغانستان
إيران سجّلت نقاطاً استراتيجيّة…
قد تكون إيران قد سجّلت بعض النقاط الاستراتيجية بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، لكنّ عودة الولايات المتحدة عسكرياً إلى المنطقة والتموضع بحريّاً بدأ يشكّل قلقاً لطهران بأنّ التمادي بالتحرّش بالقوات الأميركية بدأ يعطي نتائج عكسية. الإشارات المتناقضة هي سمة سياسة النظام في إيران. لطالما التزمت إيران بالتهدئة في ساحة ما نتيجة تفاهم أو اتفاق، لكنّها كانت تشعل جبهة أخرى رغبة منها في تحقيق مكاسب إضافية.
المرحلة المقبلة إيرانيّاً ستكون لملمة “الساحات” والحفاظ على المكتسبات. في لبنان الأمين العامّ للحزب الذي يخوض مواجهة عسكرية على الحدود مع إسرائيل، بعث برسالة واضحة تحدّد مطالب حزبه لاستعادة الهدوء على الحدود الشمالية لإسرائيل بعد انتهاء حرب غزة.
الحوثيون يريدون تعزيز موقفهم التفاوضي بعد نهاية الحرب بعدما شكّلوا إزعاجاً للمنطقة على الرغم من التأثير المحدود لعملياتهم العسكرية التي تعرقل الملاحة التجارية في البحر الأحمر. وهم أثبتوا أنّ لإيران من خلال الحوثيين نفوذاً في البحر الأحمر، إلى ما لذلك من تداعيات على بعض دول الخليج. وسيلمس المبعوث الأميركي لشؤون اليمن تيموثي ليندركينغ توجّهات الحوثيين أثناء زيارته المنطقة هذا الأسبوع.
… وأميركا ردّت بحزم
أمّا في العراق الذي يشكّل الساحة حيث تتواجه واشنطن مع طهران حيناً وتتعايش معها معظم الأحيان، فقد ردّت واشنطن بشكل قاسٍ على التحرّشات اليومية بقوّاتها من قبل الفصائل العراقية التي تدور في الفلك الإيراني عبر اغتيال قائد فصيل “النجباء” في رسالة واضحة لإيران كي لا تفسّر عدم رغبة واشنطن توسيع المواجهات العسكرية في المنطقة بأنّها دليل ضعف. بغداد كانت المكان الذي يشهد فكّ الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران تمهيداً لعقد صفقات، سواء إقليمية أو على الصعيد العراقي. ومن المتوقّع أن تهدأ الأوضاع عراقياً بعد اغتيال “مشتاق” قياساً على ردود إيران بعد كلّ ضربة تتلقّاها.
في ما يخصّ حرب غزة، إيران تدرك أنّه على الرغم من دعمها لحماس والجهاد الإسلامي، فإنّ دورها في ما يخصّ الموضوع الفلسطيني يبقى محدوداً. المرحلة المقبلة سيكون عنوانها النفوذ أكبر لمن يستطيع أن يساهم في إعادة إعمار غزة واستضافة مفاوضات سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وطهران غير مخوّلة لأن تكون لاعباً في المجالين معاً.
إقرأ أيضاً: الرهان على تغيير سياسة واشنطن خاسر
يعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ أهمّ إنجازاته تكمن في أنّ الولايات المتحدة لا تحارب خارج حدودها منذ عقود، بعدما سحب القوات الأميركية من أفغانستان. وإدارته اليوم ليست بوارد الدخول بمواجهات عسكرية وحروب، خصوصاً في عام الانتخابات الرئاسية، ومن هنا حرصها على عدم توسّع المواجهات أثناء حرب غزة.
أمّا اللاعب الأساسي الذي يمكن أن يخلط الأوراق ويعيق الانتظام فهو إسرائيل التي ينتظر العالم كيف ستتعاطى مع مرحلة ما بعد صدمة 7 أكتوبر، محلّياً وعلى صعيد الملفّات الإقليمية، وتحديداً الملفّ النووي الإيراني، الغائب مؤقّتاً عن لائحة الأزمات الإقليمية.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@