تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية مليء بانتقادات واشنطن لتل أبيب بسبب استعمالها القوّة المفرطة أثناء عملياتها العسكرية واستمرارها بتوسيع المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنّ هذه الانتقادات لم تترجَم في يوم من الأيام إلى خطوات عقابيّة أو ضغوطات جدّية تجبر إسرائيل على تعديل سياساتها.
على العكس فإنّ الدعم العسكري والسياسي “الثابت الذي لا يتزعزع” من قبل واشنطن استمرّ وتطوّر طوال العقود السابقة وصولاً إلى حرب غزة حين أعلنت واشنطن وقوفها إلى جانب إسرائيل بشكل مطلق.
أيزنهاور الأوّل والأخير
معارضة الرئيس الأميركي الراحل أيزنهاور للعدوان الثلاثي على قناة السويس في عام 1956 كانت المرّة الأخيرة التي أدّت فيها المعارضة الأميركية لعملية عسكرية شاركت فيها إسرائيل إلى وقف العدوان وتغيير الواقع على الأرض. وكان ذلك لاعتبارات تتعلّق بتنافس الولايات المتحدة مع بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين بدأ التقارب الأميركي الإسرائيلي يتعزّز حتى وصل إلى أقصى حدود التنسيق الأمني والعسكري.
نجحت إسرائيل في كلّ مرّة اصطدمت فيها بمعارضة الولايات المتحدة لتصرّفاتها أن تحتوي نتائج الخلاف وأن تمضي قدماً في تحسين وتعزيز العلاقات
نجحت إسرائيل في كلّ مرّة اصطدمت فيها بمعارضة الولايات المتحدة لتصرّفاتها أن تحتوي نتائج الخلاف وأن تمضي قدماً في تحسين وتعزيز العلاقات. الاستمرار بتوسيع المستوطنات، استعمال القوّة بشكل مفرط الذي أدّى في بعض الأحيان إلى مقتل مواطنين أميركيين وصحافيين والإصرار على بناء الجدار الأمني، كلّها خطوات انتقدتها واشنطن علناً، لكنّها لم تقرنها بخطوات عقابية أو ضغوط جدّية لثني إسرائيل عن وقفها. ربط المساعدات الأميركية لإسرائيل يُعتبر من المحرّمات في واشنطن. آخر من حاول أن يقوم بذلك من خلال تجميد القروض لإسرائيل كان وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر في عهد الرئيس الراحل جورج بوش الأب الذي خسر لاحقاً انتخابات التمديد على الرغم من نجاحه في حرب تحرير الكويت.
العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة استثنائية. هناك كلفة سياسية محلّية للصدام مع إسرائيل في واشنطن نتيجة التأييد من قبل النخب السياسية ومجلسَي النواب والشيوخ الذي تتمتّع به إسرائيل في واشنطن. لكنّ الوضع في إسرائيل مختلف إلى حدّ ما: يحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي على علاقة طيّبة ووثيقة مع البيت الأبيض، لكنّ القدرة على مواجهة الرئيس الأميركي وضغوطات واشنطن أصبحت تخضع للاستهلاك الانتخابي كما فعل نتانياهو حين حاول تقويض الاتفاق النووي الإيراني الأميركي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
بايدن الناصح لنتانياهو لا المعارض
يكرّر اليوم نتانياهو الموقف ذاته في ردّه على الانتقادات الأميركية لكيفية إدارته لحرب غزة وما يحضّره لِما بعد الحرب في ما يتعلّق بإدارة القطاع. انتقادات بايدن لحكومة إسرائيل نتيجة ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين لم تتخطَّ حتى الآن إطار “المصحّح” و”القلق” و”الآسف” لسقوط الضحايا من المدنيين، وهي غير مرشّحة لأن تتحوّل إلى صدام جدّي بين البيت الأبيض ونتانياهو في موسم الانتخابات الرئاسية.
حرّكت حرب غزة وحجم الضحايا من المدنيين الشعب الأميركي وأدّيا إلى ارتفاع عدد منتقدي السياسة الأميركية في الداخل ومن قبل أفراد في المؤسّسات الحكومية، لكنّ ذلك لم يؤدِّ إلى أيّ تغيير في السياسة، إنّما اقتصر التغيير على اللهجة فقط، حيث أصبح الناطقون الرسميون يعبّرون عن أسفهم لسقوط الضحايا الأبرياء، بينما أشهرت واشنطن بإرسال الأسلحة واستعمال حقّ الفيتو في مجلس الأمن ضدّ أيّ مشروع يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
إقرأ أيضاً: لا قيادات تاريخيّة لمرحلة ما بعد الدمار؟
في المقابل لم يكن لغضب الشارع العربي والانتقادات الخجولة من قبل الحكومات العربية لسياسة واشنطن أيّ تأثير جدّي على مواقف الإدارة الأميركية الداعمة لإسرائيل، أقلّه في دعم وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية.
التحرّكات المؤيّدة للفلسطينيين التي شهدتها الولايات المتحدة أخيراً كانت غير مسبوقة، لكن من المبكر معرفة مدى تأثيرها على صانعي السياسة في الولايات المتحدة بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية المقبلة لمعرفة ما إذا كان التأييد لحرب غزة والدعم المطلق لإسرائيل لهما كلفة سياسية مقارنة بالكلفة السياسية على من ينتقد إسرائيل.
لمتابعة الكاتب على تويتر: mouafac@